أربع رسائل لطهران في بيان القمة الصينية السعودية

في ظل الفراغ السياسي الخارجي البراغماتي الذي تنتهجه طهران، فضل الصينيون، اتباع نهج اقتصادي قائم على أقصى قدر من الربح.

ميدل ايست نيوز: بعد شهر ونصف من انتخابه للمرة الثالثة على التوالي رئيسًا للصين، غادر شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية للخوض في واحدة من أهم جولاته الدبلوماسية في مسيرته السياسية.

وبحسب موقع فرارو، التقى الرئيس الصيني بالعاهل السعودي حيث وقع معه وثيقة الشراكة الاستراتيجية كما شارك في القمة الصينية الخليجية والقمة الصينية العربية.

كما كان متوقعاً، فإن المحور الرئيسي لهذه الجولة صب على قضية الطاقة، وتوقيع مذكرة تعاون استراتيجي بين الرياض وبكين.

في الشأن الإيراني، اتفق الجانبان على ضرورة تعزيز التعاون المشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي، ودعا الجانبان إيران للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمحافظة على منظومة عدم الانتشار، وأكدا على احترام مبادئ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

في ظاهر الأمر، قد يبدو هذا البيان غريبًا وغير مرتقب، ولكن إذا نظرنا إليه من منظور واقعي، فيمكن تقييمه على أنه محتمل ويمكن التنبؤ به أيضاً. وحقيقة الأمر أن هذا البيان يحمل رسائل جادة لطهران ولصانعي القرار في إيران.

لا جديد في موقف الصين الأخير تجاه إيران لكن البعض يسعى لتجاهل ذلك

وربما يسعى هذا البيان للتذكير بنقطة مفصلية لمراجعة قرار سياسة التطلع إلى الشرق. ومن خلال هذه التحليلات، يمكن تقديم بعض من الرسائل والدروس الواضحة التي بثها البيان المشترك للسعودية والصين للعالم:

تقدم المنطق النفعي على منطق السياسة الخارجية للصين والسعودية

كدولة ذات نظام سياسي شيوعي، أبقت الصين الأيديولوجية بعيدة عن السياسة الخارجية لعقود طويلة. حيث كان قادة الحزب الشيوعي، وفي استراتيجيتهم الوطنية التي تبلغ 100 عام، يهدفون إلى أن يصبحوا قوة عظمى عالمية بحلول عام 2049، وهي الذكرى المئوية لتأسيس الحكومة الشيوعية الصينية.

وفي سبتمبر 2013، وضع قادة بكين مبادرة “الحزام والطريق” على جدول الأعمال من أجل تحقيق أهدافهم الطموحة في مجال السياسة الخارجية، ونتيجة لذلك، وقعوا على مستوى واسع من اتفاقيات التعاون المشترك مع دول مختلفة من أجل إحياء طريق الحرير السابق.

أحد الأجزاء الرئيسية لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق” هو الطريق من آسيا الوسطى إلى الهضبة الإيرانية ومنطقة الخليج. في نفس الإطار، ركزت حكومة بكين في السنوات الأخيرة على توسيع العلاقات الاقتصادية مع السعودية ودول الخليج الأخرى، وهو رمز واضح لزيادة التجارة بين الصين والحكومات العربية عشرة أضعاف في أقل من عقدين.

وعلى الجانب الآخر من الصين، عُرفت الرياض كحليف استراتيجي لواشنطن منذ وقت بعيد. لكن ما تشهده الساحة اليوم هو التقارب الملفت وتوقيع الحكام السعوديين مذكرة تعاون استراتيجي مع أكبر منافس لواشنطن في النظام العالمي.

وبالرجوع لتحليل سلوك السياسة الخارجية لكل من الطرفين (السعودية والصين)، والذي وصل الآن إلى مرحلة إصدار بيان مشترك ضد طهران، يمكن الكشف عن ثلاث حالات أضفت عليها صفة المنطق. النفط والدولار وإبقاء الأيديولوجية بعيدة عن السياسة الخارجية.

حقيقة الأمر أن كلا البلدين قد أعطى الأولوية لمبدأ الربح والمصالح الوطنية في أعمالهما للاقتراب من بعضهما البعض من خلال تبني نهج واقعي. (لا من أجل الصين ولا من أجل السعودية)، فالمبدأ تحت عنوان القيم الديمقراطية ليس مهماً. بالطبع، إلى جانب ذلك، لا يوجد قيد تحت عنوان الأيديولوجيا في العلاقات الاقتصادية.

وعليه، قد يكون هذا النهج المتبع للدولتين بمثابة ضربة لصناع القرار في إيران، الذين يتطلعون إلى بوابة الشرق ويتجاهلون الفرص الأخرى في مجال العلاقات الخارجية.

“هي طعنة في الظّهر”… طهران وإحراجات القمة الصينية الخليجية

الأساس غير الواقعي لتحالف الشرق الاستراتيجي ضد الغرب

خلال السنوات الماضية، كان أحد الخطوط التي أثارها بعض المسؤولين في مجال السياسة الخارجية الإيرانية يتعلق بدخول إيران في التحالف الاستراتيجي بين الشرق والغرب. ويستند تفصيل هذه الفكرة إلى حقيقة أن العالم يسير على طريق الاستقطاب والمواجهة بين الغرب بقيادة أمريكا والشرق مع تحالف الصين وروسيا وإيران. كما أن خطوات وأنشطة السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة استندت إلى ذلك. حيث اعتقد بعض استراتيجيي السياسة الخارجية أن هذا الاستقطاب يمضي قدماً الآن، إذ يجب أيضًا إلحاق إيران بجوار موسكو وبكين في مواجهة الغرب.

ولكن الآن، بالإشارة إلى البيان الأخير للسعودية والصين، يمكن القول بوضوح أن مثل هذا الاستقطاب في المجتمع الدولي لم ولن يكن له صلة بالموضوع. فالصين وحتى روسيا، في مجال السياسة الخارجية، لا تعتبر إيران حليفها الاستراتيجي ضد الغرب.

ويتضح في البيان الأخير أن بكين اتخذت موقفا موحدا مع الرياض والدول الغربية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي ودورها الإقليمي، وهو ما يظهر عدم واقعية التحالف الثلاثي بين طهران وبكين وموسكو.

غياب مجالات التحالف الاستراتيجي بين إيران والشرق

على صعيد آخر، فإن الدعم الصيني لمواقف إيران المعادية للسعودية يمثل حقيقة مفادها أن سياسة التطلع إلى الشرق وتركيز موارد السياسة الخارجية وأهدافها في القرب من بوابة الشرق وفي قلب الصين، لا يمكن أن تخدم مصالح إيران الوطنية وتحل أزماتها.

وعلاوة على هذا، تفتقر فكرة اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل المعروفة باتفاقية الـ 25 عاما ووحدة بكين وانسجامها مع طهران في مجال السياسة الخارجية إلى الواقعية.

هل يكون التنافس الصيني الأمريكي في المنطقة على حساب طهران؟

العقوبات تقيد التعاون الإيراني الصيني

بعد مرور ثلاث سنوات على توقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي الشامل لمدة 25 عامًا بين إيران والصين، لم تشهد طهران تنفيذا وتطبيقا جاداً لهذه الاتفاقية. فيما يعتقد محللون أن أجزاءً من الاتفاقية على الأقل سيتم تنفيذها من قبل الصينيين. لكن الآن، تثبت زيارة شي جين بينغ إلى الرياض وتوقيع اتفاقية استراتيجية بينه وبين السعودية وإصدار بيان مشترك مناهض لإيران أن بكين ليست مستعدة للتعاون اقتصاديًا مع إيران الخاضعة للعقوبات.

وفي ظل الفراغ السياسي الخارجي البراغماتي الذي تنتهجه طهران، والذي يخلق ثغرات عوضاً عن ملئها، فضل الصينيون، اتباع نهج اقتصادي قائم على أقصى قدر من الربح، والتعاون مع الجهات العربية الفاعلة في المنطقة على الاقتراب من طهران.

ومن أمثلة هذه السياسة توقيع عقد الغاز مع قطر، والتوقيع الأخير على مذكرة التفاهم الاستراتيجية مع السعودية. لذلك، قد يحمل هذا البيان رسالة ودرس آخر لطهران وهو أن الشركات الصينية والحكومة غير مستعدة لقبول مخاطر التعاون مع إيران في ظل العقوبات، وحيثما تبرر مصالحها الاقتصادية ذلك، فإنها ستتخذ أيضاً موقفاً ضد إيران في المجال السياسي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 + 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى