نهاية مسار أستانا؟ ماذا يخفي الاجتماع الأخير للأطراف الروسية والتركية والسورية؟
أثارت التطورات الأخيرة المتعلقة بمستقبل سوريا عقب اللقاء الأخير الذي جمع موسكو وأنقرة ووزير الدفاع السوري، بعض القلق من الجانب الإيراني ومخاوف من تشكيل ثلاثية جديدة موازية لترويكا محور أستانا.
ميدل ايست نيوز: أثارت التطورات الأخيرة المتعلقة بمستقبل سوريا عقب اللقاء الأخير الذي جمع موسكو وأنقرة وسوريا، بعض القلق من الجانب الإيراني ومخاوف من تشكيل ثلاثية جديدة موازية لترويكا مسار أستانا (طهران وموسكو وأنقرة)؛ ثلاثية، يمكنها التنافس بل وحتى استبدال عملية أستانا بأكملها.
وبحسب صحيفة شرق الإيرانية، بعد هذه المجريات، يجب أن يؤخذ هذا الطرح في الاعتبار، أنه من المحتمل أن تكون هناك محاولة من قبل تلك الأطراف على خلق “مستقبل سوري لا تتواجد فيه إيران”.
قد يعتقد الكثيرون أن الرئيس الأسد لن يحضر هذه الاجتماعات دون التنسيق المسبق مع إيران، ولن يقدم على خطوة التعاون مع روسيا وتركيا بدون الضوء الأخضر من قبل طهران، لكن ينبغي أيضًا أن يؤخذ في الاعتبار أنه “إذا حققت العملية الدبلوماسية لهذه الترويكا الجديدة (تركيا وروسيا وسوريا) نتيجة ملموسة وإنجازًا مع الاجتماعات المقبلة، فسيتم خلق مساحة عمليًا لتقليل دور ومكانة طهران في المنطقة.”
ترويكا تحل محل محور أستانا وتزيل طهران؟
لا يخفى على أحد أن الخلاف بين مصالح طهران وأنقرة في التطورات في سوريا شديد للغاية، إذ كانت طهران ولا تزال في مقدمة المعارضين للتعدي التركي المستمر على الأراضي السورية.
على ضوء هذا، لا شك أن أسلوب الأداء الخاطئ للمسؤولين التنفيذيين في إيران في مجال الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة والتراجع الشديد لسلطة السياسة الخارجية الذي رافقها الأعباء الكبيرة لقضايا حقوق الإنسان، ومسألة إرسال الطائرات المسيرة، والحساسيات في الملف النووي، قد وضع طهران في وضع دبلوماسي حرج للغاية وبعيد المنال عن تحقيق التوازن الذي وصلت إليه تركيا.
من طرف آخر، لم يخيّب الأتراك التوقعات الإيرانية، فإن الصمت الدبلوماسي لأردوغان وأنقرة خلال الأشهر الأربعة التي مرت منذ بداية الاحتجاجات في إيران دليل جيد على أن تركيا، وبلجوئها لما يسمى بالاسترضاء السياسي تجاه إيران، لا تسعى إلى جعل طهران حساسة تجاه سياساتها الإقليمية، حتى تتمكن بسهولة من رسم مستقبل “سوريا الجديدة دون إيران”، مع إبقاء الأخيرة في جعبة التحالف.
وحول هذا الموضوع، أكد نعمت الله إيزدي، آخر سفير لإيران لدى الاتحاد السوفيتي، في حديث له مع شرق، على ضرورة النظر إلى الحقائق، لا سيما الميدانية منها، لأنه من وجهة نظره، فقد أصبحت سوريا اليوم مكاناً للحروب بالوكالة، فمن ناحية، تشن إسرائيل بانتظام هجمات جوية وصاروخية وعبر الطائرات المسيرة، ومن ناحية أخرى، تحتل تركيا أجزاء أخرى من سوريا بعمليات عسكرية متتالية، ولا ننسى الأمريكي، الذي يدعم جماعة قسد في شرق سوريا ويسيطر على آبار النفط السورية وينقل إنتاجها لقواعده العسكرية في الشرق الأوسط.
هل ورطت روسيا إيران بالحرب الأوكرانية بهدف إفشال المفاوضات النووية؟
عودة الحرب الأهلية بين السوريين
في الوقت نفسه، يرى هذا الخبير في المجال الدولي، أن روسيا أججت مخاوف طهران الأمنية بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا وانسحابها من سوريا. وفي هذا الصدد أكد إزدي على خطورة هذا الطرح وخشية عودة سوريا إلى نقطة الصفر وإعلان حرب أهلية مرة أخرى بين السوريين.
وعن نقطة الانسحاب الروسي وتقليص الوجود الإيراني في سوريا، لفت هذا الخبير “أنه على الأرجح، أن يعقب خطوة الانسحاب قيام الجماعات الإرهابية بدعم تركي وإسرائيلي، بإعادة تجهيز هياكلها من جديد ورصن صفوفها لمباغتة الحكومة السورية. لذلك، ومن وجهة نظر هذا الدبلوماسي، فإن “محاولة إيران إحداث تغييرات في سوريا باللجوء إلى محور أستانا، خاصة جولتها الأخيرة التي عقدت في طهران هذا الصيف، لن تكون مواتية للغاية”.
ومن هذا المنطلق، قال إيزدي: “قد تتمكن طهران من منع عودة الحرب الأهلية بين السوريين وتحمي مصالحها بنفس الوقت في الأراضي السورية فقط من خلال تحديد سياسة خارجية مرنة وذكية والعمل على أساسها والتعاون مع الأطراف الأخرى”.
وتطرق إلى نقطة أكثر أهمية، وقال: “لدى الرؤساء في روسيا وتركيا خطط لمحور أستانا تتماشى مع مصالحهما. بالتالي، فإن محور أستانا لم يختف تمامًا ولم ينتهِ دوره، لكن لا يمكننا أن نتوقع أن تكون هذه العملية (أستانا) مصدر تأثير جاد على التطورات في سوريا بما يتماشى مع مصالح طهران.
وفي نفس السياق، يرى إيزدي، أنه بعد الأحداث الأوكرانية، أصبحت أولويات روسيا وتركيا وإيران مختلفة للغاية ومتناقضة عما كانت عليه في الماضي. فإن الأولوية الرئيسية لروسيا بقيادة بوتين في أي موقف كان هي التركيز على الحرب في أوكرانيا، وبعد ذلك قضية العقوبات. بحسب هذا الدبلوماسي.
لا ضمانات في المصالح
وأدى انسحاب روسيا من سوريا بسبب مجريات الحرب الأوكرانية، وإعلان الجيش التركي جهوزيته لاحتلال أجزاء من الشمال السوري، لعودة طهران إلى محور أستانا مرة أخرى في وقت سابق من هذا الصيف، لتهدئة صراع مصالح الأطراف الثلاثة في هذه العملية، مما أدى إلى اجتماع القمة في يوليو من هذا العام.
ومع هذا، فإن مسار التطورات الميدانية والسياسية خلال 165 يومًا بعد الاجتماع الثلاثي يظهر أن عملية أستانا لم تكن تروق لطهران لدرجة أنها لم تستطع أن تصل إلى مستوى جيد يحفظ لها مصالحها ويحقق لها أهدافها. وعلاوة على ذلك، اتبع بوتين وأردوغان، سواء في طهران أو في الاجتماعات اللاحقة، “عملية موازية بدون الحضور الإيراني” وإعلان التواجد المباشر للدور السوري والتي أعقبت الاجتماع في موسكو يوم الأربعاء الماضي.
والسؤال الذي يجب علينا الغوص في إجابته والذي يطرح آفاقاً كثيرة، هو عن النوايا الروسية التركية وعما إذا كان أردوغان وبوتين يعتبران العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو أكثر أهمية من عملية أستانا؟