كيف يؤثر الاتفاق النووي الإيراني على أسواق الطاقة العالمية؟
تمتلك إيران احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، ومن المتوقع أن يتدفق الاستثمار الأجنبي لزيادة إنتاجها في حال إحياء الاتفاق النووي.
ميدل ايست نيوز: تمتلك إيران احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، ومن المتوقع أن يتدفق الاستثمار الأجنبي لزيادة إنتاجها في حال إحياء الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات، وبمجرد وصول كميات جديدة إلى السوق، ستنخفض أسعار الطاقة حتما.
كما تقع إيران على حدود آسيا الوسطى، وقد تكون بمثابة بوابة لموارد الطاقة لهذه البلدان، مما يؤدي إلى تقليل النفوذ الروسي على إمدادات النفط والغاز.
وأخيرا، يمكن للاتفاق أن يهدئ المنطقة المليئة بالاضطرابات؛ ما قد يؤثر على أسعار النفط من خلال تقليل التوترات في الشرق الأوسط والسماح باستخراج ونقل أكثر أمانا وفعالية من حيث التكلفة.
وبالنظر إلى أن إيران تمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، سيكون لعودة صادراتها النفطية إلى الأسواق الدولية، على افتراض إحياء الاتفاق النووي، تأثير هائل على تجارة النفط العالمية.
وتشكل احتياطيات النفط الإيرانية 25% من الاحتياطيات المؤكدة في الشرق الأوسط، و12% من الاحتياطي العالمي. ومع ذلك، كان إنتاج طهران محدودا بسبب العقوبات الدولية، خاصة بعد سياسة “أقصى ضغط” التي بدأتها الإدارة الأمريكية السابقة في عام 2018.
واليوم، تنتج إيران 2.4 مليون برميل يوميا، وتخطط لزيادة إنتاجها إلى 3.8 ملايين برميل يوميا بمجرد رفع العقوبات، فيما أشار وزير النفط الإيراني “جواد عوجي” إلى أن بلاده تخطط لزيادة الإنتاج إلى 5.7 ملايين برميل يوميا لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لإنجاز ذلك.
إيران غير مستعجلة في إحياء الاتفاق النووي بسبب ارتفاع أسعار النفط
وبالتوازي مع زيادة الإنتاج، سيتم الإفراج عن الكمية الكبيرة من النفط التي تمتلكها إيران في المخازن العائمة. وكانت العقوبات أجبرت طهران على زيادة مرافق التخزين العائمة التي قفزت من 30 مليون برميل إلى 103 ملايين برميل.
ولن تؤدي زيادة إمدادات النفط الإيراني إلى السوق العالمية، على المدى القصير، فقط إلى انخفاض الأسعار المرتفعة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، ولكن على المدى الطويل سيزيد من استقرار سوق النفط.
وبالإضافة إلى النفط، تمتلك إيران احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي ستدخل أيضا إلى سوق الطاقة العالمي، تقدر بـ 32 تريليون متر مكعب، أو 17% من الإجمالي العالمي، ما يجعلها ثاني أكبر دولة من حيث الاحتياطيات على مستوى العالم بعد روسيا. وكانت قد أنتجت بالفعل ما يقرب من 2.4 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في عام 2019، مما يجعلها ثالث أكبر منتج في العالم، ولم تصل معظم حقولها إلى طاقتها القصوى.
وبحسب العضو المنتدب لشركة النفط الوطنية الإيرانية، تخطط إيران لزيادة إنتاجها إلى 240 مليون متر مكعب في اليوم؛ من خلال استثمار 11 مليار دولار في قطاع الغاز الطبيعي. وستكون الآثار قصيرة المدى لهذه الخطط؛ انخفاض الاعتماد التركي على الغاز الطبيعي الروسي. وعلى المدى الطويل، قد يصل الغاز الطبيعي الإيراني إلى دول جنوب أوروبا ويؤدي إلى مزيد من أمن الطاقة في القارة.
يمنح الموقع الجغرافي الفريد لإيران فوائد إضافية إلى قطاع الغاز الطبيعي، ولأنها تقع بين دول آسيا الوسطى الغنية بالغاز والغرب، يمكن لإيران تطوير بنيتها التحتية لتصبح بلدا لعبور للطاقة في آسيا الوسطى.
وبالإضافة إلى الغاز الطبيعي، تمتلك آسيا الوسطى احتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية الأخرى التي لم يتم استغلالها بالكامل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
وبسبب عزلة إيران على المسرح العالمي، تمكنت روسيا من منع ربط الطاقة بين آسيا الوسطى وأوروبا، ما جعل احتياطياتها من النفط والغاز أقوى نسبيا، لكن ذلك قد يتغير بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ. وفي عام 2021، قام وزير الخارجية السابق “محمد جواد ظريف” بجولة استغرقت 5 أيام في 5 دول في آسيا الوسطى، مكررا “أهمية بلاده باعتبارها منفذا رئيسيا للعبور والتجارة في المنطقة”.
وترتبط إيران بالفعل بتركمانستان من خلال خط أنابيب للغاز الطبيعي يبلغ طوله 200 كيلومتر، والذي قد يكتسب أهمية أكبر عندما يمتد إلى تركيا ثم إلى أوروبا. وفي الواقع، تضيف طهران إلى قدرة خط الأنابيب هذا العام، وتهدف في الوقت نفسه إلى إبرام صفقة غاز أكبر مع تركمانستان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أهداف السياسة الخارجية لطهران مدفوعة بالرغبة في أن تكون مركزا لعبور موارد الطاقة في البلدان الأخرى.
على سبيل المثال، تحافظ طهران على علاقات جيدة مع كازاخستان من حيث خطط ربط الطاقة المحتملة، كما تقيم علاقات طيبة مع أوزبكستان، وهي دولة أخرى غير ساحلية. وأعرب المسؤولون الأوزبكيون عن اهتمامهم باستخدام ميناء تشابهار الإيراني للتوسع في أسواق جديدة خارج المنطقة، وهي فكرة نوقشت في مجموعة العمل الثلاثية التي عقدتها إيران والهند وأوزبكستان.
وسيكون للاتفاق النووي أيضا آثار على استقرار الخليج، مما يقلل من تقلبات الأسعار ويجعل الشحن من الخليج أكثر سلاسة وأمنا. ويمكن للاتفاق التأثير على السلوك العدواني لإيران في المنطقة، الذي لم يستهدف فقط الدول الكبرى الأخرى في المنطقة، ولكن الشحن الدولي أيضا.
على سبيل المثال، تورطت إيران في هجمات بطائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية في عام 2019؛ وأدى الهجوم إلى تعطيل إنتاج النفط وقفزة في الأسعار. وقبل الهجوم ببضعة أشهر، تم استهداف محطات الضخ السعودية بطائرات مسيرة بعد أيام من تخريب ناقلات النفط بالقرب من الإمارات، بينما كانت الولايات المتحدة تستعد لتهديدات وشيكة من الميليشيات الإيرانية في العراق.
وتُضاف هذه الهجمات إلى الاعتداء الإيراني المستمر على الشحن في محيط مياهها، على سبيل المثال، استولت القوات الإيرانية على ناقلة ترفع علم بنما وسحبتها إلى إيران، واحتجز الحرس الثوري الإيراني أيضا ناقلة نفط ترفع العلم الفيتنامي في خليج عُمان مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وقيل إن القوات الإيرانية شنت هجوما مدمرا على “ناقلة منتجات بترولية يابانية ترفع العلم الليبيري وتديرها شركة زودياك ماريتايم المملوكة لإسرائيل”؛ ما أسفر عن مقتل بريطاني وروماني.
وإذا أدى الاتفاق النووي إلى تقارب سياسي أوسع بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وشركائها من جهة أخرى، فسيكون له تأثير إيجابي على سياسة طهران في المنطقة؛ وبالتالي على سوق الطاقة العالمية. وبالرغم أن فوائد الاتفاق لن تتحقق مباشرة بعد التوقيع، فإن دور إيران الناشئ في مجال الطاقة سوف يترجم إلى مزيد من النفوذ، مما يضيف بُعدا اقتصاديا إلى امتدادها الإقليمي.
كما سيكون للاتفاق تأثير على الدول المنتجة للطاقة، حيث سترتفع حصة إيران من إنتاج النفط، وستنخفض أسعار النفط والغاز، وسيصبح إجراء مزيد من المفاوضات داخل “أوبك” أكثر إلحاحا. بعبارة أخرى، فإن إحياء الاتفاق النووي سيقلص التوترات السياسية والعسكرية ويحولها إلى منافسة اقتصادية أكثر اعتدالا. فبعد كل شيء، ستستمر العديد من البلدان في منطقة الخليج والشرق الأوسط في الاعتماد على إنتاج النفط في المستقبل القريب وستستفيد جميعها من علاقات أكثر استقرارا.