كم تبلغ أموال الأثرياء في إيران؟ لماذا أصبحت إيران جنة رؤوس الأموال؟
توضح الأرقام أن طبقة الأثرياء في إيران تدفع ضرائب أقل بكثير مما يدفعه الأثرياء في دول أخرى؛ ما جعل إيران أشبه ما يكون ملاذاً للأثرياء.

ميدل ايست نيوز: تنامت خلال الأعوام الأخيرة القطيعة الاقتصادية بين الطبقات الاجتماعية في إيران، وهو ما يمكن رؤيته بالعين المجردة من دون الاستناد إلى أبحاث. وفي حين أصبحت طبقة فاحشي الثراء الإيرانية الأكبر في منطقة غرب آسيا، لم يعد بوسع العديد من الفقراء في إيران شراء الأرز الذي يعد الطبق الأكثر شعبية في إيران، بعد أن أصبح سعره يتجاوز 100 ألف تومان للكيلو الواحد؛ ما يعني أن الحد الأدنى للأجور في إيران (نحو 3.5 مليون تومان) يغطي قيمة 35 كيلو من الأرز الإيراني فقط.
وحسب تقرير أصدره موقع “تجارت نيوز” التابعة لـ”أكاديمية التجارة” إحدى أهم مراكز الرّصد الاقتصادي في إيران، توضح الأرقام أن طبقة الأثرياء في إيران تدفع ضرائب أقل بكثير مما يدفعه الأثرياء في دول أخرى؛ ما جعل إيران أشبه ما يكون ملاذاً للأثرياء، حيث يمكنك فيها أن تحصل على إيرادات خيالية من دون أن تضطر لدفع الضرائب.
ثريّ يشتري لوحة فنية بما يعادل راتب 4300 شهراً
انتقدت صحيفة “جمهوري إسلامي” الرسمية، والتي يمكن اعتبارها ضمن الصحافة المحافظة في إيران، الفجوة الاقتصادية بين الأثرياء والفقراء في إيران، مؤكدةً أن النظام الإسلامي الذي نشأ غداة الثورة في 1979 لم يكن من المفترض أن يشهد توسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، حيث يؤدي إلى حالة يعيش فيها البعض في أفخم القصور، ويُقْدِم بعضهم على شراء لوحة فنية بسعر 15 مليار تومان؛ ما يعادل راتب 4300 عاملاً ممن يحصلون على الحد الأدنى من الأجور في النظام الاقتصادي الإيراني.
وعلى الرغم من أن يد البرلمان والحكومة مطلقة بشكل أكبر مما نتخيل في استيفاء الضرائب من طبقة فاحشي الثراء في إيران، تظهر الأرقام تظهر أن جزءاً صغيراً فقط من الضرائب التي يمكن استيفاءها من إيرادات الأثرياء تستطيع أن تحل العديد من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها البلد. لكن السؤال يبقى، لماذا لا يقدم نظام الحكم في إيران على فرض الضرائب، واستيفائها من هذه الطبقة الاجتماعية الثرية.
طبقة فاحشي الثراء: 0.03% من المجتمع، تمتلك 250 مليار دولار
نشرت مجلة “فوربس” المعروفة بمتابعة أحوال الأثرياء في العالم تقريراً قبل بضعة أشهر، يتناول أوضاع الأثرياء في إيران. وأظهر تقرير فوربس أن نحو 250 ألف من الإيرانيين يمتلكون ثروة تبلغ مليون دولار، وهو ما يعادل 30 مليار تومان حسب سعر العملة الإيرانية في يناير 2022. وبذلك فإن إيران تحتل المرتبة 14 ضمن قائمة بلدان العالم من حيث عدد الأشخاص الذين يمتلكون ثروة بأكثر من مليون دولار مما يجعلها في المرتبة الأولى بين بلدان منطقة غرب آسيا؛ أعلى من المملكة العربية السعودية التي كانت تحتل في وقت سابق المرتبة الأولى بين بلدان الشرق الأوسط والمرتبة 17 عالمياً في قائمة الأثرياء بنحو 210 آلاف شخص.
ووفقاً لتقرير المجلة، فإن عدد الأثرياء (الأشخاص الذين تبلغ ثروتهم مليون دولار) في إيران تنامى خلال 2020 بنسبة 21.6% مقارنة بعام 2019 وهو رقم كبير جداً إذا قورن بنسبة ارتفاع الأثرياء السنوية في العام نفسه، والتي استقرت عند 6.3%. ويعني ذلك أن نسبة نمو عدد الأثرياء في إيران بلغت 3.5 أضعاف النسبة العالمية.
وأهم ما في تقرير “فوربس” أنَّه يشير إلى الحد الأدنى من الثروة وليس حدها الأقصى، مؤكداً أن نحو 0.03% من المواطنين في إيران تقدر ثرواتهم بأكثر من مليون دولار، مما يعني أننا بإزاء أقلية من المواطنين يمكن اعتبارهم طبقة فاحشي أثرياء. وبناء على إحصائيات المجلة، فإن هذا العدد من الأثرياء يمتلكون ثروة بحجم 250 مليار دولار على أقل تقدير؛ ثروة تتمثل في العقارات والبيوت والسيارات والحسابات البنكية والأسهم وحتى الذهب و”الدولار المنزلي” (الدولار الذي يدخره الإيرانيون في منازلهم وخارج جسد الاقتصاد الرسمي). وهذا الربع تريليون دولار، وإن كان الحد الأدنى للتوقعات، يفوق بنحو 13 ضعفاً أكبر عملية استثمار صناعية في تاريخ الاقتصاد الإيراني، كما يبلغ ستة أضعاف حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى الاقتصاد الإيراني على مر العقود الأربعة الماضية.
وإذا كانت معرفة حجم الثروة المتمثلة في الذهب والدولار المنزلي، وبالتالي فرض ضرائب عليها صعبة (وإن لم تكن مستحيلة بطبيعة الحال)، فإن السؤال الأساسي هو لماذا لم تفرض إلى الآن ضرائب على بقية هذه الثروة من عقارات وسيارات وأسهم وحسابات بنكية على الرغم من أن فرض ضريبة على هذه المصادر يفتح باباً من الإيرادات أمام الحكومة ويُمكِّنها من تحريك عجلة الاقتصاد؟
“السوبر أثرياء” في إيران: دولة في بطن الدولة
من أجل أن نفهم حجم الثروة التي تمتلكها طبقة فاحشي الثراء في إيران، يكفي مقارنتها بحجم الإنتاج المحلي؛ ففي حين أن حجم ثروة هؤلاء الأثرياء يبلغ في حده الأدنى 250 مليار دولار فإن البنك الدولي أعلن في تقرير له نشر قبل عدة أشهر أن حجم الإنتاج المحلي للاقتصاد الإيراني استقر عند 191 مليار دولار، ما يعني أن حجم الثروة لدى الطبقة الثرية يفوق بنحو 60 مليار دولار حجم الإنتاج المحلي الإيراني.
وبينما تشير الأنباء الصادرة عن المراكز الرسمية في إيران إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي قدمت برنامجاً يتضمن أكبر عملية استثمار صناعية في تاريخ الاقتصاد الإيراني بنحو 19 مليار دولار (نحو 500 ألف مليار تومان وفق سعر الدولار في الأسواق الإيرانية) لدعم 49 مشروع صناعي، فإن الحد الأدنى من ثروة الطبقة الثرية يبلغ 13 أضعاف برنامج الاستثمار ذلك، وهو برنامج مولته أكبر الشركات الإيرانية. ألا يسعنا مع ذلك الحديث عن دولة خفية خلف جدران الدولة الرسمية تمارس الضغط على هذه الدولة؟
وفي وقت تمنعنا الضبابية التي تحكم الاقتصاد الإيراني من الحصول على صورة واضحة لحجم هذه الثروة وخريطة انتشارها، فإن تركيبة من المعلومات المتبعثرة يمكن أن تساعدنا في معرفة الصورة الكبرى لواقع الثروة في إيران. وفي هذا السياق، فإن محسن رضائي، الذي يحتل الآن منصب المساعد الاقتصادي للرئيس الإيراني، أعلن أثناء السباق الرئاسي الذي كان مشاركاً فيه أن نحو 150 إيرانياً يمتلكون ثروة تزيد عن 1000 مليار تومان فيما يمتلك أكثر من 1000 شخص ثروات تزيد على 100 مليار تومان. ويستطيع هؤلاء الأشخاص أن يتركوا تأثير قوي على أسعار الذهب والفضة فيما لو قرروا الدخول إليها أو الانسحاب منها.
كما أعلن مركز أبحاث البرلمان الإيراني في تقرير صدر عنه في ديسمبر 2019 أن نحو 0.01% (واحد بالألف) من الحسابات المصرفية الإيرانية (البالغ عددها 800 مليون حساباً مصرفياً) يبلغ حجم مستودعاتها 1 مليار تومان. وإذا أخذنا بالحسبان الأرقام الرسمية عن الحسابات المصرفية، حيث أكدت مصادر منظمة الضرائب وجود 500 مليون حساب مصرفي (6 حسابات مصرفية بإزاء كل مواطن إيراني)، فإن ذلك يعني أننا إزاء 500 ألف مليار تومان في هذه الحسابات فقط (بينما تشير أرقام أحدث إلى أن هذا الحجم يتجاوز 500 ألف مليار تومان بفارق كبير).
وإذا افترضنا أن أصحاب تلك الحسابات يمتلكون ثروة بخمسة أضعاف حساباتهم البنكية (وهو افتراض ليس بعيداً عن المعطيات الميدانية) فإننا بإزاء ثروة تفوق 2500 ألف مليار تومان (2500 تريليون تومان). فهل من الصعب فرض ضرائب على ثروات هذه النسبة القليلة من فاحشي الثراء؟ أو على الأقل على الأجزاء الواضحة من ثرواتهم مثل الحسابات البنكية والعقارات والأسهم والسيارات؟
إيران التي تشبه سويسرا: حسابات بنكية بعيدة عن إشراف الحكومة
السؤال الأساسي بعد كل ما ذكر، هو لماذا تلجأ الحكومة إلى ممارسة مزيد من الضغوط الضريبية على الطبقات الكادحة الإيرانية، في حين أنها تتفادى فرض ضرائب على هذه الطبقة الثرية؟ حقيقة تشير إلى واقع قانوني تكون فيه إيران دولة على طراز سويسرا؛ أي دولة لا تفرض ضرائب على الحسابات البنكية، خلافاً لعدد كبير من البلدان في العالم. إيران تلتقي بذلك مع سويسرا؛ التي يمتلك فيها العديد من أثرياء العالم حسابات بنكية فيها، وتمنع قوانين السرية كل الجهات من الاطلاع على حجم مدخراتهم البنكية، وفرض ضرائب عليها.
ضريبة عوائد رأس المال (CGT) التي تجد طريقها مؤخراً إلى القوانين الإيرانية تفترض فرض ضرائب على بيع بضائع مثل العقار والسيارات والعملات الأجنبية والذهب والأسهم، حيث تؤكد استيفاء ضرائب عن كل عملية بيع لهذه البضائع، وتمنح الحكومة مصادر جديدة من الإيرادات. لكن قانون ضريبة العوائد لا يزال بعيداً عن أن ينال الحسابات البنكية. ولم يستطع نواب البرلمان الإيراني فرضها على الحسابات البنكية رغم بذل الجهود في عدة جولات.
لماذا لم يلجأ النظام السياسي الإيراني إلى هذه الأنواع من الضرائب إلا متأخراً؟ ولماذا لم يتم استيفاء ضرائب من هذا النمط طيلة العقود الماضية؟ الرد على ذلك يكمن في المصالح الاقتصادية والضغوط التي تمارسها “كتل الضغط” أو المؤسسات المتنفذة في هرم السلطة في إيران.
تبذل تلك الفئات المتغلغلة في جميع فروع النظام السياسي والبيروقراطي في إيران جهداً كبيراً وتمارس ضغطاً على المؤسسات الرسمية لتوفير قدر أكبر من المصالح لمنتسبيها. وفي هذا السياق، إذا اقتضت مصالح هذه الكتل المتنفذة استيراد نوع خاص من البضائع، فإنها تمارس ضغوطاً واسعة على البرلمان والحكومة والمؤسسات الرسمية الأخرى من أجل مواصلة استيراد تلك البضائع، حتى إذا كان استيرادها مُضراً بالاقتصاد المحلي. أما إذا كانت مصالحهم تقتضي صادراتها فإنهم يمارسون ضغوطاً على الحكومة والبرلمان لاستمرار صادراتها، وهم في ذلك لا يستندون على المصالح الوطنية وإنما يرجحون مصالهم الفردية.
وفيما أدّت الإيرادات الناتجة عن صادرات النفط خلال الأعوام الماضية إلى تهميش قضية الضرائب طيلة الأعوام الماضية، خصوصاً وأن ارتفاع تلك الإيرادات نتيجة بيع مزيد من النفط الخام جعل الحكومات في غنى عن المصادر الضريبية، فإن تردي الأوضاع الاقتصادية يجعلنا نتساءل لماذا لا تلجأ الحكومة إلى فرض ضرائب على طبقة فاحشي الثراء؟ ضرائب تمكنها من تخفيف الضغوط على الطبقات الاجتماعية الدنيا التي جعلتها الضغوط الاقتصادية طيلة العقود المتواصلة عاجزة عن دفع الضرائب لكن الحكومة ما زالت تفضل الاستناد عليها في استيفاء إيراداتها الضريبية؟ أهي الضغوط التي تمارسها هذه الفئة الغنية أم إن الحكومة لم تنضج إلى الآن بما يكفي؟
قد يعجبك:
ميدل ايست آي: تزايد أعداد “المليونيرات” في إيران رغم العقوبات وكورونا