الهدنة في اليمن: مستفيدون وخاسرون
في ما يتعلق برفع الحظر الجزئي عن ميناء الحديدة في اليمن، نصت الهدنة على دخول 18 سفينة مشتقات نفطية خلال شهري الهدنة.
ميدل ايست نيوز: تكللت التحركات الصامتة للمبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في تحريك الجمود الذي أصاب عملية السلام اليمنية منذ نحو أربع سنوات، وذلك بانتزاعه موافقة من أطراف النزاع كافة على هدنة إنسانية لمدة شهرين، بعدما كانت التسريبات تتحدث عن اقتصارها على شهر رمضان فقط.
وحسب تقرير لموقع “العربي الجديد” أعلن غروندبرغ مساء أول من أمس الجمعة، أن أطراف النزاع تجاوبت مع مقترح لإعلان هدنة إنسانية مدتها شهران قابلة للتمديد، بالإضافة إلى رفع جزئي للحصار عن المنافذ البرية والجوية والبحرية. واعتباراً من الساعة السابعة من مساء أمس السبت، بتوقيت اليمن، دخل قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في جميع جبهات القتال الداخلية والشريط الحدودي مع السعودية، في ظلّ مخاوف انهيار سريع للهدنة، نظراً للتجارب الفاشلة في الهدن السابقة. وحظي إعلان الهدنة، بترحيب الحوثيين والحكومة اليمنية، وبترحيب السعودية وإيران والولايات المتحدة.
وهذا هو أول اختراق جوهري للمبعوث الأممي منذ تعيينه مطلع سبتمبر/أيلول الماضي. وجاء الإعلان عن الهدنة، عقب إعلانات أحادية وهشّة من جانب جماعة الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية، لكن الفارق هذه المرة أنّ وقف النار سيجلب لملايين المتضررين بعض الحقوق الأساسية المفقودة التي من شأنها تخفيف حدة الأزمة الإنسانية.
ورحبّت جماعة الحوثيين بإعلان الهدنة، وكتب المتحدث باسمها محمد عبد السلام على “تويتر”: “نرحب بإعلان عن هدنة إنسانية. بموجبها تتوقف العمليات العسكرية ويفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات وكذلك فتح ميناء الحديدة أمام المشتقات النفطية لعدد من السفن خلال شهري الهدنة”. ورأى القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي أنّ الهدنة “تتحقق مصداقيتها بالتنفيذ”.
كما رحّبت الحكومة اليمنية بالهدنة، وقال وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك في تغريدة: “نرحب بإعلان المبعوث الخاص بالهدنة وبالترتيبات الإنسانية في ما يتعلق بمطار صنعاء والتسهيلات الإضافية في ميناء الحديدة وفتح المعابر في مدينة تعز المحاصرة من قبل مليشيا الحوثي منذ أكثر من 7 سنوات”.
وفي واشنطن، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن بدوره عن ترحيبه بالهدنة، لكنه اعتبرها “غير كافية”. وقال بايدن: “هذه خطوات مهمة، لكنها غير كافية. يجب الالتزام بوقف النار، وكما قلت من قبل من الضروري إنهاء هذه الحرب”.
من جهته، أعرب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، في بيان، عن أمله في “أن تشكل الخطوة تمهيدا لرفع كامل للحصار، وإقرار وقف النار الدائم في سياق الوصول إلى حلّ سياسي لأزمة اليمن”.
ورغم الترحيب المبدئي، إلا أن جميع الأطراف حاولت أن تنسب إليها مكسب الهدنة: ففي حين اعتبر الحوثيون أن مبادرة القيادي في الجماعة مهدي المشاط، وكذلك الضربات الجوية الأخيرة التي طاولت منشآت “أرامكو” النفطية في العمق السعودي هي صاحبة الفضل بما تحقق، قالت الخارجية السعودية، في بيان أمس السبت، إن الهدنة “تأتي بالتماشي مع المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة والتي تم تقديمها في مارس/آذار 2021”.
وتتطابق الهدنة الجديدة بالفعل مع المبادرة السعودية التي قُدّمت في الأيام الأخيرة لولاية المبعوث الأممي السابق، البريطاني مارتن غريفيث، ورفضها الحوثيون حينذاك، وخصوصاً في مسألة وقف النار أولاً ثم الرفع الجزئي للحصار المفروض على مطار صنعاء وميناء الحديدة.
ووفقاً لمصدر حكومي يمني فإن المبادرة السعودية قدمت ثلاث وجهات للسفر من مطار صنعاء إلى مصر والأردن والهند، من أجل خدمة المرضى في الدرجة الأولى، فيما اقتصرت الهدنة الأممية على القاهرة وعمّان. وأشار المصدر، إلى أن الحكومة قدمت في هذه المبادرة تنازلات في ما يخص دخول السفن النفطية إلى ميناء الحديدة، ولم تشترط أن يتم توريد إيرادات جماركها إلى حساب مصرفي محايد كما نصّ اتفاق استوكهولم اليمني الموقع أواخر عام 2018.
وخلافاً للتوقعات، نصّت المبادرة الأممية على هدنة مدتها شهران تبدأ من 2 إبريل/نيسان الحالي (أمس السبت) وحتى 2 يونيو/حزيران المقبل، قابلة للتمديد، وذلك بهدف “توفير بيئة مواتية للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع وليس إتاحة الفرصة لأي طرف بإعادة مجموعاته أو استئناف العمليات العسكرية”.
وحلّ وقف العمليات العسكرية داخل اليمن وخارجه في صدارة بنود الهدنة، إضافة إلى تجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، رغم أن الأعمال العدائية كانت قد انحسرت بشكل لافت منذ نحو شهر، باستثناء جبهة مأرب ومديريات محافظة حجة الغربية. وبما أن الهجوم الحوثي على مأرب كان قد تباطأ بشكل كبير منذ مطلع العام الحالي، فإنّ السعودية تبدو المستفيدة بدرجة أساسية من هذا البند، وخصوصاً أنها تلقت ضربات موجعة استهدفت منشآت أرامكو ومواقع حيوية في مناسبتين مختلفتين خلال أسبوع فقط من مارس الماضي.
مع ذلك، لا يبدو أنّ الأطراف الداخلية ستلتزم حرفياً بوقف إطلاق النار، نظراً إلى عدم وجود خطوط تماس واضحة في جبهات القتال، ولغياب مراقبة مستقلة، حيث سيتم تعيين ضباط ارتباط مخولين للعمل مع مكتب المبعوث الأممي على جميع جوانب الهدنة بما فيها العسكرية، لدعم الامتثال للهدنة واحترامها.
وفي ما يتعلق برفع الحظر الجزئي عن ميناء الحديدة، نصت الهدنة على دخول 18 سفينة مشتقات نفطية خلال شهري الهدنة، وذلك بزيادة عن العرض الحكومي الذي كان قد اشترط سفينتين أسبوعياً لمدة شهرين، وفقاً لمصادر مطلعة. ويعد هذا البند مكسباً خالصاً للحوثيين. وفي ما يخص مطار صنعاء، فإن الجماعة وكذلك المدنيين في مناطق سيطرتها، هم المستفيدون من استئناف الرحلات الجوية بواقع رحلتين تجاريتين أسبوعياً من صنعاء إلى الأردن ومصر خلال شهري الهدنة.
وكان رفع الحصار الحوثي المفروض على مدينة تعز، المكسب الوحيد للحكومة الشرعية من الهدنة الجديدة، لكنّ الآلية التي جرت فيها المبادرة جعلتها تتطابق مع اتفاق استوكهولم الذي حوّل تعز إلى قضية هامشية لم تنفذ. وبحسب الاتفاق، سيدعو المبعوث الأممي فور دخول الهدنة حيز التنفيذ، طرفي النزاع للاجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين، وهو ما يخيب آمال المدنيين الذين كانوا يتطلعون إلى رفع الحصار بالتزامن مع فتح مطار صنعاء.