تآكل القوة الشرائية للإيرانيين على وقع تسارع التضخم

ارتفعت أسعار اللحم الأحمر بنحو 50 بالمئة، وتضاعفت أسعار الدجاج والحليب، وبات زيت الطهو أربعة أضعاف ما كان عليه.

ميدل ايست نيوز: ينهمك علي بتقطيع ذبيحة الغنم التي تسلّمها للتوّ في ملحمته بجنوب طهران، تمهيداً لبيعها لزبائن يشكون مثله تراجع قدرتهم الشرائية مع ارتفاع كبير في نسبة التضخم تشهده إيران، ويعدّه خبراء الأكثر حدة منذ عقود.

ويقول علي (50 عاماً) لوكالة “فرانس برس“، إن مبيعاته “تراجعت كثيراً، إلى النصف تقريباً… قدرة الناس الشرائية تراجعت بشكل هائل”.

ويضيف على الرصيف حيث ينتظره بعض الزبائن في منطقة مولوي التجارية: “ماذا يمكنني أن أقول؟ أنا جزّار، لكن أحياناً لا آكل اللحم مرة في الأسبوع، ارتفعت أسعار كل شيء”.

بعد الانتهاء من التقطيع باستخدام سكين الجزار قرب مدخل الملحمة الصغيرة، يسلّم علي إلى أصغر، الموظف الحكومي المتقاعد، كيساً يحتوي على قطع من اللحم تكفيه وزوجته.

ويوضح أصغر البالغ من العمر 63 عاماً: “ارتفع سعر كل شيء بما يشمل اللحوم”، مضيفاً: “كنا سابقاً نشتري كميات أكبر. الآن الجميع يشتري كميات أقل، الجميع بات تحت الضغط”.

وتعاني إيران من أزمة اقتصادية ومعيشية حادة تعود أساساً إلى العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها على طهران منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحادياً من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2018.

وانعكست الأزمة على مختلف جوانب الحياة، مثل تراجع العملة المحلية، وتجاوز نسبة التضخم عتبة الـ40 بالمئة سنوياً منذ 2018، وفق خبراء.

ويؤكد المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز أن استمرار هذه النسبة “لأربعة أعوام متتالية غير مسبوق والأشدّ منذ سنوات الحرب العالمية الثانية”.

ومنذ أسابيع، يسجّل التضخم تسارعاً إضافياً بعد إعلان حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في النصف الثاني من أيار/مايو تعديلات على نظام الدعم ورفع أسعار مواد أساسية مثل الطحين واللحوم والبيض وزيت الطهو.

وتظهر أرقام وسائل إعلام محلية اختلافاً جذرياً في الأسعار بين المرحلتين، إذ ارتفعت أسعار اللحم الأحمر بنحو 50 بالمئة، وتضاعفت أسعار الدجاج والحليب، وبات زيت الطهو أربعة أضعاف ما كان عليه.

ونزل المئات إلى الشوارع في الأسابيع الماضية في مدن عدة رفضاً لارتفاع الأسعار. وأتت هذه التحركات الاحتجاجية لتضاف إلى أخرى تنفذها منذ أشهر قطاعات مهنية مختلفة، للمطالبة بتحسين الأجور ورواتب التقاعد لتأخذ التضخم بالاعتبار.

استقالة وزير العمل الإيراني

والثلاثاء، قدّم وزير العمل حجت الله عبد المالكي استقالته، على أمل “تعزيز التنسيق ضمن الحكومة وتحسين توفير الخدمات للشعب”، وفق المتحدث باسم الحكومة علي بهادري جهرمي.

وأفادت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية بأن الاستقالة أتت بعد تعرّض عبد المالكي “لانتقادات لاذعة من المتقاعدين خلال احتجاجاتهم” على خلفية دفاعه عن قرار حكومي بزيادة رواتب شرائح منهم بنسبة 10 بالمئة فقط، وهو ما اعتُبِرَ غير كافٍ مقارنة بالتضخم.

ويعزو ليلاز ارتفاع الأسعار راهناً إلى سببين هما “الزيادة الحادة في التضخم عالمياً” بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، و”بدء إيران إصلاحات اقتصادية ضخمة” توقعت الحكومة أن تؤدي “إلى تضخم إضافي”.

ويوضح الخبير الذي عمل مستشاراً اقتصادياً لعدد من الرؤساء الإيرانيين، أن الإجراء الحكومي الأساسي كان التخلي عن سعر الصرف المدعوم الذي كان مخصصاً لشراء مواد أساسية مثل القمح وزيت الطهو ومواد طبية.

وبدأ اعتماد سعر الصرف “التفضيلي” منتصف 2018، تزامناً مع الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وثبّت السعر عند 42 ألف ريال للدولار، في حين أن سعر الصرف حالياً في السوق السوداء يتجاوز 300 ألف ريال للدولار.

وفي الأيام الماضية، تراجع الريال إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، وسجّل 33700 ريال للدولار في 12 أيار/مايو.

وعلى رغم زيادة الأسعار، يرى ليلاز أن الإجراء الحكومي كان إلزامياً، وخصوصاً أن المباحثات بين إيران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لم تنتج بعد تفاهماً يعيد رفع العقوبات.

وأوضح قائلاً: “تشير التقديرات إلى أنه إذا أرادت إيران مواصلة الإنفاق المتهوّر للعملات الصعبة هذا العام كما في الأعوام السابقة، كنا سنحتاج إلى 22 مليار دولار للسعر التفضيلي”.

وأضاف: “حتى بحال إحياء الاتفاق النووي، لم يكن ثمة مفر أمام الحكومة سوى إلغاء السعر التفضيلي”.

إقبال على الخبز في إيران

في أسواق طهران التجارية، ينصبّ الاهتمام على تبعات التضخم وآثاره، أكثر من الاكتراث بأسبابه.

غير بعيد من البازار الكبير، أبرز التجمعات التجارية للعاصمة، يقف محمد أمام متجره الذي يعجّ بمواد كالبقوليات والحبوب والمعكرونة وزيوت الطهو، لكنه يخلو من الزبائن.

ويقول التاجر الخمسيني إن مبيعاته تراجعت في الآونة الأخيرة، بينما ارتفعت أسعار بعض المواد “وما لم يرتفع سعره اليوم سيرتفع غداً”.

وكان رئيسي، الذي تولى مهامه في آب/أغسطس الماضي، قد تعهّد مع بدء تطبيق الإجراءات الجديدة ألا يطاول ارتفاع الأسعار الخبز والوقود والدواء.

وانعكس ارتفاع الأسعار إقبالاً متزايداً على الخبز الذي كان أساساً ضيفاً أساسياً على مائدة الإيرانيين.

وتقول شادي، وهي ربة منزل: “لم تتضاعف الرواتب، لكن كلفة المعيشة تضاعفت”.

وتضيف قرب مخبز ينتظر أشخاص عند مدخله لشراء الخبز الطازج: “باتت صفوف الانتظار في الأفران أطول، لأن سعر الأرز ارتفع، وبات الناس يلجأون إلى الخبز عوضاً عن الأرز”.

في الداخل، يؤكد الخبّاز مجتبى ذلك، وهو يأخذ استراحة قصيرة من تحضير العجين ووضعه في التنّور الأرضي.

ويقول ابن الـ29 عاماً الذي بدا التعرق والإجهاد على وجهه: “لجأ الناس إلى الخبز بعدما باتوا غير قادرين على شراء الأرز وزيت الطهو والمعكرونة ومعجون البندورة”.

ويضيف: “باتوا يأكلون الخبز وحده”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
العربي الجديد
المصدر
فرنس برس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى