الاستثمارات الروسية في المنطقة العربية.. ما حجمها ومستقبلها؟
قد تلجأ روسيا للأبواب الخلفية لممارسة أعمال الاستثمار في المنطقة العربية، وخاصة في مجال الاستثمارات غير المباشرة.
ميدل ايست نيوز: فرضت الحرب الروسية على أوكرانيا العديد من التحديات لجميع دول العالم، وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية التي تتزايد يوميا على روسيا من قبل أميركا وأوروبا، وإن كانت بعض الدول قد أعلنت عدم التزامها بالعقوبات الاقتصادية، إلا أن الأمور تتعلق بصعوبات تخص تحويل الأموال، وضبابية مستقبل التعامل المباشر مع المؤسسات الروسية.
وبحسب بيانات البنك المركزي الروسي ــ في تقرير لموقع “الجزيرة” ــ فقد بلغت الاستثمارات الخارجية لروسيا نحو 482 مليار دولار، تشمل الاستثمارات المالية وغير المالية، وتتضمن كذلك استثمارات البنوك والشركات والحكومة والقطاع العائلي، وهو مبلغ ضخم.
ولكن يلاحظ أن منصات الدول العشر الأولى التي تستحوذ على تلك الاستثمارات ليس من بينهم دولة عربية واحدة، فقبرص هي واجهة الاستثمارات الروسية الأولى، ثم هولندا، ثم دول أوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا، ودولة آسيوية واحدة هي سنغافورة.
والمنطقة العربية تربطها بروسيا مجموعة من الأنشطة الاقتصادية، على رأسها استثمارات روسيا في بعض البلدان العربية في قطاع النفط والغاز، كما هي الحال في العراق ومصر، وهناك العلاقات التجارية التي تشمل استيراد الدول العربية للقمح والحبوب من روسيا، وإن كانت السياحة الروسية تشكل موردا مهما للعديد من الدول العربية، مثل مصر وتونس والمغرب والأردن.
ورغم أن لروسيا علاقات ممتدة مع الدول العربية على الصعيد الاقتصادي، فإنه يلاحظ بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1989، أن هذه العلاقات شهدت تراجعا ملحوظا، لما انتاب روسيا من أداء اقتصادي ضعيف، واتجاهها للتعامل بشكل كبير مع أوروبا. ولكن بعد أكثر من عقدين من تولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة، عادت روسيا مرة أخرى للحضور إلى المنطقة العربية، في عدة مجالات من بينها المجال الاقتصادي.
مشاريع استثمارية
ووصفا لعلاقات روسيا بالمنطقة العربية على صعيد الاستثمارات، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أبريل/نيسان 2019، أن بلاده نفّذت 400 مشروع استثماري في المنطقة العربية بتكلفة بلغت 40 مليار دولار، وأن نصيب الشركات الروسية منها 25 مليار دولار، ويلاحظ أن هناك نوعا من التركيز للاستثمارات الروسية في المنطقة ما بين الإمارات ومصر.
فوزير الدولة للتجارة الخارجية لدولة الإمارات ثاني بن أحمد الزيودي، صرّح بأن بلاده تستحوذ على 90% من الاستثمارات الروسية في المنطقة العربية من خلال 4 آلاف شركة روسية تعمل في الإمارات، وأن بلاده تستحوذ كذلك على 80% من الاستثمارات العربية في روسيا.
وكان السفير الروسي لدى بغداد ماكسيم ماكسيموف قد صرّح في أغسطس/آب 2020، بأن استثمارات بلاده في العراق بلغت 13 مليار دولار في قطاع النفط والغاز، دون أن يسمي إطارا زمنيا لضخ هذه الاستثمارات في قطاع النفط العراقي، وهو ما يفقد تلك التصريحات الشفافية والمصداقية، وإن كان الحضور الروسي في قطاع النفط العراقي ملحوظا بشكل كبير.
وقد بلغ حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمنطقة العربية عام 2020 ما قيمته 40 مليار دولار، وذلك وفقا لإحصاءات تقرير الأونكتاد. ولكن بمراجعة تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2021 -الذي تصدره المؤسسة العربية لضمان مخاطر الاستثمار وائتمان الصادرات- وجد أن روسيا ليست من أكبر 10 دول مستثمرة في المنطقة العربية، سواء في عام 2019 أو 2020.
تواجد روسي في النفط والسياحة بمصر
يغلب على الحضور الروسي في مجال الاستثمار بالمنطقة العربية بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، الطابع الإعلامي أكثر من الحضور الحقيقي. فحينما يعلن من قبل مصر أن لديها 467 شركة روسية تعمل في مجال الاستثمار بمصر، يتوقع أن يكون هناك مبلغ ضخم لاستثمارات تلك الشركات، ولكن الرقم صادم من حيث تواضعه، فرأس مال تلك الشركات بحدود 60 مليون دولار فقط.
ومعظم هذه الاستثمارات تعمل في قطاع السياحة، فبحسب ما ذكرته وسائل الإعلام عن بعض هذه الشركات، مثل “تيز تور” أو “رد سي بيرل” العاملتين في قطاع السياحة، بلغت رؤوس أموالهما على التوالي 9.9 ملايين دولار و4.2 ملايين دولار، كما أن هناك شركة “سيما” لتصنيع المواد الخرسانية وإنشاء الطرق، والتي يبلغ رأس مالها 1.4 مليون دولار.
وكان لروسيا حضور في حقول الغاز الطبيعي بمصر، وخاصة في حقل ظهر، حيث اشترت 30% من ملكية حقل ظهر من شركة “إيني” الإيطالية، ثم باعت حصصا بنسبة 10% من ملكيتها في حقل ظهر لكل من الإمارات وقطر، بحصة قدرها 10%.
وثمة حديث يخلو من الأرقام الفعلية عن مساهمات روسية في منطقة خليج السويس التي تضم مناطق صناعية ذات طبيعة خاصة، ويتوقع أن تضخ روسيا عبر استثماراتها في المنطقة الاقتصادية الخاصة بخليج السويس نحو 7 مليارات دولار، ويتوقع لهذه الاستثمارات أن تخلق حوالي 35 ألف فرصة عمل.
أما محطة الضبعة النووية، فقد وقعت اتفاقيات بشأنها بين روسيا ومصر، وقدرت تكلفة هذا المشروع بنحو 40 مليار دولار، على أن توفر روسيا 80% من احتياجات المشروع، وتوفر مصر 20% منها، وأن المحطة سوف تضم 4 وحدات لتوليد الطاقة الكهربائية، بنحو 1200 ميغاوات لكل وحدة، وبتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار.
مستقبل الاستثمارات الروسية في المنطقة العربية
من المبكر الحديث عن تأثر الاستثمارات الروسية بالمنطقة العربية، وإن كان نشاط الشركات العاملة في قطاع السياحة سوف يتأثر بشكل كبير، في الأجل القصير، نظرا لتراجع -بل إلغاء- السياحة الروسية لكافة دول العالم بشكل عام، نظرا لما تمرّ به روسيا من وضع مالي، يجعلها تحرص بشكل كبير على ما لديها من عملات أجنبية.
وعلى الجانب الآخر، لن تتأثر الاستثمارات الروسية في قطاع النفط والغاز بالمنطقة العربية، نظرا لأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا استثنت قطاع النفط والغاز. ومن جهة ثانية، فإن الدول العربية المستضيفة لهذه الاستثمارات، سيكون صعبا عليها الاستغناء عنها، فهذه فرصة لجني الأرباح في ظل ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية.
أما مصر على سبيل المثال، فقد تتأثر سلبا على صعيد الاستثمارات الروسية التي من المخطط لها أن تعمل في المنطقة الاقتصادية ذات الطابع الخاص التي تعتزم روسيا إقامتها في منطقة خليج السويس، حيث إنها لم تدخل حيز التنفيذ بعد، كما أن الشيء نفسه قد ينطبق على مشروع الضبعة لإقامة المحطات النووية.
ويلاحظ أن خالد المبارك، وهو أحد المسؤولين عن استثمارات الصندوق السيادي للإمارات، قد صرّح بأنه يجب وقف استثمارات بلاده في روسيا في ظل أزمة الحرب على أوكرانيا، وهي دعوة قد تقابلها روسيا بالمثل، ولكن يلاحظ أنه في مثل هذه الأجواء، لا تفتح الدول التي تواجه عقوبات على نفسها أكثر من جبهة للحرب، وخاصة أن الجانب الاقتصادي من أبرز أدوات الصراع الروسي مع أوروبا وأميركا.
وقد تلجأ روسيا للأبواب الخلفية لممارسة أعمال الاستثمار في المنطقة العربية، وخاصة في مجال الاستثمارات غير المباشرة، من خلال مواطنيها الذي يحملون جنسيات أخرى، أو من خلال التواجد بشكل أكبر في قطاع النفط والغاز بالمنطقة العربية، مستفيدة من كون العقوبات الأميركية والغربية لا تشمل قطاع النفط الروسي.
وسيكون للأجلين المتوسط والطويل اعتبارهما في تحديد مسارات أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، والنتائج المترتبة عليها، وخاصة أن الأزمة مضى عليها شهر وأيام قليلة، وما زالت سيناريوهاتها مفتوحة.
ويمكن القول إن الاستثمارات الروسية في المنطقة العربية لا تمتلك ميزة تنافسية، فهي لا تتواجد إلا في مجالات السياحة والنفط والغاز، وهي مجالات لا تتميز فيها روسيا بتكنولوجيا فريدة، أو رؤوس أموال ضخمة، كما هي الحال لدى أوروبا وأميركا، بل بعض الدول الآسيوية أيضا.