من الصحافة الإيرانية: محاولات إعادة “أمننة” إيران

بالنسبة لإيران، يعتبر أهم هدف لإحياء المباحثات النووية هو إخراج البلاد من دورة الأمننة والتحرر من عواقبها الخطيرة، والمقلق اليوم هو إعادة تطبيق هذه العملية في البلاد.

ميدل ايست نيوز: بالنسبة لإيران، يعتبر أهم هدف لإحياء المباحثات النووية هو إخراج البلاد من دورة الأمننة والتحرر من عواقبها الخطيرة، والمقلق اليوم هو إعادة تطبيق هذه العملية في البلاد.

والأمننة هي عملية يتم فيها إدراج دولة أو ظاهرة أو قضية على أنها تهديد أمني خارج حالتها الطبيعية، وفي ضوء ذلك تبذل جهود لإضفاء الشرعية على اتخاذ إجراءات استثنائية تهدف إلى كبح جماح هذا التهديد.

وصلت عملية “أمننة إيران” (التي بدأت بشكل واضح منذ اقتحام السفارة الأمريكية في طهران) إلى ذروتها عشية بدء مفاوضات 5 + 1. وبهذا المنوال، استفادت أمريكا من مساعدة الحلفاء الغربيين ومن لامبالاة الدول الأخرى.

وفي ذروة هذه العملية، أي الموافقة على قرارات مجلس الأمن ضد إيران، استطاع البيت الأبيض أن يحصل على تعاون وتصويت إيجابي من روسيا والصين أيضًا.

في حين، أوقفت المباحثات النووية عملية “الأمننة” هذه، وألغت إحدى أهم أدواتها، وهي قرارات الفصل السبع من ميثاق الأمم المتحدة، التي كان هدفها الأساسي نزع الشرعية عن إيران على الصعيد الدولي.

ويذكر أن الاتفاق النووي لم يسعى لتحقيق أهداف اقتصادية؛ لكنه جعل من الممكن أن يتم تطبيع العلاقات مع إيران ورفع العقوبات عنها، وهو شرط أساسي للتنمية الاقتصادية للبلاد. لهذا السبب، تم تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 12.8٪ خلال عامين من تنفيذ المفاوضات النووية.

مع استلام دونالد ترامب لسدة الحكم الأمريكي في يناير2017، أصبحت إعادة “أمننة إيران” الهدف الرئيسي في جدول أعمال المتشددين المحيطين به، لكنهم واجهوا مشكلة كبيرة وهي عدم تأييد ودعم المجتمع الدولي لهم.

وأدت سياسة إيران المتمثلة في الوفاء بتعهداتها في البقاء في المفاوضات النووية في العام الأول وتقليص التزاماتها تدريجياً في العام الثاني إلى استمرار المجتمع الدولي وحتى الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في التعاون معها، فيما منعت سياسة الضغط القصوى التي أنتهجها ترامب من تحقيق هدفها الرئيسي، وهو إعادة أمننة إيران. بل إنه ذهب إلى حد إنهاء القيود المفروضة على الأسلحة الإيرانية في أكتوبر 2020، وقد عارض 13 من أعضاء المجلس الخمسة عشر إجراء إدارة ترامب لمنع رفع هذه القيود عن طريق تفعيل “آلية الزناد” في مجلس الأمن.

ومع انتقال السلطة لإدارة بايدن، تم وضع خطة العودة إلى إحياء الاتفاق النووي على جدول الأعمال كجزء من الإرث السياسي لإدارة أوباما الثانية وعدد من عملائه الذين انضموا إلى إدارة بايدن. ولكن الآن، وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عام ونصف، لا تزال المفاوضات النووية معلقة.

على الرغم من المصالح التي خسرتها إيران خلال هذه الفترة، أتيحت الفرصة لحكومة بايدن لاستعادة علاقاتها مع الحلفاء الغربيين واستعادة الإجماع السابق حول إحياء برنامج إيران النووي واستئناف الاتفاق السابق حول المفاوضات.

ومع ضياع فرصة إحياء المفاوضات النووية، دخلت عوامل جديدة واحدة تلو الأخرى في المعادلة. حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها الجانبية، مثل أزمة سوق النفط والغاز، إلى تغيير جذري في الوضع الدولي.

من جهة أخرى، توحي المجريات من الناحية النظرية، أن خطة إحياء الاتفاق النووي لم تعد خيارًا مناسبًا لروسيا. لأن إنهاء التوتر بين إيران وحلفاء أمريكا الأوروبيين والإقليميين من جهة، وإدخال النفط الإيراني إلى السوق من جهة أخرى، يمكن أن يخفض سعر النفط والغاز لصالح الغرب، ويضر بالمصالح الروسية.

والأهم من ذلك، بعد الأداء الضعيف لروسيا في أوكرانيا، والذي كان مخالفًا للتوقعات، بعد حوالي خمسة أشهر من بدء الحرب، طرحت مزاعم أن روسيا اشترت طائرات بدون طيار من إيران.

هذا الادعاء، وكذلك ادعاء أوكرانيا بأن طائرات إيرانية بدون طيار هاجمت عددًا من الأهداف المدنية وأسقطت عددًا منها، أدى إلى خلق قضية جديدة ضد إيران، والتي نظرًا للأهمية الاستراتيجية للحرب في أوكرانيا بالنسبة للغرب، يبدو أنها اكتسبت أهمية أكبر من القضية النووية، والادعاء أدى إلى انتهاك القرار الدولي 2231 وطلب إلى مجلس الأمن التعامل معه.

العامل المهم الآخر هو الاحتجاجات الشعبية المستمرة في إيران وانعكاسها الواسع على مستوى الرأي العام والساسة في الدول الأخرى، الذي جعل من الصعب على أمريكا وأوروبا مواصلة سياستهما السابقة تجاه إيران.

إلى جانب هذا، يجب أن نضع في الحسبان احتمالات التطورات المنتظرة بسبب عودة نتنياهو إلى السلطة الإسرائيلية.

وبيت القصيد، تخوض إيران اليوم موقفاً حساساً للغاية تجاه الموقف الذي تتعامل فيه روسيا مع الأزمة في أوكرانيا، فيما تظهر الصين والهند الحياد الجاد وتنتقد سياسة روسيا المتبعة تجاه جارتها الأوكرانية.

وبما أن روسيا والصين غير قادرتين على منع الغرب من اللجوء إلى “آلية الزناد” وإحياء القرارات السابقة، فإن تحرك الغرب في هذا الصدد يمكن أن يدخل مرحلة جديدة في عملية ” أمننة إيران”.

وبناء على ما سبق، يتطلب وقف مثل هذه العملية (الأمننة) اتخاذ إجراءات، بما فيها تبني سياسة مختلفة تجاه الاحتجاجات الداخلية في إيران، والتحرك نحو تبني سياسة خارجية متوازنة وواقعية تركز على المصالح الوطنية.

 

كوروش أحمدي

دبلوماسي إيراني سابق

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
صحيفة شرق الإيرانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى