الخيار النووي الإيراني: تكتيكات تفاوضية أم تحول استراتيجي بتشجيع روسي؟
ربما تعكس التصريحات الأخيرة بشأن البرنامج النووي الإيراني تغييرًا في الحسابات استنادًا إلى ضوء أخضر من روسيا لإيران باختيار القنبلة النووية.
ميدل ايست نيوز: منذ ولادة البرنامج النووي الإيراني في عام 1957، أصر القادة الإيرانيون، مع القليل من الاستثناءات، على أن البرنامج كان مدنيًا بحتًا، وأنه ليس للبلاد أي نية في بناء قنبلة نووية. في أكتوبر/تشرين الأول 2003، أصدر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فتوى تحرم إنتاج واستخدام أي شكل من أشكال أسلحة الدمار الشامل.
لذلك، إن أكثر ما يسترعي الانتباه في الأشهر الأخيرة هو تأكيد المسؤولين الإيرانيين بشكل ممنهج أن طهران تمتلك حاليًا الوسائل التقنية لبناء سلاح نووي، لكنها لم تقرر بعد القيام بذلك. هل هكذا تصريحات علنية تعد محاولات لتحسين موقف إيران في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، أم أنها تعكس تحولًا استراتيجيًا وتغييرًا في حسابات القيادة الإيرانية فيما يتعلق بقوة الردع النووية، ربما بتشجيع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة لطهران؟
بدأت سلسلة التصريحات حول الخيار النووي الإيراني في 16 يوليو/تموز، حيث قال كمال خرازي، مستشار السياسة الخارجية الأول للمرشد الأعلى الإيراني، في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية، “تمتلك إيران الوسائل التقنية لإنتاج قنبلة نووية، لكن لا يوجد قرار إيراني بصناعة واحدة”.
في اليوم التالي، عقّب محمد جواد لاريجاني، مدير الشؤون القضائية الدولية السابق، على تصريحات خرازي في مقابلة مع القناة الثانية لإذاعة جمهورية إيران الإسلامية، “إذا توصلت إيران إلى قرار صنع القنبلة النووية، فلا يستطيع أحد منعها”.
لم تكن هذه آخر الكلمات حول الموضوع، حيث كرر محمد إسلامي، نائب الرئيس ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في الأول من أغسطس/آب تصريحات خرازي، “كما أشار السيد خرازي، فإن إيران تمتلك الوسائل التقنية لإنتاج القنبلة النووية، لكن هذا ليس على جدول الأعمال”. لماذا نطرح إمكانية صنع إيران للقنبلة إذا لم تكن على جدول الأعمال؟
ربما جاءت هذه التصريحات تمهيدًا لأحدث محاولة، وقد تكون الأخيرة، لإحياء الاتفاق النووي المسمى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 على يد الرئيس السابق دونالد ترامب. بما أن روبرت مالي (Robert Malley)، مبعوث الولايات المتحدة الخاص للشؤون الإيرانية وكبير المفاوضين، ونظيره الإيراني علي باقري كاني، قد سافرا إلى فيينا في 4 أغسطس/آب، فإن التهديد الضمني باختيار إيران للقنبلة النووية ربما تم تصميمه لتعزيز الموقف التفاوضي للوفد الإيراني.
لكن التصريحات قد تعكس كذلك تأثير رحلة أخرى، وهي رحلة بوتين إلى طهران في 19 يوليو/تموز للقاء خامنئي. لا يقدم الموقع الرسمي للمرشد الأعلى وصفًا تفصيليًا للحوار المتبادل بين الزعيمين، لكن يبدو أن كليهما حملا الولايات المتحدة المسؤولية عن انعدام الأمن الإقليمي من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط.
من المرجح أن يكون قد تم توضيح فحوى حديث المرشد الأعلى وبوتين من قبل المستويات البيروقراطية الإيرانية والروسية قبل زيارة 19 يوليو/تموز، وهو ما يجعلنا ننظر لتصريحات خرازي في 16 يوليو/تموز، بالإضافة إلى تصريحات لاريجاني وإسلامي، من منظور مختلف تمامًا، بدلاً من محاولات تمكين المفاوضين الإيرانيين في فيينا، قد تعكس التصريحات تغييرًا في حسابات القيادة الإيرانية بشأن قوة الردع النووية استنادًا إلى ضوء أخضر من روسيا لإيران باختيار القنبلة النووية.
هل أعطى بوتين مثل هذا الضوء الأخضر لإيران قبل أو أثناء زيارته لطهران؟ ليس لدى القوى النووية مصلحة في المزيد من انتشار الأسلحة النووية، لأن ذلك يقلل كثيرًا من القيمة النسبية لقدرتها النووية على الردع، إن تشجيع روسيا لخامنئي قد يخدم في الواقع غرض إشعال حرب يتم فيها تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية.
إذا كان بوتين قد أعطى بالفعل مثل هذا الضوء الأخضر، فإن أقل ما يمكن لروسيا أن تتوقعه هو مزيد من التعنت الإيراني في فيينا، الأمر الذي من المرجح أن يؤدي إلى انهيار كامل للاتفاق النووي الإيراني. في مقابلة تم تسريبها بشكل تكتيكي في أبريل/نيسان 2021، أكد وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، أن روسيا، التي هي نفسها طرف في خطة العمل الشاملة المشتركة، قامت بتخريب المفاوضات بشكل ممنهج في محاولة لإبقاء إيران معزولة وأكثر اعتمادًا على روسيا.
إن انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة من شأنه أن يتماشى مع مصالح روسيا. كما أن ذلك سينقل رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن واشنطن لا تستطيع عزل روسيا، وأنه يجب إشراك موسكو في إدارة الأزمات العالمية وحل النزاعات.
ومع ذلك، فإنه ليس من المرجح أن يقبل بوتين بالحد الأدنى من المكاسب، فلربما لديه أمل في حرب جديدة في الشرق الأوسط: إذا توجهت إيران لاقتناء القنبلة النووية، فإن إسرائيل سوف تنخرط في عمل عسكري ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، وإيران سوف ترد، وهذا سيجر الولايات المتحدة إلى “حرب أبدية” أخرى في الشرق الأوسط. فتمامًا كما أن دعم الولايات المتحدة العسكري لأوكرانيا يعمل على إطالة أمد الحرب الروسية، فإن تشجيع إيران على خيار القنبلة النووية، يمَكّن بوتين من فرض حرب على واشنطن.
والسؤال، بالطبع، هو ما إذا كانت إيران، التي ستدفع الثمن غاليًا في الصراع العسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة، ستقبل بنصيحة بوتين؟ المفاوضات في فيينا كفيلة بتوضيح ما إذا كانت إيران ستقبل، ولديها الرغبة، في تلبية هكذا نصائح باهظة الثمن أم لا.
علي آلفونه