الاتحاد الأوروبي يلعب ورقته الأخيرة أملاً في إحياء الاتفاق النووي الإيراني
لعب الاتحاد الأوروبي دور الوسيط، بين إيران والولايات المتحدة اللتين قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية منذ 42 عاماً، واختيرت العاصمة النمساوية فيينا مسرحها الرئيسي.

ميدل ايست نيوز: يقوم الاتحاد الأوروبي وبشكل مكثف بدراسة حل وسط «نهائي» بين واشنطن وطهران يفضي إلى أحياء الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي، في خطوة حاسمة قد تشير إلى وصول شهور من المفاوضات الصعبة غير المباشرة، لعب الاتحاد الأوروبي دور الوسيط، بين إيران والولايات المتحدة اللتين قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية منذ 42 عاماً، واختيرت العاصمة النمساوية فيينا مسرحها الرئيسي.
وتهدف هذه المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى، التي بدأت في نيسان/ابريل عام 2021 في فيينا، إلى إحياء اتفاقية عام 2015 الدولية، المعروفة بخطة العمل الشاملة المشتركة، التي تضمن الطبيعة المدنية لبرامج إيران النووي المتهم بالسعي إلى امتلاك أسلحة ذرية على الرغم من نفي طهران لذلك، والتي تم التوقيع عليها من إيران من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا من جهة أخرى، إلى رفع العقوبات عن طهران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها قبل أن يتم نسفها بعد ذلك بنحو ثلاثة أعوام، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب منها في عام 2018 وأعاد في الوقت نفسه فرض عقوبات أمريكية ما زالت تخنق الاقتصاد الإيراني.
رداً على ذلك، تحررت طهران تدريجياً من التزاماتها التي يمليها اتفاق عام 2015. وبعد أشهر من هزيمة الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووصول خلفه الديمقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم، دخل الطرفان الإيراني والأمريكي في مفاوضات غير مباشرة اختيرت العاصمة النمساوية فيينا كمسرحها الرئيسي، ولعب الاتحاد الأوروبي دور الوسيط الرئيسي فيها بين واشنطن وطهران، اللتين قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية منذ عام 1980.
فبعد مفاوضات ماراثونية وفوضوية، وأملاً منه في الخروج بنتيجة إيجابية، اقترح الاتحاد الأوروبي في الثامن من شهر آب/أغسطس الجاري نص تسوية وصفه بـ«النهائي» يسمح بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية التي انسحبت منها من جانب واحد في 2018 ورفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بشرط أن تحترم هذه الأخيرة التزاماتها وتتوقف عن تجاوز الحدود المقررة للتخصيب وغيرها من القضايا الحساسة المتعلقة بأنشطتها النووية. وقبل ذلك، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن إعادة إطلاق الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 «ما تزال ممكنة»، بشرط «التدخل في أقرب وقت ممكن» وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي.
إيران، ردت على المقترح الأوروبي من دون أن تنشر تفاصيل حوله، وكذلك الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يرفض مشاركة تفاصيل حول العملية الجارية أو حول مواقف المشاركين، مكتفياً بالتأكيد أنه أخضع الرد الإيراني للتشاور بينها وبين الأطراف الأخرى المعنية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي أفادت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا» أن «التوصل إلى اتفاق معها مرهون بمدى واقعية ومرونة ردها».
لكن الإشارات التي تم نقلها من كلا الجانبين مؤخرًا تشير إلى إمكانية حقيقية للاتفاق، الأمر الذي بدا وكأنه معجزة قبل شهرين فقط. من جانبها، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية، حتى الآن، الإفصاح عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتأييد خطة الاتحاد الأوروبي. لكن محمد مراندي، مستشار فريق التفاوض الإيراني في فيينا، قال في تغريدة: «لا أستطيع أن أقول إننا سنتوصل إلى اتفاق، لكننا أصبحنا أقرب من ذي قبل».
وحتى الآن لم يحدد أي من الطرفين النقاط المعلقة. فإذا كان موضوع سحب اسم الحرس الثوري الإيراني من القائمة السوداء الأمريكية لم يعد مطلباً إيرانياً مطروحاً، حسب ما أكد دبلوماسي أوروبي، فإن تعقيد الاتفاقية يكمن الآن في نقطة معينة «تتعلق بضمان اتفاق دائم» تطالب به إيران، حتى لا يتكرر الانسحاب الأمريكي منه، ولكن أيضا بتحقيق فوائد اقتصادية كاملة من الاتفاق النووي خصوصا في مجال رفع العقوبات، ناهيك عن مطلب إغلاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لقضية العثور على آثار لمواد نووية في مواقع لم تصرّح إيران أنها شهدت أنشطة نووية، وهي مسألة أثارت توترا مؤخرا بين الطرفين.
صحيح أن وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض أدى إلى إعادة إطلاق المفاوضات من أجل إحياء اتفاقية عام 2015. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا أعاد خلط الأوراق بالنسبة لواشنطن وحلفائها الغربيين، لا سيما الأوروبيين. فمسألة التوصل إلى اتفاق من شأنه رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران باتت أكثر إلحاحًا منذ تطبيق العقوبات الغربية على روسيا ردًا على غزوها العسكري لأوكرانيا. في الواقع، فإن الرغبة في وقف استيراد الغاز الطبيعي والنفط الروسيين من قبل الولايات المتحدة، والدول الأوروبية بشكل خاص، تجعل من الضروري إيجاد موردين جدد.
ويمكن لإيران أن تكون مصدراً إضافيًا كبيرًا آخر للإمداد (النفط) في حال تم رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عنها، حسب خبراء من وكالة الطاقة الدولية. لكن عودة طهران إلى السوق لن تكون فورية، لأنه في حال تم الاتفاق، سيستغرق الأمر شهرًا على الأقل من أجل رفع «فعّال» للعقوبات.
ويتوقع أن يزداد الإنتاج الإيراني من النفط بأكثر من مليون برميل يوميًا في غضون ستة أشهر للوصول إلى طاقته الكاملة البالغة 3.8 مليون برميل في اليوم. فالبنظر إلى ارتفاع تكلفة الطاقة، ترى أوروبا عودة النفط الإيراني إلى السوق بعين إيجابية للغاية. وبالتالي، فإن إيران، التي هي ضحية لسلسلة من العقوبات الغربية منذ ثورة عام 1979 تعتزم استغلال الوضع لصالحها، وهي في هذه النقطة تلتقي مع روسيا التي تخضع لحزمة كبيرة من العقوبات الغربية. لذلك تنصح صحيفة «أل بايس» الإسبانية ذائعة الصيت الأوروبيين بـ«توخي الحذر».
ويعد رفع العقوبات الاقتصادية التي تخنق الشعب الإيراني أحد الدوافع الرئيسية لتوقيع إيران على هذه الاتفاقية الجديدة. كما سيسمح هذا التوقيع لطهران بالعودة إلى الساحة الدولية، هي التي وجدت نفسها معزولة بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد تطبيع العلاقات بين إسرائيل، عدوتها اللدودة، ودول عربية.
واشنطن هي الأخرى لديها مصلحة في رؤية عملية التفاوض تتوج في فيينا، حيث إن إغلاق هذا الملف بعد الانسحاب من أفغانستان، سيساعد على تكريس الوقت لملفات أخرى أكثر إلحاحًا. ويرى مراقبون أن انتخابات التجديد النصفي التي تقبل عليها الولايات المتحدة يمكن أن تسرع العملية من جانب واشنطن. فإغلاق الملف النووي الإيراني سيصب في مصلحة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، الذي وصلت شعبيته حاليًا إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وفق مراقبين.