المرأة الإيرانية في المشهد الداخلي الساخن… انطلاقة جديدة

تتصدر المرأة الإيرانية اليوم المشهد الداخلي الساخن، بعدما خطفت الأضواء أخيراً على نحو غير مسبوق في مجتمع ذكوري، خلال الاحتجاجات الواسعة التي فجرتها وفاة الشابة مهسا أميني.

ميدل ايست نيوز: تتصدر المرأة الإيرانية اليوم المشهد الداخلي الساخن، بعدما خطفت الأضواء أخيراً على نحو غير مسبوق في مجتمع ذكوري، خلال الاحتجاجات الواسعة التي فجرتها وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من إيقافها من قبل شرطة الآداب بسبب مخالفتها قانون “الحجاب الإلزامي”، وترافقت مع ردود فعل داخلية وخارجية واسعة ما زالت مستمرة منذ 17 سبتمبر/ أيلول الماضي.

وحسب تقرير لموقع “العربي الجديد” اعتبرت هذه الاحتجاجات فريدة من نوعها خلال العقود الأخيرة في إيران بسبب نطاقها الواسع وفترتها الزمنية الطويلة، ما كشف، بحسب خبراء، تحوّلات عميقة في قناعات المجتمع الإيراني، خاصة تجاه النساء وقضاياهن.

تقول البرلمانية السابقة بروانة سلحشوري، وهي أستاذة جامعية في علم الاجتماع، إن “احتجاجات عامي 2017 و2019 ارتبطت غالباً بمطالب اقتصادية أطلقتها شرائح محددة في الأرياف والمدن الصغيرة، لكن تلك الحالية التي نتجت عن وفاة مهسا أميني شهدت مشاركة لافتة من نساء وبنات وشبان يافعين، وخرجت من الطابع النسائي، إذ شارك جميع الإيرانيين فيها”.

تتابع: “المرأة والحياة والحرية شعار صدعت به حناجر المحتجين في إيران، وتحوّل إلى هتاف محوري ومشترك عكس بشكل واضح اهتمام مختلف طبقات المجتمع الذكورية بقضايا المرأة الإيرانية، وإنصاتها إلى نداءاتها. ويعني ذلك أن المجتمع الأبوي الذكوري الضارب في عمق التاريخ منذ آلاف السنين، والذي تعززه الحكومات دائماً، بات يدعم قضايا النساء وينادي بحقوقهن، وهذا ما ساهم في استمرار الاحتجاجات أسابيع”.

لكنها تستدرك أيضاً بأن “الاحتجاجات تغطي، رغم ارتباطها الأول بقضية نسائية، جميع مطالب حركات الاحتجاج خلال العقدين الأخيرين، وتحديداً منذ عام 2009 حتى الآن، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا لن تكون الأخيرة، وهي ليست فقط حركة للمطالبة بحقوق النساء فقط”.

وتكشف بيانات إيرانية حديثة أن النساء يشكلن نصف عدد السكان البالغ 85 مليوناً، لكن سلحشوري تشكو من مشاركتهن الضعيفة في المجالات الاقتصادية والسياسية، فنسبة 16 في المائة منهن حصلن على وظائف رسمية، ونسبة مشاركتهن السياسية في الحكم أقل من 6 في المائة. وتذكر أن النساء المتعلمات والمتخرجات في مختلف المجالات المهنية والحرفية لسن قليلات، وتعمل كثيرات منهن في مجالات المحاماة والكتابة والسلك الجامعي “لكنهن يواجهن التمييز”.

وتفيد بيانات وزارة العلوم وتقنية المعلومات الإيرانية (التعليم العالي) بأن الطالبات يشكلن 60 في المائة من عدد طلاب الجامعات في إيران البالغ عددهم نحو 3.2 ملايين.

مشاهد تحدي

وبين مشاهد التحدي والاستفزاز للسلطات التي شهدتها الاحتجاجات الأخيرة في إيران، خلعت محتجات حجابهن، أو حتى حرقنه أمام قوات الأمن والشرطة، وقصت بعضهن شعرهن. كما تجوّلت نساء أخريات خارج نطاق التظاهرات في الشوارع والباصات والمترو من دون وضع غطاء الرأس.

تقول الشابة كيميا البالغة 18 من العمر والتي تعيش في العاصمة طهران: “شاركت في الاحتجاجات الأخيرة بعدما خلعت غطاء الرأس للتعبير عن قناعتي الحقيقية، ولو لمرة واحدة، والاحتجاج على وفاة مهسا أميني. ووجود شرطة الآداب لم يجعلني أتراجع مع صديقاتي عن إظهار هذه القناعة، وكسر حاجز الخوف”. وتشير إلى أن أسرتها تضم نساء يرتدين الحجاب، لكنها اختارت أن تكون حرة في طريقة اللبس.

ومعلوم أن معظم الإيرانيات يلتزمن بما يعرف بالحجاب العرفي المألوف، وهو ليس بالضرورة حجاباً إسلامياً كاملاً وفق المعايير الرسمية المحددة للحجاب الإسلامي. وأصبح ارتداءهن المعاطف التي تصل إلى مستوى الركبة والسراويل الضيقة والجينزات المثقوبة والملابس ذات الألوان المختلفة ظاهرة منتشرة.

وتتحدث الناشطة زهراء وكيل الرعايا عن أن “خلع النساء المحتجات مناديل الرأس أو حرقها أصبح رمزاً لمعارضة الواقع وتصرفات شرطة الأمن الأخلاقي. والمطالبة بالحرية في اختيار اللبس حق إنساني يجب أن يحترم على صعيد المعتقدات والأفكار”.

تضيف: “المحتجات سيدات أصيلات ونبيلات لا يردن أن يعشن غير عفيفات والمشي عاريات في الشوارع، علماً أن النساء اللواتي يفعلن ذلك يستهدفن تحريف مسار الاحتجاجات. وقد وجدت أن المحتجات محترمات وعفيفات يعبرن عن رأيهن، علماً أن النساء الإيرانيات بمختلف معتقداتهن وقناعتهن يستطعن العيش معاً بحرية، وارتداء أزياء وملابس ملونة تناسب الثقافة المحلية ولا تنتهك الحرمات، وبالتالي قد يتحوّل خلع غطاء الرأس إلى أمر اجتماعي عادي لاحقاً.

فجوة 70 عاماً

ويؤكد الخبير الإيراني صلاح الدين خديو، أن المرأة الإيرانية تتجه إلى انطلاقة جديدة بعد عقدين من الثورة السكانية الصامتة في البلاد، التي تشهد تراجعاً كبيراً في نموها السكاني الذي يعتبر بين الأدنى في المنطقة، وحتى بين الدول الإسلامية، بتأثير ارتفاع معدلات الطلاق وتراجع الزواج ما ساهم في تصغير عدد الأسر وحجمها مقارنة بالعقود السابقة. ويعكس ذلك تحوّلات في النماذج الثقافية والقيم الحاكمة في المجتمع التي تدفعها أيضاً موجات الهجرة من القرى إلى المدن، وارتفاع معدلات التعليم وخاصة الجامعي في شكل كبير، لا سيما بين النساء الإيرانيات اللواتي انخرطن في أدوار جديدة غير تلك التي عهدتها الأسر سابقاً”.

يضيف: “الجيل الذي يحتج اليوم، خاصة الفتيات، نشأ في فضاء الانفجار المعلوماتي والثورة الرقمية على نحو بعيد عن القيم والمعايير الرسمية الحاكمة، ما يكشف الفجوة بين السلطات والجيل الإيراني الجديد، إذ إن معدل أعمار المشاركين في الاحتجاجات بين 16 و17 عاماً، بينما يبلغ رئيس مجلس صيانة الدستور السيد أحمد جنتي الـ96 من العمر، ويستمر من خلال المجلس في الإشراف على أهلية المرشحين للانخراط في المؤسسات التشريعية والرئاسية. وهكذا يمكن القول إن الفجوة بين الجيل الحالي والجيل الحاكم تصل إلى 70 عاماً أحياناً، أي نحو ثلاثة أجيال، والشارع الشاب والسلطة يسيران في عالمين وبيئتين اجتماعيتين وثقافيتين مختلفتين، علماً أن عوامل مثل التوزيع غير المناسب للثروات والسلطة عززت هذه الفجوة مع مرور الوقت”.

ويتابع: “المجتمع الإيراني يتحوّل تدريجاً من مجتمع ذكوري إلى أنثوي، فالأسر لم تعد كبيرة كما كانت قبل عقود وتحكمها الهياكل القبلية، وتغيرت موازين القوى بين الرجال والنساء اللواتي بتن يشاركن في صنع القرارات الأسرية، التي أصبحت بالتالي أكثر ديمقراطية من السابق. لكن هذا التوازن الأسري لم يشمل حتى الآن السلطة التي تستمر في النظر إلى المرأة وحقوقها وأدوارها بمنظار قديم لم يشهد أي تحديث”.

والشهر الماضي، أعلن رئيس منظمة محو الأمية علي رضا عبدي أن نسبة التعليم في إيران تبلغ 97.7 في المائة، وأن الأميّة تراجعت إلى أقل من 3 في المائة بعدما كانت 47 في المائة قبل أربعة عقود. كما هبط فارق التعليم بين الرجال والنساء إلى 6 في المائة، وبات أكثر من 90 في المائة من النساء الإيرانيات من المتعلمات.

وتشكل المعلمات نسبة 60 في المائة من عدد المدرسين في إيران، وعددهن 500 ألف، في حين تشكل البنات أكثر من 45 في المائة من عدد تلاميذ المدارس المقدرين بنحو 15 مليوناً، وطالبات الجامعات 60 في المائة من عدد الطلاب.

لكن هذه الأرقام لا تغيّر واقع قلة شغلهن مناصب رسمية في الدولة، تتناسب مع موقعهن الاجتماعي والتعليمي وأدوارهن الجديدة في المجتمع، فهن لم يكلفن شغل مناصب عليا ومتوسطة، مثل الرئاسة والوزارات ورؤساء المحافظات، باستثناء تعيين الدكتورة وحيدة دستجردي وزيرة للصحة في عهد حكومة أحمدي نجاد قبل أكثر من عقد.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − تسعة =

زر الذهاب إلى الأعلى