كيف قلبت الأزمة الأوكرانية طاولة الاتفاق النووي رأساً على عقب؟

أدى استمرار الأحداث الأوكرانية على هذه الوتيرة وما يرافقها من حرب إعلامية وادعاءات بحق إيران بسبب التعاون الجيوسياسي والاستراتيجي مع روسيا لتعليق بل ووقف المفاوضات النووية.

ميدل ايست نيوز: بالرغم من محاولات ترامب العديدة لخلق أجواء تحالفية بين روسيا والولايات المتحدة في إطار النظام العالمي الجديد، إلا أن بايدن قد قلب الموازين تماماً ووضع خططاً مختلفة لهيكلة النظام العالمي مقارنةً بمنافسه الجمهوري.

لا يخفى على أحد أن الأزمة الأوكرانية هي واحدة من الدلالات المركزية للحالة الأمنية التي آلت إليها الساحة الإقليمية والسياسة الدولية، ويمكننا بكل شفافية القول، أن هذه الأزمة أصبحت من أكثر التناقضات الموضوعية والمتصاعدة في السياسة الدولية في فترة زمنية قصيرة للغاية.

هل ورطت روسيا إيران بالحرب الأوكرانية بهدف إفشال المفاوضات النووية؟

السم الأوكراني يفتك بالملف بالنووي

وأثرت المستجدات الأوكرانية مؤخراً على دول أوروبا بالكامل وخلقت أجواء اقتصادية مغايرة تماماً لما كانت عليه هذه الدول قبل نشوب الحرب، فالتحولات الجيوسياسية تلعب دائمًا دوراً فعال في بناء نظام عالمي جديد.

وتخلق الأزمات الإقليمية والدولية الأرضية اللازمة للتقارب والتباعد بين الفاعلين السياسيين. إذ يمكن اعتبار الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، والأزمة الأمنية الناتجة عنه، فضلاً عن رد فعل الاتحاد الأوروبي كطرف سياسي مستقل عن الدول الأوروبية، نقطة تحول في المسار الذي سلكه الساسة في هذا الاتحاد منذ تشكيله.

وعكست الحرب الباردة التي أوجدتها الأزمة الأوكرانية في “السياسة العالمية” تنافس الساسة الفاعلين لتحقيق ما يسمى بـ “بالهيمنة الإقليمية” و”الهيمنة العالمية”. حيث يمكن اعتبار ما خلفته الحرب في أوكرانيا واحدة من العلامات الجديدة للأزمة الإقليمية في السياسة الدولية، والتي بالطبع تركت أثراً ملحوظاً على الأمن القومي الإيراني ومصالحه في الداخل والخارج.

وأدى استمرار الأحداث الأوكرانية على هذه الوتيرة وما يرافقها من حرب إعلامية وادعاءات بحق إيران بسبب التعاون الجيوسياسي والاستراتيجي مع روسيا في الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا وروسيا لتعليق بل ووقف المفاوضات النووية.

وتشير التحركات التي تتبناها أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بأوكرانيا، إلى أن التطورات في هذا البلد تلبسها طابع عدم اليقين الاستراتيجي. فعلى الرغم من تهيئة الأرضية للمفاوضات والاجتماعات بين مسؤولي السياسة الخارجية الأمريكيين والروس، إلا أن مثل هذه العملية لا تعتبر حلاً مبكرًا وسلميًا للأزمة الأوكرانية. فقد انتهج كلا الجانبين الأمريكي والأوروبي في وقت سابق وتحديداً في نوفمبر الماضي، سياسة شديدة ومعقدة تجاه الجانب الإيراني.

وتُظهر المصطلحات التي استخدمها المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون حقيقة أن الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا امتدت لتصل الأراضي الإيرانية وتعرض سياسة البلاد الخارجية وأمنها القومي للخطر، وتؤثر في الوقت نفسه على عملية المباحثات النووية والنتائج المحتملة المتعلقة بها.

إيران والأزمة الأوكرانية ومستقبل الدبلوماسية النووية

تعتبر الدبلوماسية الإيرانية في الملف النووي إحدى الدلالات على تعاون طهران المتوازن في الساحة الإقليمية والسياسة الدولية. ويمكن لتصعيد الأزمات العالمية، بغض النظر عن الأسباب، أن يهيئ الأجواء اللازمة لظهور الأطراف الفاعلة والقوى التي تترك تأثيرها على السياسة والأمن العالميين.

وكانت الأزمة الأوكرانية وما زالت حديث العديد من المحللين والخبراء في القضايا الإقليمية والدولية، والذين أضفوا على مقالاتهم في الآونة الأخيرة طابع المفاجأة والإبهام، جراء رد فعل الناتو والولايات المتحدة السلبي ضد النشاط العسكري والجيوسياسي لروسيا في بداية الحرب، والذي تغير تدريجياً تحت تأثير السياسات الجيوسياسية والاستراتيجية البريطانية.

ولعبت بريطانيا دورًا فعالًا في عزل كومنولث الدول المستقلة، التي كانت حليفًا أمنيًا وإقليمياً لروسيا، ووسعت من نشاطها وفعالياتها بهدف “تغريب” أوكرانيا بغض النظر عن التشكيلات الجيوسياسية، وإيجاد أرضية في كييف للتصدي لرد فعل الروس، الذين لطالما لجأوا للخيارات العسكرية لحماية أمنهم الإقليمي.

ويشير تزايد الصراعات السياسية بين الدول الثلاثة (إنجلترا وفرنسا وألمانيا) مع إيران أن شكلاً جديدًا من المعادلة السلوكية آخذ في الظهور والتطور في علاقات القوى العظمى في العالم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وعليه، يمكن اعتبار توجه إيران الجيوسياسي والاستراتيجي تجاه روسيا أحد القضايا والتحديات التي انخرطت فيها السياسة العالمية وخلقت تداعيات على سير المحادثات النووية والتواصل مع أطراف الحوار في طهران.

وفي ظل هذه الظروف، لم يُظهر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي، رغبة صريحة بإعادة الجلوس مع أطراف الحوار بشأن الملف النووي، وتعتبر هذه المسألة انسحابًا تدريجيًا للدول الأوروبية والكيانات الدولية من إيران وعدم تبني أي سياسة تخص الدبلوماسية النووية.

 

إبراهيم متقي

استاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
دنياي اقتصاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + عشرين =

زر الذهاب إلى الأعلى