الأردن وإيران والهلال الخصيب
الأردن يجب أن يجد طريقاً لتعزيز علاقاته مع سورية ولبنان والعراق. وهذا، كما هو معلوم، يقتضي الوصول إلى تفاهم مع إيران.
ميدل ايست نيوز: عملت السعودية لنفسها خيراً كثيراً، حين خرجت من الشرنقة التي سعت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى إبقائها فيها، بدءاً من الضغط عليها ألا تتعامل نفطياً مع روسيا عبر تحالف “أوبك+”، أو تخفّض إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك+” لدعم أسعار النفط في الأسواق العالمية في المؤتمر الذي عقد قبل شهرين.
وحسب تقرير لموقع “العربي الجديد” جاءت قمة التحدّي السعودي في اللقاءات الحافلة مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، التي عقدت في المملكة العربية السعودية قبل أقل من شهر (يومي 9 و10 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، وعقد اتفاق استراتيجي معها. وكذا عقد قمة صينية عربية، وردّت الإدارة الأميركية بدعوة زعماء ورؤساء دول وحكومات إلى قمة أميركية أفريقية عقدت في واشنطن العاصمة، وبتخصيص 50 مليار دولار مساعدات لهذه الدول.
وفي شأن آخر، نلحظ أن الاصطفافات الخليجية مع الأردن متقلبة أحياناً. ودول الخليج التي سارعت إلى تخصيص مبلغ خمسة مليارات دينار للأردن، تدفعها بالتساوي كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر، بعد انفجار الربيع العربي في عام 2011، لن تكرر هذا لدعم الأردن في مواجهة ظروفه الاقتصادية المعقدة حالياً.
رسالة للخليج الثري
ونقول في هذا الإطار للأشقاء والسند في دول الخليج، إنكم كلما اختلفتم فيما بينكم وضعتم بعض الدول العربية، والأردن خصوصا، بين المطرقة والسندان. والسبب أن مصلحة الأردن تقتضي منه أن يحافظ على علاقاته مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء.
والقضية المادية وحدها لا تحسم اختيارات الأردن، حيث من المفروض أن تصطفّ المملكة الأردنية مع الدولة الخليجية التي يستفيد منها أكثر من غيرها، ولكن ضرراً كبيراً سيلحق بالأردن من انفراط علاقته مع أي دولة خليجية.
وإذا تغيّر النموذج الذي كانت تسير عليه العلاقات الأردنية الخليجية من أن أمن الأردن واستقراره ضروريان لأمن الخليج، وأن تطبيع علاقات بعض دول الخليج مع إسرائيل أو تلك التي يحتمل أن تطبّع مستقبلاً سيؤدّي، بالضرورة، إلى تضاؤل أهمية الدور الأردني على ذلك الأمن الخليجي، فهذا يعني، إن صدق، أن للأردن كل الحق في أن يبحث له عن بدائل جديدة، وعمقا عربيا جديدا.
والبدائل المتاحة في هذا الإطار هي مصر وسورية والعراق. أما فلسطين، فالأردن هو عمق لها في ظروفها الراهنة. ولذلك يصمّم الملك الأردني عبد الله الثاني على ضرورة اشتمال فلسطين في المشروعات الاقتصادية الإقليمية التي يكون الأردن طرفاً فيها.
سورية المأزومة
أما سورية، فهي دولة واعدة، ولكن ظرفها الاقتصادي الحالي لا يسرّ أهلها قبل أصدقائها أو خصومها، فالليرة السورية متدنّية حيال الدولار، “تم خفض قيمتها الأسبوع الجاري بنسبة 50%”، وهناك سوق سوداء ومتّسعة للعملة داخل سورية، رغم أن العقوبة على المتعاملين والمضاربين في هذه السوق تصل إلى السجن سبع سنوات مع الغرامات، والسلع مفقودة، والكهرباء غير متاحة إلا ساعات.
وكذلك باقي منتجات الطاقة مثل المازوت والبنزين، حيث تستولي جيوش الدول على النفط السوري جهاراً نهاراً من دون حسيب أو رقيب. وهناك بالطبع إيران التي تتمتع بنفوذ داخل سورية، وبدعم من الحكم السوري. وهناك قانون قيصر الذي يجعل التعامل مع سورية غير مسموح به، في الوقت الذي تصارع فيه قوات الجيش والأمن الأردنية مهرّبي المخدّرات ليلاً ونهاراً.
وأما العراق، فقد صار منذ عام 1980 الشريك الطبيعي للأردن، وما يزال. ولكنه يسعى، تحت قيادة رئيس الوزراء الجديد، محمد شياع السوداني، إلى أن يتوازن في علاقاته مع كل جيرانه. ولديه مشكلات تزويد ضخمة وعملة ضعيفة، وخدمات هشّة، ووضع أمني بحاجة إلى الانتباه والحشد الدائمين.
فائض لصالح مصر
أما مصر فعلاقاتها متميزة مع الأردن، كما هي علاقة الأردن بدولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن مصر تتمتع بوفر كبير في علاقاتها الاقتصادية مع الأردن، سواء كان في الميزان التجاري، أو ميزان الخدمات، أو صافي الاستثمار.
وتقدّر هذه الفوائض المصرية مع الاقتصاد الأردني بحوالي ملياري دولار سنوياً على الأقل، وبتحويل هذه الأرقام إلى فرص عمل نرى أنها تتجاوز 1.2 مليون فرصة. هذا في وقت تضع فيه مصر عراقيل على الصادرات الأردنية إليها.
هل يذهب الأردن إلى إسرائيل؟ واضح من المقابلة التي أجراها الملك عبد الله الثاني مع شبكة CNN الأميركية، وبثت يوم 25 الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول)، أن العلاقات مع حكومة إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو سالبة وغامضة، ولا تبشّر بخير.
يتبين مما سبق أن الأردن يجب أن يجد طريقاً لتعزيز علاقاته مع سورية ولبنان والعراق. وهذا، كما هو معلوم، يقتضي الوصول إلى تفاهم مع إيران. ولذلك، بات من الواضح أن هذا سيرضي قطاعاً عريضاً من الشعب الأردني، وأن الشيعة يتمتّعون باحترام الأردن، بالرغم من النفخ المبالغ فيه من بعضهم في مصطلح قديم يعود إلى حوالي 16 عاماً وأكثر، وهو “الهلال الشيعي”، وكأن الشيعة لم يصبحوا كذلك إلا تشيعاً لآل البيت.
يجب ألا يقيّد الأردن نفسه حيال التحدّي الإسرائيلي والقتل الممنهج للفلسطينيين لإرغامهم على الهجرة إلى الأردن، ولا أن يحدّ حركته في الاتجاه المناسب له. والإخوة في الخليج يتحدّثون عن تراجع دور الأردن في أمنهم، ولو أن هذا كله سيُبقي خياراته محصورة على دول عربية غارقة في البحث عن حلول لمشكلاتها، وكان الله في عونها.
أما الأردن فيستطيع أن يجد فرصاً كثيرة جداً، في التعامل مع دول الهلال الخصيب ومن ورائها إيران، وهذا لا يعني أبداً أن الأردن لا يقدّر مستوى العلاقات مع دول الخليج أو مصر حق قدرها.