ما إمكانية إبرام اتفاقية أمنية بالمنطقة بعد الاتفاق النووي؟
تجد قطر نفسها أمام مهمة جديدة تتمثل في تخفيف التوتر في المنطقة، من خلال طرح مقترح جديد لاتفاقية أمنية بين مختلف الأطراف.
ميدل ايست نيوز: تقترب طهران والعواصم الغربية من العودة إلى اتفاق جديد حول النووي الإيراني، مع حديثٍ عن إحراز “تقدم كبير” في مفاوضات فيينا، وإمكانية التوصل إلى إبرام الاتفاق، وهو ما قد يشهد تغيراً كبيراً في المشهد السياسي في المنطقة والعالم.
وحسب تقرير لموقع “الخليج أونلاين” سيكون الشرق الأوسط والمنطقة أمام مرحلة مختلفة من الصراع، خصوصاً بين بعض دول الخليج إلى جانب “إسرائيل” من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، حيث ينظر إلى طهران والقوات التابعة لها في عدة دول بأنها سبب الحروب والأزمات القائمة.
وأمام ذلك، تجد قطر نفسها أمام مهمة جديدة تتمثل في تخفيف التوتر في المنطقة، من خلال طرح مقترح جديد لاتفاقية أمنية بين مختلف الأطراف، وهو أمر يعد مهماً لإحلال السلام واستعادة الاستقرار في دول المنطقة والخليج بشكلٍ خاص، لا سيما أن للدوحة سوابق في تهدئة التوترات في عدة مناطق بالعالم، فهل يتحقق ذلك؟
مقترح قطري
تتزايد المؤشرات في فيينا على قرب التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، يتم بموجبه إحياء الاتفاق المبرم بين إيران والقوى العالمية في 2015، والذي يعرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وعلى ضوء ذلك، خرج وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية، بإعلان قال فيه إن بلاده تأمل في توقيع اتفاقية أمنية بين دول المنطقة في حال تم التوقيع على اتفاقية النووي الإيراني.
وفي كلمة له بمنتدى الدوحة (27 مارس 2022) قال العطية، قطر تأمل “أن تسفر مفاوضات فيينا عن اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، ونشجع على ذلك”.
وأضاف: “نتطلع إلى نجاح هذا الاتفاق قريباً، والانتقال إلى مرحلة ثانية لإطار أمني باتفاقية تجمع دول المنطقة”.
وأشار في حديثه إلى وجود بعض الدول التي قال إن تحالفاتها الاستراتيجية تتبدل؛ “لأن الأساس الذي تقوم عليه هذه التحالفات ضعيف”.
الاتفاق النووي..والموقف الخليجي
بين الحين والآخر يخرج مسؤولون دوليون للكشف عن تقدم في مفاوضات فيينا، وأنه لم يتبق على اتخاذ قرار بشأن إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية سوى أيام، وأن الاتفاق “أصبح على بعد خطوات”.
وبدأ الاتفاق يتداعى عام 2018 عندما انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران، التي بدأت بعد ذلك التحلل من القيود المفروضة على أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، قبل أن تعود المفاوضات العام الجاري بشأن الاتفاق.
وبالتزامن مع ذلك فإن مخاوف قوية عبرت عنها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون بشأن عدم وجود ضمانات في الاتفاق النووي ترتبط بوقف التهديدات الإيرانية للأمن بالمنطقة.
وتخشى دول الخليج أن يشجع الاتفاق النووي طهران على زيادة مساعيها لتوسيع نفوذها بالمنطقة من خلال دعم الجماعات والمليشيات المقربة منها؛ مثل جماعة الحوثي اليمنية التي أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً للسعودية ودول الخليج.
ويتيح اتفاق 2015 رفع عقوبات كانت مفروضة على طهران، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها، فيما تشدد طهران باستمرار على أولوية رفع العقوبات، والتحقق من ذلك عملياً، وضمان عدم تكرار خروج واشنطن، كشرط للعودة إلى الالتزام ببنود اتفاق 2015.
يشير الخبير في الشؤون الخليجية، ميثاق جلمود، إلى أن قطر تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران، لكنه يرى أن المقترح القطري “لن يرى النور”.
ويرجع ذلك إلى “أسباب موضوعية؛ من بينها أن دول الخليج باستثناء السعودية مرتبطة باتفاقيات أمنية مع الولايات المتحدة تجدد تلقائياً كل 10 سنوات”.
ويضيف، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، أنه إلى جانب ذلك فإن “البرنامج النووي الإيراني معضلة كبيرة، لا يمكن حلها بطرح اقتراحات تصطدم بحواجز منطقية”.
ويشير إلى أن المسؤولين القطريين أكدوا في أكثر من مرة “أنهم مع توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، على عكس السعودية والإمارات اللتين على قناعة أن أي اتفاق نووي جديد مع إيران يعني زيادة في نفوذ إيران في المنطقة بعد تحسن وضعها الاقتصادي إثر مثل هذا الاتفاق”.
وعن دول الخليج، يلفت إلى أن الاحتمال الأخطر من وجهة نظرها “أن تملك إيران سلاحاً نووياً قد يشعل سباق تسلح نووي في المنطقة تبدؤه السعودية حتماً”.
أما الباحث في العلاقات الدولية أحمد مولانا فيقول إن إبرام اتفاقية موازية للاتفاق النووي الإيراني الوشيك، تتناول النشاط الإيراني في المنطقة، يعد جزءاً من محاولات واشنطن لترتيب الأمر مع طهران، لكن الأخيرة ترفض ذلك.
ويوضح “مولانا”، أن قطر تمارس دور الوساطة، وليست هي من تقترح هذا الأمر اقتراحاً ذاتياً ومباشراً منها؛ وإنما هي رغبة أمريكية بحيث لا يفرز الاتفاق النووي أزمة ويعتبر مكسباً لإيران ويظهر واشنطن في الوقت نفسه “بأنها تخلت عن حلفائها كإسرائيل والإمارات والسعودية”.
ويلفت إلى أن هناك رغبة أمريكية في إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، مقابل التزام إيراني علني بخفض التوتر وعدم ممارسة أنشطة تؤثر على دول الجوار، مشيراً إلى أن طهران رفضت هذه الفكرة بحسب التسريبات في الإعلام الغربي.
ويبين “مولانا” أن طهران طرحت عرضاً بديلاً بإرسال رسالة طمأنة لأمريكا بدون التزام علني، موضحاً أن إيران هي من ترفض هذا الطرح “لأنه يقيدها”، في وقت تحاول فيه فرض واقع “تنتصر من خلاله وتحقق أكبر قدر من النجاح دون الالتزام بتحجيم نشاطها ودورها بالمنطقة”.
وأشار إلى أنه في حال الوصول إلى هذا الاتفاق فإن “دول الخليج سوف توافق عليه، وواشنطن تضغط باتجاهه، ولكن إيران لا تزال ترفض ذلك حتى الآن”.
التوتر في المنطقة
على مدار السنوات الأربع التي حكم فيها الرئيس ترامب الولايات المتحدة، شهدت العلاقات الخليجية الإيرانية تبايناً، وعرفت شداً وجذباً على فترات متفاوتة.
وبلغ التوتر ذروته بين دول خليجية، خاصة السعودية والإمارات، وإيران، بعد دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ ضد طهران، ثم تصاعد في مايو 2019، حين استُهدِفت الناقلات التي تحمل النفط السعودي الإماراتي إلى دول أوروبا، والهجمات الحوثية على المنشآت النفطية بالمملكة.
ووضعت تلك التوترات منطقة الخليج في مرحلة ما على شفا حرب مفتوحة، خاصة مع جلب الولايات المتحدة لعدد من جنودها إلى المنطقة، إلى جانب المدمرات العسكرية البحرية، واللغة القوية التي كان يستخدمها ترامب ضد إيران.
وكان التطبيع مع “إسرائيل” الذي انتهجته الإمارات والبحرين، واحداً من أسباب التوتر في منطقة الخليج التي تعد الأبرز في منطقة الشرق الأوسط لما لها من أهمية اقتصادية كبيرة على مستوى العالم.
وتبقى الأزمات والحروب المتصاعدة، خصوصاً في اليمن وسوريا، واحدة من الأسباب التي ساهمت في هذه التوترات، خصوصاً مع إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة إلغاء الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، ودفع التقارب الأمريكي الإيراني مؤخراً دولاً خليجية كالإمارات والسعودية إلى التقارب مع الصين وروسيا.