من الصحافة الإيرانية: إيران والصين.. الخلل في السياسة الخارجية الأحادية
خلقت التصريحات الصينية الأخيرة، خلال زيارة زعيمها للسعودية وإطلاقه بياناً مشتركاً مع العاهل السعودي ومجلس التعاون الخليجي، أزمة على المستوى السياسي الإيراني.
ميدل ايست نيوز: خلقت التصريحات الصينية الأخيرة، خلال زيارة زعيمها للسعودية وإطلاقه بياناً مشتركاً مع العاهل السعودي ومجلس التعاون، أزمة على المستوى السياسي الإيراني وأطلقت العنان لانتقاد مسؤولي السياسة الخارجية لإيران. إلا أن هذه التصريحات لم تكن مفاجأة للمراقبين الدوليين؛ كونها نتيجة مؤكدة وحتمية لسياسة خارجية أحادية وغير متوازنة اتبعتها الحكومة الحالية.
لم يكن هناك أي شك في عدم صحة فكرة المسؤولين الإيرانيين أن لديهم علاقات استراتيجية مع الصين، ولم يكن لدى المسؤولين الصينيين مثل هذه الفكرة مطلقًا. حيث تكشف هذه المواقف النهج السياسي للصين تجاه المنطقة والجهات الفاعلة فيها في السنوات الأخيرة.
تصريحات ضد طهران في القمة العربية الصينية
أمران أثارا دهشتي خلال هذا المؤتمر: أولاً، لم تؤيد الصين فقط مواقف مجلس التعاون في مهاجمة وحدة أراضي إيران، بل أيضًا في جميع الحالات الأخرى، منها مشاركة دول المنطقة للتعامل مع “ملف إيران النووي”، وأنشطة إيران في المنطقة، والتي وصفتها بـ” “المزعزعة للاستقرار”، ونسبت دعم الجماعات الإرهابية والطائفية والمنظمات المسلحة غير الشرعية إلى “إيران”، ودعت إلى منع انتشار الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.
ثانيًا، تخوض الصين مثل هذا الصراع الواضح والعلني مع إيران، حيث تواجه أولاً مطالبات إقليمية لا حصر لها، وثانيًا، في إطار الاستراتيجية الأساسية “للنمو السلمي”، حاولت بكين دائمًا أن تظل محايدة تمامًا في الخلافات السياسية والجيوسياسية بين الدول.
وتتضح المفاجأة في هذه المواقف، عندما نرى أن في البيان المشترك السابق لبايدن ومجلس التعاون، والذي نشر خلال زيارته للسعودية في 17 يوليو 2022، لم يرد أي ذكر للجزر الإيرانية، ولا اتهامات مماثلة ضد إيران.
والصين كدولة، تركز على النمو الاقتصادي ولديها صادرات تساوي 3.36 تريليون دولار في عام 2021، كيف يمكنها أن تقيم علاقة استراتيجية مع دولة (إيران) تستوعب فقط 8.3 مليار دولار من هذه الصادرات، أي ما يزيد قليلاً عن 12%؟
وفي مقابل هذا، عندما يسمح للصين أن تمتلك 230 مليار دولار من التجارة مع مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك ما نسبته 40% من إجمالي وارداتها النفطية، فلماذا لا تفضلها علينا؟
تعاونات صينية سابقة مع السعودية
وجدير بالذكر أن التعاون الصيني مع العرب لا يقتصر على الملف الاقتصادي. حيث في عامي 1988 و2007، سلمت الصين سرا صواريخ باليستية إلى المملكة العربية السعودية بمدى 3000 و 1750 كم. والأهم من هذا كله، استنادًا إلى صور الأقمار الصناعية التي تم نشرها في ديسمبر 2021، أنشأت الصين خفيةً مصنعًا لإنتاج الصواريخ داخل العمق السعودي.
وعليه، يأمل مجلس التعاون، من خلال التعاون مع الصين وزيادة اعتماد بكين النفطي على المنطقة، أن يجعلوا من مهاجمة المنشآت النفطية أمراً مستحيلاً وإبعاد أي تهديد قد يفضي بإغلاق مضيق هرمز.
من طرف آخر، شدد البيان على معارضة أي نوع من الهجمات ضد المدنيين والمنشآت المدنية وأرض ومصالح السعودية. كما يجب على الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل وبعض الدول العربية أن تزيل عقبة قديمة من طريق الصين للتعاون الاستراتيجي مع العرب.
وليس من قبيل الصدفة أن تركز هذه التصريحات على منع انتشار الأسلحة النووية في منطقة الخليج وليس في الشرق الأوسط برمتها.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن الخلل في السياسة الخارجية هو مصدر كل الخسائر، كان مجلس التعاون يحاول دائمًا تحقيق التوازن فيما يتعلق بجميع القوى العالمية. وبينما لا تزال هذه الدول الست تعتمد على 12 قاعدة ومنشأة عسكرية وما لا يقل عن 45 ألف جندي أمريكي متمركزين في أراضيها، فإنها تتعاون أيضًا مع روسيا من خلال أوبك بلس والقوى الأوروبية بطرق اقتصادية وعسكرية.
ويعد التنويع في السياسة الخارجية أيضًا أحد روافع السعودية لتعديل برودة علاقاتها مع الولايات المتحدة، والتي تأتي من منظور واشنطن تجاه الرياض من منظور حقوق الإنسان والحرب الأوكرانية والسياسة النفطية بالإضافة إلى ذلك، سعت السعوديون دائمًا إلى الانحياز إلى الصين لإذلال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
عواقب بيان القمة
وبالإضافة إلى الاعتداء على وحدة الأراضي الإيرانية وتوجيه اتهامات أخرى، فإن هذين البيانين المشتركين للصين والقادة الخليجيين يحتويان أيضًا على نظرة تشاؤمية لمستقبل طهران وتدهور مكانتها في المنطقة. ربما تفترض الصين أن العلاقات بين إيران والغرب قد وصلت إلى حالة لا رجوع فيها. في الوقت نفسه، تواجه إيران أيضًا مشاكل داخلية كبلت إيديها في التعامل مع الالتفافات الصينية.
في مثل هذه الحالة، يواجه الساسة في معضلة كبيرة: من ناحية، يتطلب مثل هذا العدوان الوقح عادةً رد فعل متناسب مع مدى مهاجمة مصالح الصين في تايوان، والتبت، وبحر الصين الجنوبي، واضطهاد مسلمي الأويغور، وغيره.
من ناحية أخرى، بينما تواجه الجمهورية الإسلامية مشاكل في الداخل وهي هدف لانتقادات واسعة النطاق في الخارج، ومن المحتمل مواجهة أخرى مع الغرب بشأن البرنامج النووي، ربما يشعر مسؤولونا بأنهم مجبرون على عدم إظهار أنفسهم والتطرق لهذه التصريحات على العلن.
وعلاوة على هذا، يشير نهج وزارة الخارجية حتى الآن إلى اختيار المسار الثاني. وفي تغريدة على تويتر، اكتفى وزير خارجية إيران، بالقول “لا خلاف بيننا وبين أحد” فيما يتعلق بسلامة الأراضي. دون الإشارة إلى الصين والتصريحات المشتركة الأخيرة.
وجدير بالذكر، إلى الآن لم يتم استدعاء السفير الصيني إلى وزارة الخارجية ولم يكن هناك أي احتجاج إعلامي ضده، بل إنه ظهر في وزارة الخارجية وأجرى معه مسؤول من الدرجة الثالثة (مساعد وزير دون ذكر اسمه) محادثة معه. وعبر عن استيائه فقط فيما يتعلق بالهجوم على وحدة أراضي إيران، والتزم الصمت حيال الاتهامات الأخرى.
في غضون ذلك، كان الموقف الأساسي هو أن تحرك الصين كان موضع إدانة شديدة بالاسم والإشارة، وعلّقت زيارة نائب رئيس الوزراء الصيني لطهران، وكان تنفيذها مشروطًا بتصحيح مواقف الصين. والأهم من ذلك هو الخطورة المرضية للسياسة الخارجية في إيران والتزامها الصمت حيال ما يحدث.
كوروش أحمدي
دبلوماسي إيراني سابق ومحلل سياسي