من الصحافة الإيرانية: الشرق الأوسط والديناميكيات التنافسية العالمية

انعكس البيان العربي الصيني، الذي صدر عقب زيارة الرئيس الصيني للسعودية ولقاءاته المتعددة المستويات مع الدول العربية، على نطاق واسع في إيران. وتسبب بموجة تحليلات واستفسارات على صحف ومواقع محلية وأجنبية.

ميدل ايست نيوز: انعكس البيان العربي الصيني، الذي صدر عقب زيارة الرئيس الصيني للسعودية ولقاءاته المتعددة المستويات مع الدول العربية، على نطاق واسع في إيران، فيما أثارت التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي أدانت وانتقدت سياسة طهران خرقاً واضحاً لأسس ذلك البيان. وتسبب بطبيعة الحال بموجة تحليلات واستفسارات على صحف ومواقع محلية وأجنبية.

وربما في مجموعة الاستفسارات والتحليلات هذه، كان هناك إجماع ونقطة ملموسة، وهي أن سلوك الصين ومواءمته مع الموقف النمطي لبعض الفاعلين العرب تجاه إيران كان غير متوقع: ما انعكس في هذه التصريحات لم تكن تتوقعه إيران من قبل الصين، وبالطبع حاول الصينيون فيما بعد تصحيحها إلى حد ما وأكدوا على احترام وحدة أراضي إيران.

ولا ينوي هذا المقال تكرار ومراجعة البيانات الصادرة ومقارنتها بالبيانات السابقة. الهدف هو تجاوز اللغة القانونية واللغة الموجهة نحو التوقع وإلقاء نظرة على الديناميكيات التنافسية التي تتشكل في العالم.

أربع رسائل لطهران في بيان القمة الصينية السعودية

تطرح هذه القضية سؤالاً مركزياً، هو أنه بخلاف شرعية إيران القانونية التي لا جدال فيها في العمل ورد الفعل بين العرب والصين، ما هي الاتجاهات الاستراتيجية التي يمكن تحديدها وتحليلها من وجهة نظر دولية؟ ولكي نجيب، سنسلط الضوء على السياق المتغير والاستراتيجي الذي أدى إلى هذه السلوكيات.

وبناء على هذا، عند إعادة قراءة المعطيات الدولية بتفحص ودقة، يمكننا رؤية ثلاث ظواهر تؤثر على بعضها البعض وسماع أصداء الحركة المعقدة بينها في جميع أنحاء العالم ومناطقه الإقليمية المتنوعة؛ هذه الظواهر الثلاث هي: مشكلة الهيمنة العالمية وبروز مفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي وتكثيف المنافسات الإقليمية الجزئية.

ظاهرة الهيمنة العالمية

يروي لنا التاريخ المكتوب لآلاف السنين من البشرية، أن القوى العظمى ليست ظاهرة نادرة. فهي تأتي وتذهب. وفي بعض الحالات، تتربع إحداها على قمة السلطة، بينما يخضع الآخرون لتفوقها أو ما يسمى بالهيمنة بدافع الخوف أو الخضوع. وبالطبع لا يمكن تحقيق ذلك بسهولة؛ فبلوغ ذروة الهيمنة يمر عبر نفق الحروب وسفك الدماء والجهود المختلفة في نفس الإطار.

كانت إيران في العصر الأخميني منذ أكثر من 25 قرنًا مثالاً لما ذكرناه أعلاه. ولكن كما أن صعود الدول المهيمنة ليس بالأمر السهل، فإن انهيارها ليس بالأمر السهل أيضًا: انهيار جميع الدول المهيمنة، سواء كانت عالمية أو إقليمية، هو بلا شك تدريجي وغير إرادي، ومليء بالنزاع وإراقة الدماء في المقام الأول.

بعد الحرب العالمية الثانية، أوجدت أمريكا مكانة مهيمنة لها في النظام الدولي. إلا أنها واجهت في المقابل تحدي قوة الاتحاد السوفيتي، لا سيما من وجهة النظر العسكرية والنووية، فإن النظام ثنائي القطب، وما يسمى بـ (التكافؤ الاستراتيجي)، لم يسمح لأمريكا بتذوق متعة الهيمنة.

وقبل ثلاثة عقود، سبب انهيار الاتحاد السوفيتي بإدعاة إحياء الرغبة الأمريكية في الهيمنة. إلا أنها لم تستطع إدارة الفرصة لصالحها، بل مع الاحتلال العسكري لأفغانستان والعراق في 2001 و 2003، فقدت شرعيتها الدولية، وهو عنصر ضروري للهيمنة.

من الصحافة الإيرانية: إيران والصين.. الخلل في السياسة الخارجية الأحادية

بروز مفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي

أدرك الفاعلون الدوليون أنهم يواجهون حاليًا مجموعة متنوعة من الخيارات الإستراتيجية حيث تم تشكيل توجهات عالمية بطريقة تمكنهم من التحرك ليس فقط في دوامة العلاقات الصينية الأمريكية، بل أيضاً في الشطرنج الإقليمي والعالمي، وأن يكونوا قريبين وبعيدين في نفس الوقت عن القوى الكبرى والعالمية والمتوسطة للمناطق المختلفة.

والقرب هنا يعني الاستفادة قدر المستطاع من قدراتهم، أما البعد، يعني أنهم ينأون بأنفسهم عن الصراعات والتدخل في أمورهم. وبعبارة أخرى، يمر العالم بفترة حساسة بين القوى العالمية والإقليمية، وقد أدت هذه القضية إلى ولادة ظروف جديدة يمكن الإشارة إليها بمفهوم الحكم الذاتي الاستراتيجي؛ حيث تؤكد دراسة السلوك العالمي للهند مع القوى العظمى في العالم هذا الادعاء، فقد عملت هذه الدولة على تعزيز علاقاتها مع القوى الثلاث، أمريكا والصين وروسيا والتقرب بشكل ملحوظ منها.

ولا يخفى على أحد اليوم أن العلاقات الصينية الهندية تشهد بعض التوترات والمناوشات الحدودية، إلا أن حجم التبادلات التجارية بينهما والعضوية في شنغهاي وبريكس لا زالت ملموسة وواضحة على أرض الواقع.

من ناحية أخرى، لم يتفرد هذا النمط من نوعه في الهند فحسب؛ فإن فيتنام، والتي تواجه مع الصين تحديًا إقليميًا وإستراتيجي، لديها علاقات واسعة مع بكين وواشنطن، فيما يسعى العرب وحتى النظام الإسرائيلي ايضا، إلى تنويع علاقاتهم الاستراتيجية. بالتالي، يمكن القول أن هذا الاتجاه العالمي ينعكس في المناطق المحيطة بنا، والذي لا يعني اختفاء الصراعات المحلية القديمة.

دولة منغلقة ومحاصرة دولياً… إيران في صدد إجراء تبادل علمي مع كوريا الشمالية

تكثيف المنافسات الإقليمية الجزئية

إن انفتاح المساحة الاستراتيجية العالمية لا يعني بالضرورة انحسار التوترات المحلية والإقليمية والقضاء عليها. ولا ننسى أنه في عام 2018 حاصرت السعودية والإمارات دولة قطر ووضعا نفسيهما في مأزق لم يخرجا منه إلا بالواسطات الأجنبية. بيت القصيد، المناطق المحيطة بنا مليئة بالصراعات المختلفة، بعضها قديم وبعضها جديد وقد تخلّف لنا الأيام القادمة صراعات أخرى.

أدت طبيعة تلك البلدان المحلية والإقليمية المستقرة إلى الخوض في بعض الأحيان إلى منافسات شرسة وحساسة. فقد حاول الفاعلون في هذه الصراعات استغلال المساحة العالمية لصالح مواقعهم. لكن سواء نجحوا أم لا يعتمد على متغيرات مختلفة، أحدها مصلحة أو عدم اهتمام القوى العظمى بذلك.

مهما كان الأمر، فقد شكلت الصين والولايات المتحدة مساحة إستراتيجية جديدة مستقلة، وصراعات محلية وإقليمية قديمة، وديناميكيات جديدة في العصر الحديث. في مثل هذه الحالة، وبدون أدنى شك، يجب على المرء أن يتعرف جيداً على الظروف المحيطة به ويتفحص الاهتمامات والأولويات التي تعنى به بلاده ويتجنب إثارة الانفعالات واللعب على وتر العاطفة في قضايا الظواهر الدولية.

 

محمدکاظم سجادبور

أستاذ جامعي، دبلوماسي إيراني سابق والرئيس السابق لمركز الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية الإيرانية

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
دنياي اقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى