من الصحافة الإيرانية: الانتخابات النصفية الأمريكية وتبعاتها السلبية على إيران
إيران تواجه وضعا صعبا للغاية في المستقبل القريب، بالتالي يتوجب على صناع القرار في إيران اتخاذ قرارات صحيحة وشجاعة وسريعة لتحسين الوضع الداخلي والسياسة الخارجية.

ميدل ايست نيوز: على الرغم من عدم تحديد النتيجة النهائية لانتخابات الكونغرس الأمريكي، إلا أن الانتخابات النصفية الأمريكية لعام 2022 قد انتهت. ومن الواضح تقريبًا أن الجمهوريين فازوا بأغلبية أعضاء مجلس النواب. أما مجلس الشيوخ، كان من نصيب الديمقراطيين. وبهذا، حققت الانتخابات توازن قوى في مجلس الكونغرس.
بعد حالة التضخم البالغة 8% التي شهدتها الولايات المتحدة وارتفاع سعر غالون البنزين لـ 4 دولارات، والانسحاب الأمريكي الفاضح من أفغانستان، وتوتر العلاقات مع روسيا، والحرب في أوكرانيا، وما رافقهم من انخفاض شعبية جو بايدن في الرأي العام بشكل كبير، تسبب بقلق مزعن من فشل كبير ألقى بظلاله على قادة الحزب الديمقراطي.
لكن الانتصار الهش والضئيل للجمهوريين زاد بشكل طفيف من فرص الديمقراطيين في النجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. شريطة أن يتمكنوا من إحراز تقدم كبير في حل المشكلات المذكورة أعلاه.
وعليه، ستواجه إيران تحديات مهمة في العامين المتبقيين من رئاسة بايدن، سأذكر بعضها:
بعد اشتداد قبضة الحزب الجمهوري على السلطة، سيواجه بايدن طريقًا صعبًا للغاية للتغلب على الأزمات، لأنه من ناحية، لن يتمكن بسهولة من تمرير الخطط والبرامج التي يريدها في مجلس النواب، الذي تسيطر عليه أيدي الجمهوريين. بالتالي، تشير الاحتمالات بأن لهذا الوضع تأثير سلبي على قدرة بايدن على اتخاذ قرارات بشأن إيران.
في العامين الماضيين، عندما كان الديمقراطيون يشغلون أغلبية مجلس النواب ومجلس الشيوخ، كان بايدن في وضع يسمح له في إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. فيما أدى عدم وجود حوار إيراني مباشر مع الولايات المتحدة، وتغيير فريق المفاوض النووي الإيراني، والعديد من العوامل الأخرى إلى إطالة المفاوضات النووية وتآكلها، وفي النهاية ضاعت فرصة العامين الماضيين.
وحاول المفاوض النووي الأمريكي روبرت مالي، بأقصى طاقته وجهده على إحياء المباحثات النووية في العامين الماضيين ولم ينجح. في حين يتعرض اليوم لأشد الضغوط الداخلية من كيانات أمريكية قوية جدًا إلى جانب مساعي حثيثة من قبل اللوبي الإسرائيلي والسعودية إلى إقالته من قبل بايدن.
وفي العام الماضي، أوصيت أنا والعديد من الخبراء والمتعاطفين مع إيران من خلال العديد من المقالات والمقابلات بالعمل على إحياء الاتفاق النووي قبل انتخابات الكونغرس، ولكن للأسف لم يتم الالتفات إلى هذه التوصيات.
في غضون ذلك، شهد الموقف الأوروبي من العلاقات مع إيران منعطفاً كبيراً بسبب إستراتيجيه القريبة جدًا من السياسة الأمريكية التقليدية المتمثلة في “تغيير النظام في إيران”.
ووافق الاتحاد الأوروبي تمامًا على السياسات الأمريكية، وذلك وبعد أن نفد صبرهم مع إيران لعدة أسباب منها:
- ادعاء تصدير إيران للطائرات بدون طيار إلى روسيا واستخدامها في حرب أوكرانيا.
- الاحتجاجات والاضطرابات الداخلية في إيران وطريقة تعامل الحكومة معها.
- مظاهرات غير مسبوقة لآلاف الإيرانيين في الخارج وضغط على أمريكا وأوروبا لتغيير النظام في إيران.
- أما المسألة الرابعة هي خيبة أمل الأوروبيين من المفاوضات النووية مع إيران العام الماضي.
لقد دفعت هذه القضايا الأربع أوروبا، الوقوف إلى جانب الأمريكيين، في فرض العديد من العقوبات على إيران، ولم يقتصر الأمر فحسب على فرض المزيد من العقوبات، بل قاموا برفع ملف الاتفاق النووي إلى مجلس الأمن.
بالإضافة لهذا، أعلن وزير خارجية جمهورية ليتوانيا عن تقديم قائمة جديدة للعقوبات ضد إيران، وذكر أن “هذه العقوبات تشمل مرحلتين منفصلتين، هما مشاركة إيران في حرب روسيا ضد أوكرانيا وقمع المتحجين في شتى المدن الإيرانية”.
هذا، وزعمت وزيرة الخارجية الألمانية أيضًا أنه “بناءً على فهمنا الأوروبي لقضية حقوق الإنسان، يجب أن أقول إن احترامها هو أكثر من مجرد قضية وطنية، بل إنها قضية عالمية”.
قبل أيام، طلبت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإنجلترا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إصدار قرار وزعمت أنه من “الضروري والعاجل” تقديم تفسيرات من إيران بشأن جزيئات اليورانيوم الموجودة في ثلاثة مواقع غير معلنة.
وجاء في مشروع القرار الذي أرسل إلى 35 دولة عضو في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يلي: “من الضروري والعاجل” أن تعمل إيران من أجل الوفاء بالتزاماتها القانونية واتخاذ الإجراءات اللازمة دون تأخير. هناك مخاوف جدية بشأن القضايا الأمنية المتعلقة بمواقع تخصيب اليورانيوم الثلاثة غير المعلنة، والتي لا تزال معلقة بسبب عدم وجود تنسيق وتعاون كافي من قبل الجانب الإيراني”.
وإن ترديد جملة “الضروري والعاجل” لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي مقدمة لعرض ملف إيران النووي على مجلس الأمن الدولي. خاصة إذا استخدم الأوروبيون آلية سناب باك، فلن تتمكن روسيا والصين من استخدام حق النقض.
وتزامن فوز الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي مع فوز نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية. وحول هذا، صرح المسؤول السابق لهيئة الأركان المشتركة للحرس الثوري والدكتور الجامعي، حسين علايي، أن: “نتنياهو هو رئيس الوزراء الأكثر إثارة للحرب ومعاداة إيران في النظام الصهيوني. ويعتبر إيران عدوه الوحيد ويسعى إلى زيادة الهوة بين الدول العربية والأوروبية مع جمهورية إيران الإسلامية”.
وأكد علايي: أن نتنياهو يعارض بشدة تقليص العداوات الأمريكية مع إيران. لهذا السبب، يجب على إيران اكتشاف معاقل الاستخبارات والتجسس للموساد وإسرائيل داخل البلاد. كذلك تدمير التنظيم العملياتي الإسرائيلي داخل إيران حتى تكبح جماح نتنياهو.
وفي ثوب هذا، كانت خمس جولات من المفاوضات الإيرانية مع السعودية في أبريل من هذا العام قريبة جدًا من إعلانها النتيجة النهائية، والتي أوقفها قرار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. أعتقد أنه كان ينتظر نتيجة المفاوضات النووية والانتخابات الأمريكية والإسرائيلية. وكانت المفاوضات النووية قد وصلت إلى المرحلة النهائية في أبريل من هذا العام، وكانت فرص إحياءها جدية للغاية.
ومع فشل المفاوضات النووية، وانتصار الجمهوريين في انتخابات الكونغرس، وانتصار نتنياهو في إسرائيل، تأمل السعودية الآن في الواقع، في إحياء المثلث المناهض لإيران في حقبة ترامب مع إسرائيل والولايات المتحدة.
قد لا تنضم أمريكا إلى هذا المثلث في عهد بايدن، لكن بن سلمان متفائل بعمل الجوانب الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية وفق رغبات وأهداف السعودية في الأعمال المعادية لإيران.
في الختام، تظهر الحقائق أعلاه أن إيران تواجه وضعا صعبا للغاية في المستقبل القريب، بالتالي يتوجب على صناع القرار في إيران اتخاذ قرارات صحيحة وشجاعة وسريعة لتحسين الوضع الداخلي والسياسة الخارجية.
حسين موسويان
متخصص في أمن الشرق الأوسط والسياسة النووية بجامعة برينستون، والرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية للأمن القومي الإيراني.