الرياض ـ طهران: عام من المفاوضات الأمنية
عام من المفاوضات بين السعودية وإيران، من أجل الوصول إلى أول ضوء في نهاية النفق الطويل، قد يقود إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
ميدل ايست نيوز: عام من المفاوضات بين السعودية وإيران، من أجل الوصول إلى أول ضوء في نهاية النفق الطويل، قد يقود إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية التي تدهورت منذ بداية عام 2016 على نحو لم تشهده من قبل.
وحسب تقرير لموقع العربي الجديد زف نبأ التقدم في المفاوضات الأخيرة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الذي أعلن بعد نهاية الجولة الخامسة في بغداد، نهاية الأسبوع الماضي، أن الطرفين توصلا إلى مذكرة تفاهم تتضمن مجموعة نقاط من أجل خريطة طريق تقود إلى ترميم تدريجي للشرخ الكبير بينهما.
وحسب تسريبات من أوساط عراقية، فإن الجولة انعقدت على مستوى استخباراتي رفيع، وترأسها عن الجانب السعودي رئيس جهاز أمن الدولة الفريق خالد الحميدان، فيما ترأسها عن الجانب الإيراني مساعد الأمين العام لمجلس الأمن القومي سعيد إيرواني.
اتفاق على المستوى الأمني بين السعودية وإيران
وكشفت مصادر عراقية أن الجولة انتهت بالاتفاق على المستوى الأمني، ورُحّلت النتائج إلى وزارتي خارجية البلدين، على أن يجرى الإعداد لمباحثات دبلوماسية يشارك فيها مسؤولون دبلوماسيون من كلا البلدين. وهذا ما أكده الوزير العراقي، الذي قال إن الانتظار ينصب الآن على تحويل المفاوضات إلى المستوى السياسي.
وأكد حسين انعقاد جولة قريبة في بغداد على مستوى وزيري الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
والملاحظ أن نتائج الجولة استقبلت بتفاؤل إيراني عال، ووصفها المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زادة بأنها “إيجابية وبنّاءة جداً”. في حين نقلت وسائل إعلام عراقية عن مصادر إيرانية قولها إن الإيرانيين اقترحوا عقد لقاء عالي المستوى بين البلدين، لتوقيع اتفاقية للتعاون المشترك حول طبيعة العلاقات المستقبلية بينهما، وإن رئيس الوفد السعودي إلى جولة الحوار وعد بنقل المقترح الإيراني إلى المسؤولين في بلاده.
ويعكس ذلك تريثاً سعودياً يجرى تفسير وإعادة أسبابه إلى تجربة عام من الحوار، لم يكن فيها الطرف الإيراني على مستوى واحد من التناغم، بل كان يعلو ويهبط، ويتراوح بين المرونة والتشدد وطرح الشروط المسبقة، التي أدت إلى تأجيل الجولة الخامسة أكثر من خمسة أشهر.
مباحثات منذ إبريل الماضي بين الرياض وطهران
وبدأت المباحثات بين الطرفين في إبريل/نيسان من العام الماضي في بغداد، برعاية الحكومة العراقية، من أجل عودة العلاقات بين الرياض وطهران والتوصل إلى تفاهمات ثنائية، وأخرى تخص القضايا الإقليمية وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بحرب اليمن.
وانتهت الجولة الرابعة من هذه المباحثات، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى اتفاقات أولية حسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الذي قال “لقد بيّنا سلسلة من النقاط باعتبارها ذات أهمية، والاتصالات ما زالت مستمرة. أعتقد أن الكلمة التي يمكن وصف أجواء المفاوضات بها بصورة جيدة هي أنها محترمة”، ولكن هذا لا يلغي أن “هناك مسافة حتى إعادة فتح السفارات”.
بدوره، اعتبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن المحادثات مع إيران كانت “ودية” ووصفها بـ”الاستكشافية”. وقال “نحن جادون بشأن المحادثات… الأمر ليس تحولاً كبيراً بالنسبة لنا، فدائماً ما نقول إننا نريد إيجاد سبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
وجرى النظر إلى هذه المباحثات بجدية لأسباب عدة؛ أولها أن الجولة الرابعة هي الأولى التي انعقدت بعد تسلم حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي المحافظ الحكم مطلع أغسطس/آب الماضي.
والسبب الثاني هو تراجع حدة الحملات الإعلامية بين البلدين، في دلالة واضحة على “جدية” محادثاتهما، ورغبتهما في التوصل إلى حلول “توافقية” للقضايا العالقة ومعالجة الملفات الخلافية.
أما السبب الثالث فهو أن الجولة الرابعة، التي انعقدت في مطار بغداد الدولي، جرت بين وفدين كبيرين من المتخصصين بالشؤون الأمنية والسياسية والاقتصادية برئاسة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، وبحضور وفد عراقي بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي شكل لجنة مصغرة من وزارة الخارجية والأمن الوطني والاستخبارات ترتبط بمكتبه لمتابعة الحوار بين طهران والرياض.
وكانت الجولة الخامسة مقررة في الثاني والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وفي الوقت الذي كانت فيه الجهود منصبة نحو نقلها إلى خارج العراق بسبب الأزمة الحكومية في هذا البلد، حددت طهران ثلاثة شروط “غريبة” كي تُعقد الجولة، ما أدى إلى تجميد العملية برمتها.
أول الشروط هو الطلب من الرياض أن تبدي المزيد من الجدية في المفاوضات، والثاني هو تخفيف الضغوط السعودية في لبنان. إذ قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن الضغوط لن تحقق أهدافها، وذهب أبعد حين طلب من السعودية وقف حرب اليمن قبل أي مفاوضات بشأن المنطقة.
وانعقدت الجولة الخامسة الأسبوع الماضي وسط ظروف إقليمية ودولية أفرزت معطيات جديدة، أولها الحرب الدائرة في أوكرانيا، والثاني مراوحة الاتفاق النووي الإيراني، وسط تضارب المعلومات حول توقيع اتفاق جديد.
أما الظرف الثالث فهو أن الموقف في اليمن حقق تغيّرات نوعية خلال الأشهر الأخيرة، خصوصاً على مستوى تراجع مشروع الحوثيين العسكري بعد الخسائر التي تعرضت لها الجماعة مطلع العام الحالي في محافظتي شبوة ومأرب.
والنقلة الثانية في الملف نفسه هي انعقاد مؤتمر المشاورات بين الأطراف اليمنية في الرياض، والذي تلاه التوصل إلى هدنة بين الحوثيين والأطراف الأخرى المناوئة لهم مدتها شهران، وبعد ذلك، نقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس رئاسي، تمثلت فيه الأطراف الموالية للسعودية والإمارات على مستوى الشمال والجنوب.
ويرى مراقبون وخبراء خليجيون أن ما تحقق من نتائج إلى الآن في المحادثات الإيرانية السعودية يمكن البناء عليه لبحث الملفات كافة، إلا أنهم لا يعتبرون طريق المباحثات مفروشة بالورود، بل هناك قضايا شائكة وصعبة لا يمكن حلها على مستوى ثنائي، وتحتاج إلى توافقات إقليمية ودولية، مثل أمن الخليج، وملف الطاقة، والتدخلات في شؤون الدول الأخرى، والنشاطات المزعزعة للاستقرار.
ومع ذلك، يمكن للطرفين السعودي والإيراني أن يضعا حداً للحروب الإعلامية ويعيدان العلاقات الدبلوماسية، وفتح القنصليات، واستئناف موسم الحج للحجاج الإيرانيين بصورة عادية ومن دون توترات.
ومن الواضح أن هناك رغبة مشتركة بحلحلة الموقف وتبريد الأجواء، وقد ساهمت المساعي العراقية والتأييد الدولي في حصول تقدم على مستوى المباحثات.
أولوية وقف الحرب في اليمن
وحتى الآن، يجرى البحث في الأولويات والملفات الإقليمية. ومن بين أهم الأولويات إيقاف الحرب في اليمن، التي تبدو من خلال مواجهات مطلع العام الحالي أنها قد وصلت إلى الذروة.
وتدرك طهران أكثر من غيرها أن إمكانية الذهاب بالحرب إلى الأمام باتت مستنفدة كلياً، وأي جولة جديدة لن تكون لصالح المشروع الحوثي، الذي تلقى ضربة كبيرة بطرده من شبوة وصد هجومه على مأرب وفشله في السيطرة عليها.
وهناك رسائل تبلغها الحوثيون بأن تفجير الموقف من قبلهم سيقود الحرب إلى معاقلهم في صعدة شمالي اليمن، بعد أن أصبحت جميع الأطراف اليمنية موحدة ضمن مجلس الرئاسة الجديد.
من المبكر القول إن طهران باتت على قناعة بضرورة وقف الحرب في اليمن، على الرغم من أنه يبدو أنها التقطت هذه الرسالة، وهناك إشارات إلى أنها على قناعة بأن استمرار الحرب يعني المزيد من الخسائر المادية والبشرية من دون أفق.
وفي الوقت ذاته، تدرك طهران أن وقف الحرب اليوم لن يجعلها تحقق الأهداف التي أرادتها منها، وهي إنشاء دولة في اليمن موالية لها على حدود السعودية، وتسيطر على مضيق باب المندب والملاحة في الشطر الجنوبي من البحر الأحمر.
ولكن ذلك لن يجعلها تعود خائبة كلياً، فهي تسيطر على القسم الأكبر من دولة شمال اليمن بالحدود السابقة وعاصمتها صنعاء، ويبدو أن هناك تسليماً بأن يستمر هذا الوضع، ويعود اليمن إلى دولتين؛ الأولى عاصمتها صنعاء يسيطر عليها الحوثيون وتدعمها إيران، والثانية عاصمتها عدن وتدعمها السعودية والإمارات.
وبذلك، يعود اليمن إلى التشطير الذي ساد قبل الوحدة في مايو/أيار 1990، ولكن بتعديلات في الحدود وبصيغة جديدة، وبتراضي وتوافق الأطراف الإقليمية والدولية.
هذا التخريج يحتاج إلى تأييد ومباركة دوليين، وهناك من يرى من اليمنيين أن التهدئة التي حصلت أخيراً تمت بعد تطمينات تلقتها طهران من قوى عظمى، وهو ما جعلها تبدي مرونة أخذت تنعكس في المفاوضات مع السعودية.
عقبة الاتفاق النووي الإيراني
العقبة الأساسية أمام المحادثات هي إحياء الاتفاق النووي مع إيران، من دون أخذ مخاوف بعض دول المنطقة في الحساب، وأهمها رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات الأميركية للإرهاب، وملف الصواريخ الباليستية، ومسألة وقف التدخلات في عدد من الدول العربية. كما يبدو ملف البحرين أولوية بالنسبة للسعودية التي تعتبر أمن هذه الدولة من أمنها.
السعودية اعتبرت أن المرحلة الاستكشافية انتهت مع نهاية الجولة الرابعة، وستأخذ المفاوضات بعد ذلك مسارات سياسية-أمنية-ثقافية، وسيقود ذلك إلى انفراج اقتصادي. والأهم من كل ذلك أنه من المنتظر أن تكون الجولة السادسة المقررة قريباً ذات طبيعة دبلوماسية، وتأخذ على عاتقها إيجاد حلول لغالبية القضايا الخلافية بين البلدين.