لماذا تم الاستغناء عن إيران في الممرات الدولية؟
أكّد المسؤولون الإيرانيون أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين، أن الحرب الأوكرانية تمثّل فرصة حقيقية لإيران للعب دور كبير في توفير البضائع للأسواق الروسية.

ميدل ايست نيوز: تناولت عدة مصادر إيرانية مؤخراً موضوع التأخير الهندي في تطوير ميناء تشابهار، ومحاولات الالتفاف على إيران باعتبارها ممراً لشحن البضائع. وذلك بعد تقارير تم نشرها عن قيام الهند بتصدير بضائع إلى روسيا عبر البحر الأسود، مروراً بجورجيا بخلاف التوافقات السابقة بين البلدين.
وحسب تقریر لموقع DW اتّهم رئيس مجلس إدارة نقابة الملاحة في إيران روزبه مختاري، نيودلهي بالمماطلة في تطوير ميناء تشابهار خلال حوار مع وكالة الأنباء العمالية الإيرانية، مدّعياً أن المشغل الهندي للميناء، لم يقم بما عليه وفق العقد المبرم بين الجانبين.
ولم يكتفِ بذلك فحسب، بل رفع شكوى ضد الجانب الإيراني إلى جهات دولية، مُطالباً بتحكيم دولي، ولم يسمح للجانب الإيراني باستخدام رافعات أثقال تجارية تم استيرادها لميناء شهيد بهشتي في تشابهار. وتُعتَبر تشابهار، بوابة المحور الشرقي لإيران، ونقطة محورية في قناة النقل الشمالية الجنوبية؛ حيث توفر عبر الحدود الشرقية والشمالية الشرقية الإيرانية ممرّاً بحرياً برياً للهند إلى أفغانستان، وإلى آسيا الوسطى.
ويأتي اتهام إيران للهند بالمماطلة في تحويل إيران إلى ممر دولي لنقل البضائع، في حين يؤكد الإيرانيون أن الأشهر المنصرمة شهدت ارتفاع السعة الاستيعابية لميناء تشابهار في استقبال وتصدير البضائع لتبلغ 8 ملايين طن. إذ تُشير أرقام منظمة الموانئ والملاحة الإيرانية إلى أن حجم شحن البضائع وتفريغ الحمولات بلغ 4 ملايين طن في العام الإيراني المنتهي، مقارنة بنحو 3 ملايين طن في العام الإيراني السابق؛ وهو ما يحمل دلالات واضحة على أعمال التوسيع التي أجراها الجانب الهندي لتطوير الميناء.
كان الدافع الأساس في انخراط الشركات الحكومية الهندية في مشروع تشابهار، الوعود التي قطعت بشأن ربط الميناء الواقع في أقصى الجنوب الشرقي الإيراني، بمدينة زاهدان مركز محافظة بلوتشستان الإيرانية، عبر سكة حديد. ومن دون هذا الربط السككي، فإن الميناء لا يمتلك مزية اقتصادية لشحن البضائع الهندية إلى آسيا الوسطى وأفغانستان وروسيا عبر الأراضي الإيرانية.
وكان من المقرّر أن تقوم شركات هندية ببناء هذه السكة التي يبلغ طولها 630 كيلومتراً، لكنّ صحفاّ هندية أكدت في يونيو 2020 أن إيران أبعدت الجانب الهندي من مشروع مدّ سكة الحديد التي تربط ميناء تشابهار بمدينة زاهدان، وذلك بداعي تلكُّؤ نيودلهي في البدء بأعمال المشروع. وقامت الحكومة الإيرانية بعد ذلك، بتوقيع عقد لتنفيذ المشروع مع منظمة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ إلا أن المشروع لم يشهد تحركاً ملموساً طيلة العامين الماضيين، لأسباب لم تعرف رغم إبرام الصفقة. ومع ذلك، لم تقم الحكومة الإيرانية بإلغاء العقد مع خاتم الأنبياء، كما فعلت مع الجانب الهندي بداعي التلكُّؤ.
وأكّد مدير شركة تطوير البنى التحتية الإيرانية خير الله خادمي في السياق نفسه، أن المشروع يحتاج إلى 12 ألف مليار تومان لإنجازه، وأن إنجازه سيستغرق عامين على الأقل في حال توفر السيولة.
وحتى في حال إكمال هذا المشروع، فإن إيران ستكون قادرة حينها على شحن البضائع الهندية إلى أفغانستان، وبشكل جزئي إلى حدود تركمنستان فحسب. ولن تستطيع القيام بالمزيد، من دون تطوير مزيد من مشاريع سكك الحديد. إذ ستكون إيران قادرة فحسب على شحن البضائع عبر شاحنات تستخدم الطرق الإيرانية، بما لا يحمل أية مزايا من شأنها أن تجذب الشركات، والبلدان الأخرى. خصوصاً وأن البضائع التي يتم شحنها عبر هذه السبل، ستضطر إلى عدة محطات من إعادة الشحن، بما يرفع كلفة الشحن، ويُخلِّف مزيداً من الأعباء للشركات المُصدِّرة، والمنتجة.
وفي هذا السياق، وبينما يبلغ حجم التجارة بين الهند وإيران 8 ملايين طن، فإن أربعة ملايين طن منها فقط تم شحنها عبر ميناء تشابهار؛ ما يعني أن نقص البنى التحتية اللازمة في تشابهار دفعت حتى الجانب الهندي والإيراني نحو استخدام موانئ أخرى لاستيعاب التجارة الثنائية بين البلدين.
“شبكة ترانس – أفغان لسكك الحديد” تتحدى مستقبل ميناء تشابهار الإيراني
شبكة سكك الحديد الإيرانية؛ ما هي الطاقة الاستيعابية؟
تُعدُّ محطة سرخس في أقصى الشمال الشرقي الإيراني على الحدود مع تركمنستان، أكبر المحطات الإيرانية الدولية لسكك الحديد في إيران. وتستحوذ المحطة بحسب مدير منظمة سكك الحديد في محافظة خراسان على 79% من إجمالي شحن البضائع الدولية عبر إيران.
ومع ذلك، فإن كل البضائع التي تمّ شحنها أو تفريغها في هذه المحطة، لم تبلغ إلّا 1.4 مليون طن؛ ما يحمل دلالة واضحة على حجم عمليات نقل البضائع الدولية عبر إيران. وكان نحو 80% من إجمالي هذه البضائع من نصيب مادة الكبريت الذي تم شحنه من آسيا الوسطى. والأمر ليس غريباً؛ إذ تفتقد شبكة القطارات الإيرانية إلى العربات المزودة بأنظمة تبريد، وتثليج من شأنه أن يساعد على حمل البضائع الزراعية، والفواكه، والخضروات، واللحوم؛ ما يجعل من الطبيعي جداً اقتصار البضائع التي يتم شحنها بهذه القطارات على المواد غير المعرضة للفساد، ومنها الكبريت.
وتتعلّق النقطة اللافتة الأخرى، بحجم البضائع التي يتم نقلها عبر إيران؛ إذ يبلغ إجمالي حجم البضائع الدولية التي تم نقلها عبر الشبكة الإيرانية لسكك الحديد، 2 مليون طن فقط. وهو رقم ضئيل، حتى مقارنة بأذربيجان؛ الجارة الصغيرة لإيران التي يبلغ الحجم ذاته لديها 8 ملايين طن.
الممرّ الشمالي-الجنوبي لنقل البضائع
لم تستطع إيران على مدى العقدين الماضيين، مسايرة السباق الدولي في تنمية شبكة سكك الحديد لديها. وبينما كان عليها من أجل القيام بدور لافت في الممر الدولي الشمالي-الجنوبي لنقل البضائع من تركيا وروسيا وبلدان آسيا الوسطى وأفغانستان إلى موانئ الجنوب، ومنها إلى بلدان آسيوية مثل الهند والصين، أن تقوم بتفعيل، وتشغيل عدة مشاريع سكك الحديد، لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لبناء أي من تلك المشاريع.
وفي هذا السياق فإن طهران تخلَّفَت حتى عن إكمال سكة (رشت-آستارا) الحديدية في الجزء الشمالي منها، باعتباره مشروعاً أساسياً في كل من ممرّ الشمال-الجنوب الروسي-الهندي، وممرّ الشرق-الغرب الصيني (جزء من مشروع الحزام والطريق الذي تقف الصين خلفه). كما أنها تخلَّفت عن تطوير محطة قطاراتها على الحدود مع تركيا، لتستطيع استيعاب قطارات شحن البضائع.
ومن اللافت أن نحو 60% من تبادل إيران التجاري مع روسيا التي تعتبر جارة لها، يتم عبر شبكة القطارات والطرق الأذربيجانية. وذلك لأن إيران تفتقر إلى البنية التحتية، وشبكة السفن والقطارات التي تمكنها من القيام بذلك بنفسها. والنتيجة لكل ذلك، هي أن إيران لم يتم تغييبها من ممرّ الشمال-الجنوب فحسب، وإنما تمّ إبعادها ميدانياً منذ عامين عن مشاريع ممرّ الشرق-الغرب، ومبادرة الحزام والطريق الصينية رغم كل المناورات السياسية الإيرانية؛ فالصين تقوم منذ 2020 بنقل البضائع إلى تركيا وأوروبا الشرقية عبر ممر آسيا الوسطى – أذربيجان – جورجيا – تركيا، مُلتفَّة حول إيران، التي كان من المفترض أن تكون جزءاً من هذه القناة، بينما عمل ضعف بنيتها التحتية، وعدم تطوير أنظمتها لسكك الحديد، وضعف الملاحة في بحر قزوين على تهميشها من المشاريع الميدانية للنقل.
وعمِلَت كلُّ تلك الدول، طيلة العقد الماضي، على مشاريع لتطوير شبكاتها لسكك الحديد، وربطها ببعضها البعض، لتشكل مجموعة مترابطة؛ فأذربيجان على سبيل المثال، ارتبطت بخمس ممرّات دولية لنقل البضائع، بما أتاح لها نقل نحو 8 ملايين طن من البضائع الدولية (4 أضعاف نظيرها الإيراني)، وهو ما يمثل نمواً بنحو 100% مقارنةً بعام 2020. وباتت باكو نتيجة مشاريع تطوير قامت بها، تمتلك أكبر أسطول من سفن الشحن في بحر قزوين؛ أسطول يشارك في شحن البضائع الروسية إلى البلدان الأخرى، وتقوم تركمنستان وكازاخستان باستخدامه لشحن نفطها إلى باكو، ومن هناك إلى الأسواق الدولية، عبر خط أنابيب باكو – تبليسي – جيهان.
وفي المقابل، أكّد المسؤولون الإيرانيون أكثر من مرة خلال الشهرين الماضيين، أن الحرب الأوكرانية تمثّل فرصة حقيقية لإيران للعب دور كبير في توفير البضائع للأسواق الروسية، أو شحن البضائع الروسية، والتحول إلى محطة دولية لنقل البضائع. لكنّهم لم يشيروا إلى ضعف البنى التحتية، ودوره في الحيلولة دون نمو قطاع النقل والشحن.
صحيح أن طريق نقل البضائع من الهند إلى البحر الأسود، ومن هناك إلى روسيا عبر جورجيا، والتي اختارته نيودلهي مؤخراً لنقل بضائعها إلى روسيا، أطول بخمس مرّات من الطريق الذي يمرّ عبر الأراضي الإيرانية، لكنه في الأحوال الراهنة يبقى الطريق الأكثر تفضيلاً. وعلينا (في إيران) تقبُّل واقع أن الصين والهند تستخدمان الممرّات الأخرى، وتلتفّان على إيران. والسبب في ذلك كله واضح: ضعف البنى التحتية، وعدم استكمال شبكات المواصلات في إيران.