إيران والعلاقات مع الدول العربية.. دبلوماسية مترددة وتصريحات متناقضة
بالنظر إلى السلوك الدبلوماسي التقليدي، يبدو أن كلاً من الأردن ومصر ليس لديهما القدرة ولا الرغبة في تحسين العلاقات مع طهران حتى يتم تغيير الصورة النمطية التي تم إنشاؤها ضد إيران.
ميدل ايست نيوز: يوم السبت الماضي قال وزير الخارجية الإيراني، في تصريحات إن «رئيس الوزراء العراقي أبدى خلال لقائهما معاً، في الأردن، على هامش الدورة الثانية لـ(مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة)، الرغبة في بدء مباحثات إيرانية – مصرية على المستويين الأمني والسياسي، ما يؤدي إلى تعزيز العلاقات بين طهران والقاهرة»، معرباً عن «ترحيبه بالفكرة».
وأضاف أمير عبد اللهيان أن «رئيس الوزراء العراقي سوف يتخذ إجراءات بهذا الشأن خلال الأسابيع المقبلة». وتابع أنه «سيواصل متابعة هذا الموضوع تماشياً مع دور العراق الإقليمي للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون».
في ظل التصريحات المتضاربة التي تلوح في أفق الملف النووي، ومسألة الطائرات المسيرة، ومطالبات حقوق الإنسان، من غير المرجح أن يتمكن أمير عبد اللهيان من تحقيق طموحاته على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ مع العلم أنه في الأشهر الأخيرة، أبدت الأردن ومصر موقفاً إيجابياً بشأن استئناف العلاقات مع إيران، وقد يكون لحضور الأخيرة، أي طهران، في اجتماع عمان تأكيدًا لهذه النقطة، إلا أن المزاعم التي طرحت على المجتمع الدولي في الأشهر الثلاثة الماضية ضد طهران فتحت صفحة جديدة في المشهد الدبلوماسي للبلاد.
في مثل هذه الظروف، وبالنظر إلى السلوك الدبلوماسي التقليدي، يبدو أن كلاً من الأردن ومصر ليس لديهما القدرة ولا الرغبة في تحسين العلاقات مع طهران حتى يتم تغيير الصورة النمطية التي تم إنشاؤها ضد إيران.
ادعاءات لا محل لها من الإعراب
وبحسب صحيفة شرق الإيرانية، في الأساس، ترتبط علاقات إيران الإقليمية، خاصة في الشرق الأوسط العربي، ارتباطًا مباشرًا بقضايا أخرى.
ففي الواجهة الأولى، على الرغم من أن السعودية والأردن ومصر، خاصة في عهد عبد الفتاح السيسي، كانت ولا تزال تعاني من أوضاع مزرية في مجال حقوق الإنسان، إلا أن المجتمع الدولي حاليًا يصب جامه على إيران فقط؛ بالتالي، ما دامت هذه المواجهة والعراقيل على طريق طهران مستمرة بشأن القضايا المذكورة أعلاه، فإن الأساس الأولي لتحركات الوساطة من قبل بغداد أو أي جهة أخرى لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران قد لا يصل إلى النتيجة المنشودة.
كما أن قضية الحرب الأوكرانية التي لم يتم حلها ومسألة إرسال الطائرات بدون طيار قد خلقت أيضًا عواقب على الدبلوماسية الإيرانية، والتي يمكن أن تدمر المساحة اللازمة لتحسين العلاقات مع دولة مثل مصر.
من فيينا إلى بغداد
في الوقت نفسه، إذا غصنا في أعماق الدبلوماسية الإيجابية لمصر والأردن إلى جانب السعودية لإعادة العلاقات مع إيران، فمن الواضح أن جهود الرياض وعمان والقاهرة قد أثيرت بالتوازي مع بدء محادثات فيينا وتعزيز إمكانية إحياء الملف النووي؛ والآن بعد أن شهدنا جمودًا في المحادثات وإحياء الاتفاق النووي، قد لا يمكننا أن نأمل في نتيجة وإنجاز هام في مجال العلاقات الإقليمية، خاصة مع الدول العربية.
على أي حال، فإن الاقتراح المركزي هو أن مصير محاولة بغداد لاستعادة العلاقات السعودية مرتبط باجتماع فيينا وإحياء المباحثات النووية. الآن، وبما أن طابع الجمود قد أفضى على فيينا، فقد رافقه أيضا تعليق لاجتماعات بغداد.
علاوة على ذلك، على الرغم من إعلان العراق وإيران عن استعدادهما عدة مرات، إلا أن الجولة السادسة من اجتماع بغداد، التي كان من المفترض أن تعقد على المستوى السياسي، توقفت بسبب سياسة السعودية الأخيرة تجاه إيران.
بعد هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أنه نظرًا لأن اجتماع بغداد الهادف إلى إعادة العلاقات الإيرانية السعودية ينعقد في جو غامض بسبب تعليق اجتماع فيينا، فمن الواضح أن جهد العراق المقابل لإعادة العلاقات بين إيران ومصر لن يصل إلى النتيجة المرجوة حتى إشعار آخر، خاصةً وأن كلاً من مصر والأردن يسيران بمحاذاة الاتجاه السعودي.
وعليه، حتى تنتهي إيران من اجتماع فيينا، لا يمكن اعتبار لقاء بغداد وجهود العراق لإعادة العلاقات الإيرانية السعودية مثمرة في استمرار تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة وحتى العلاقات الإيرانية الأردنية.
سياسة خارجية مترددة
مع الأخذ في الاعتبار الوضع الحالي في منطقة غرب آسيا وكذلك المتطلبات الداخلية لإيران، فقد اتبعت السعودية بلا شك “مشروعًا متعدد الأطراف” تجاه إيران؛ فمن جهة، بسبب تجاربها الكثيرة في الحرب على اليمن والتكاليف الباهظة التي كلفت الحكومة، فإنها تخشى المواجهة المباشرة مع طهران، وتسعى في المقابل في إبداء موقف إيجابي بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية. ومن ناحية أخرى، وضعت السعودية على جدول أعمالها، تجديد الخطاب الدبلوماسي وهيكلة لعبتها السياسية المتآكلة، فيما يتعلق باجتماع بغداد، بهدف إعادة العلاقات مع طهران.
وفي الوقت نفسه، تبدو الرياض أنها لا تمتلك الرغبة في استعادة العلاقات مع طهران، بالنظر إلى القضايا المتعلقة والجمود الذي طرأ على القضية النووية، فضلاً عن العقلية التي أوجدتها لنفسها فيما يتعلق بقضايا إيران الداخلية.
وأضف على هذا، يعتقد السعوديون أنه بسبب قضايا إيران الداخلية والخارجية، فإن طهران في موقف ضعيف ولا ينبغي أن تخلق (السعودية) فرصة ومساحة للتنفس الإقليمي لطهران وتستعيد العلاقات المنقطعة منذ سنوات.
ازدواجية التعامل
في غضون ذلك، فإن التطرق لمسألة لقاء الوفد السعودي مع إيران في اجتماع “بغداد 2” من قبل وزير الخارجية السعودي، هو أيضا تأكيد للموضوع المهم الذي تواجهه السياسة الخارجية الإيرانية لتحدي “الازدواجية”.
وبعبارة أوضح، في نفس الوقت الذي بذلت فيه جهود من قبل حسين أمير عبداللهيان للقاء الوفد السعودي، لوضع أساس لتقليل التوتر وإعادة العلاقات، فإن بعض الشخصيات السياسية داخل البلاد تدمر عمليا كل هذه الجهود من خلال إهانة السعودية والتصعيد المستمر ضدها. حيث تشير هذه الازدواجية بوضوح إلى أن المصادر المتعددة والمتنوعة والمتضاربة أحيانًا تؤثر على دبلوماسية الحكومة الإيرانية، الأمر الذي تسبب في ارتباك وتشابك العلاقات السياسة الخارجية، وخاصة العلاقات الإقليمية العربية.
في مثل هذه الحالة، يتضح أن دول المنطقة، من السعودية إلى مصر وغيرها، تدرك تماماً اتجاه الدبلوماسية المتردد لطهران، ولهذا السبب، فإنه من المستحيل إصلاح هذه العلاقات إلا إذا تغيرت هذه الصورة النمطية.
من الصحافة الإيرانية: إيران والصين.. الخلل في السياسة الخارجية الأحادية
من المهم الإشارة إلى أن جهود العراق لإحياء العلاقات الإيرانية السعودية أو الإيرانية المصرية يجب أن يتم فحصها بدقة في شكل حزمة من العلاقات العربية، وليس بشكل منفصل ومستقل. ومن وجهة النظر هذه، كما هو واضح، فإن الدول العربية وعلى الرغم من الصراعات السابقة إلا أنها لم تتوصل بعد إلى جدلية سياسية مع طهران.
وطالما لا تزال الحساسيات مسيطرة على الأجواء حيال القضية النووية المعلقة، فإن المخاوف تصبح أقوى من قبل. وبالتالي، لن تقدم الدول العربية، بشأن التعامل مع طهران، بشكل منفصل ومستقبل، بل تتبع وستتبع المنظور العربي في سياستها.
المواجهة الناعمة والتعامل مع طهران
تعيد مجموعة النقاط المذكورة إلى الأذهان السؤال التالي: إذا لم تكن الظروف جاهزة لتحسين العلاقات مع إيران، فما معنى مطالبات وجهود الرياض، أو عمان، أو القاهرة، أو الكويت، أو إجراءات حكومة الإمارات الأخيرة وإعادة سفيرها إلى طهران؟ وهل هناك تناقض تحليلي ردا على ذلك؟
وللإجابة، ينبغي القول أنه لا يوجد تناقض، فالساسة العرب قد توصلوا إلى هذه الاستنتاجات السياسية بأنهم لن يصلوا إلا إلى عملية مكلفة ومدمرة من مواجهة مباشرة مع طهران، والتي لن تطغى على أمن الطرفين فحسب، بل على أمن منطقة غرب آسيا بأكملها.
لذلك، أصبح “التوازن الدبلوماسي” الآن على رأس أولويات السياسة الخارجية العربية. وبينما تبدي هذه الدول موقفاً إيجابياً إزاء طهران وتدير لعبتها السياسية بحنكة، فإنها تحاول أيضًا تعزيز علاقاتها مع إسرائيل من أجل الاستفادة القصوى من نفوذ طهران لإدارة مسألة تل أبيب، والاستفادة من إسرائيل لتحقيق التوازن مع إيران.
وفي البال، عندما اتخذت الإمارات خطوتها المثيرة للجدل في هذا الاتجاه، ووقعت على اتفاقية إبراهيم، فقد لوحظ تحسن غير معهود بينها وبين طهران، لدرجة أنها أعادت سفيرها إلى طهران. جدير بالذكر أن هذا التوازن موجود أيضًا على جدول أعمال دولة عربية أخرى مثل قطر.