سُبل روسيا المحتملة لمكافأة إيران عسكرياً ونووياً
أثار المحور الإيراني-الروسي الذي ظهر في أعقاب الغزو الأوكراني تساؤلات حول الأسلوب الذي قد تعتمده موسكو لمكافأة طهران على دعمها لها.
ميدل ايست نيوز: أثار المحور الإيراني-الروسي الذي ظهر في أعقاب الغزو الأوكراني تساؤلات حول الأسلوب الذي قد تعتمده موسكو لمكافأة طهران على دعمها لها.
فمقابل استخدام الطائرات القتالية المسيرة الإيرانية في أوكرانيا، يشير مسؤولون غربيون إلى أن موسكو قد تزوّد النظام الإيراني بطائرات مقاتلة، وأنظمة دفاع جوي، وطائرات هليكوبتر، فضلاً عن مساعدة بحرية على شكل سفن حربية وتساعد في إنتاج سفن جديدة. من جهته، تحدث أحد النواب الإيرانيين مؤخراً عن عملية التسليم “المعلقة” لمقاتلات “سو-35” وأنظمة دفاع جوي ومروحيات.
وتشير مثل هذه التقارير إلى أن شراكة أوسع نطاقاً في مجال التكنولوجيا المتقدمة والدفاع ستجمع بين البلدين وليس مجرد ترتيب لإبرام صفقات. وكما أشار مسؤول “مجلس الأمن القومي” الأمريكي جون كيربي الشهر الماضي، “تُقدم روسيا لإيران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والتقني الذي يغير علاقتهما”. وقد أدّى حظر الأسلحة الدولي والعقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على إيران إلى تقويض قدرتها على تحديث قواتها المسلحة طيلة سنوات. ومع ذلك، قد تلبي عمليات النقل الروسية المحتملة بعض حاجات النظام الأكثر إلحاحاً وتُقدم مساهمات مهمة في قدراته العسكرية.
استفادت إيران بصورة جيدة من بنية قوتها غير المتكافئة والهجينة – التي تركز على الصواريخ والطائرات المسيرة والميليشيات الوكيلة وقدرات الردع البحري – لذا من غير المرجح أن تسعى إلى إحداث تغيير جذري في قواتها العسكرية. كما أنها لا تملك الأموال اللازمة لشراء كميات كبيرة من الأسلحة التقليدية الباهظة الثمن، ولم تتضح بعد الكمية التي تبدو موسكو مستعدة أو قادرة على تزويدها بها في الوقت الذي يتكبد فيه جيشها خسائر فادحة في أوكرانيا.
حروب الطائرات بدون طيار وصعود “المجمع الصناعي العسكري” الإيراني
لكن عمليات نقل محدودة للأسلحة والتكنولوجيا قد تسمح لإيران بسد الفجوات التي تعانيها بنية قوتها العسكرية، والتحديث الانتقائي، وتعزيز قدرات إنتاج الأسلحة المحلية. وستستمر عمليات نقل الأسلحة الأصغر حجماً في توفير مورد مفيد للجمهورية الإسلامية في مجال الهندسة العكسية، في حين أن الحصول على التكنولوجيا المتطورة من شأنه أن يعزز جهود النظام الإيراني على المدى الطويل لتحديث قوّاته وتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي العسكري.
لقد حققت إيران أساساً تقدماً ملحوظاً في تطوير دفاعاتها الجوية الأرضية وتكثيفها، مستخدمةً مجموعة من الأنظمة المُنتجة محلياً وبطاريات صواريخ “أس-300” الروسية. ومن شأن امتلاكها صواريخ “أس-400” الروسية أن يعزز قدراتها الدفاعية الجوية بعيدة المدى والارتفاعات الشاهقة ويزودها بالقدرة الدفاعية الصاروخية إلى حدّ ما. وإذا استلمت كميات كافية من الصواريخ الاعتراضية ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة، فقد تزداد صعوبة شن إسرائيل ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية وتنفيذها ضربات جوية في سوريا إذا تمّ نشر هذه الصواريخ ضمن أراضيها – على الرغم من أنها لن تؤثر بشكل كبير على نتيجة الحملة الجوية الأمريكية الأوسع نطاقاً ضد إيران.
علاوة على ذلك، فإن التسليم المحتمل لأربعة وعشرين طائرة “سو-35″ من شأنه أن يحسن مرونة إيران ومستوى ردها على التهديدات الجوية الناشئة. ويمكن أيضاً تسليح هذه المقاتلات متعددة المهام بأسلحة جو-أرض بعيدة المدى والتي من شأنها أن تُمكّن من شن ضربات مُواجَهَة ضد الدول المجاورة.
وإلى جانب احتمال شراء إيران مروحيات من موسكو، فهي ترغب في الحصول على مساعدة من الشركات الروسية لبدء خط إنتاج محلي أو تطوير أنواع من المروحيات بصورة مشتركة. ومن المروحيات التي قد تصنعها طهران أو تشارك في صنعها نذكر مروحيات النقل/الخدمات وتلك الهجومية من طراز Mil Mi-38 و Mi-28N(صياد الليل) و”كاموف كا-32/226/60/52”. لكن تعاوناً مماثلاً سيكون وقفاً على قدرة روسيا على حل مشاكلها على صعيد تصنيع المروحيات، على غرار تطوير خط إنتاج بديل للمحركات بما أنه لم يعد بإمكانها استخدام خط إنتاجها السابق الذي كان في أوكرانيا.
وعلى الصعيد البحري، واجهت إيران صعوبات منعتها من تحقيق تطلعاتها في المياه الزرقاء وقد تكون مهتمة بالحصول على سفن حربية وخبرات روسية. ولم تتمكن سوى من صنع عدد ضئيل من الطرادات والفرقاطات، التي تعتمد إلى حد كبير على تصميمات قديمة، ولجأت إلى تحويل ناقلات لتكون بمثابة قواعد بحرية استكشافية للحملات أو ناقلات طائرات مسيرة. ويتماشى تركيز روسيا في فترة ما بعد الحرب الباردة على السفن الأصغر حجماً القادرة على توجيه ضربات قوية مع تركيز إيران على سفن السطح الصغيرة المزودة بصواريخ، لكن موسكو واجهت صعوبات في إنتاجها بأعداد كبيرة، وستؤدي العقوبات الأخيرة إلى تفاقم هذه المشكلة.
وتبقى الغواصات مجالاً محتملاً آخر مهماً للتعاون بين البلدين. فإيران تعمل على تطوير عدة تصاميم محلية، لكنها قد تستفيد كثيراً من التقنيات الروسية ، أو الإنتاج المشترك، أو شراء العديد من الغواصات الجاهزة المتوسطة الحجم التي تعمل بالديزل والكهرباء.
وعلى صعيد آخر، فإن امتلاك إيران لمجموعة من أقمار التصوير الصناعية الروسية سيمكنها من استخدام طائراتها المسيرة وصواريخها بفعالية ودقة أكبر وتحسين قدراتها في مجال الإنذار المبكر والاستهداف. كما قد تستفيد طهران من تكنولوجيا محركات الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل لتطوير صواريخها البالستية ومركبات الإطلاق الفضائية. وعلى الرغم من أنها أحرزت تقدماً كبيراً في صواريخ الوقود الصلب، إلا أن تصميماتها للوقود السائل ما زالت متخلفة.
من المرجح أن يكون شكل المساعدة الذي قد تقدمه روسيا إلى إيران في المجال النووي ذو طابع دبلوماسي. فخلال الأشهر القليلة الماضية، زادت موسكو دعمها لإيران في مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومن المرجح أن تواصل حمايتها من الإحالة إلى “مجلس الأمن الدولي” بسبب عدم امتثال نظامها لالتزامات الضمانات النووية.
وقد يكون لروسيا أيضاً مساهمة في مساعي إيران المستقبلية المحتملة لصنع أسلحة نووية من خلال تزويدها بالتكنولوجيا والدراية، سواء سراً أو علناً. فعلى سبيل المثال، قد يساعد العلماء الروس إيران على إحراز تقدم في مجال بحث وتطوير منظومات الإطلاق والرؤوس الحربية وصنع مصغرات، أو التعاون في الأبحاث ذات الاستخدام المزدوج المتعلقة بالتسليح. لكن هناك العديد من الأسباب التي تدعو للتشكيك بهذه السيناريوهات. فناهيك عن أن تقديم روسيا المساعدة لإيران يتعارض مع موقفها الرسمي المناهض لتطوير طهران أسلحة نووية، فقد يثير ذلك استعداء شركاء موسكو في الخليج.
وعليه، يبدو أن إقدام إيران المحتمل على صنع أسلحة نووية لا يثير قلق الحكومة الروسية بقدر ما يثير قلق الغرب. كما أن الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا ربما تكون قد أحدثت تغييراً في حساباتها الاستراتيجية لدرجة أصبحت تعتبر هذه المساعدة وسيلة لتقويض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وحتى لو تجنبت روسيا تقديم مساعدة رسمية إلى الجمهورية الإسلامية، فإن الاتصالات المتعمقة بين البلدين والتدهور المستمر للاقتصاد الروسي قد يدفعا مهندسيها وعلمائها إلى مزاولة أعمال غير مصرحة بها تعود بالفائدة على البرنامج النووي الإيراني، كما حصل في الماضي. وبالنسبة لإيران، قد يكون توطيد التعاون بهذا القدر مع روسيا خطوة مبالغ فيها نظراً إلى انعدام ثقتها بها منذ فترة طويلة، وخطر الكشف عن أكثر مشاريعها وأسرارها حساسية، وإصرارها المستمر على أنها لم تطور برنامجاً للأسلحة النووية.
وعلى الصعيد المدني، بإمكان إيران أن تطلب مساعدات إضافية لتطوير قطاعها الخاص بالطاقة النووية. فروسيا بنت أول مفاعل في محافظة بوشهر وتقوم ببناء مفاعلين آخرين. وقد تأخرت في إنجاز أعمال بناء المفاعلين الجديدين لعامين على الأقل عن الموعد المحدد لهما، إلا أنه بإمكانها أن تتعهد بتسريع وتيرة البناء أو تقدم شروطاً مالية أفضل لطهران. كما يمكنها مساعدتها في تصنيع وقود المفاعلات النووية.
وإذا نجحت إيران في تصنيع وقودها الخاص لمفاعل بوشهر ومفاعلات مستقبلية مماثلة، فسيكون لديها تبرير مدني أفضل للحفاظ على قدرة صناعية على تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك، توفر روسيا حالياً الوقود الضروري لتشغيل مفاعل بوشهر وقد لا ترغب في تراجع صادراتها منها، لا سيما في ظل الضغوط التي يواجهها قطاعها النووي في أوروبا.
قد ترغب إيران أيضاً في توطيد التعاون مع روسيا في المجال السيبراني والتجارة والاستثمار والتكنولوجيا التي تعزز أمن النظام. فقد أولت طهران اهتماماً كبيراً بتعزيز قدراتها السيبرانية لكنها تبقى متأخرة كثيراً عن موسكو. وبعد ان رأت إيران كيف تدخلت روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 من خلال شنها هجمات إلكترونية، قررت التعاون معها لمحاولة التأثير على الحملة الانتخابية عام 2020 (حتى في الوقت الذي سعت فيه إلى تحقيق نتائج مختلفة). وفي كانون الثاني/يناير 2021، وقّعت الحكومتان اتفاقية تعاون في مجال الأمن السيبراني.
وعلى صعيد التجارة، تبذل الحكومتان المزيد من الجهود لبناء “ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب” على الرغم من التحديات الكثيرة التي تعيق عملية التنفيذ. كما تعهدت الحكومتان بتوسيع نطاق التجارة والاستثمار الثنائي وكذلك التعاون في قطاع النفط والغاز، إلا أن العقبات التي تعترضهما هائلة.
وقد تلجأ إيران إلى روسيا لكي تساعدها على صعيد الأمن الداخلي، ولا سيما في ظل الاحتجاجات المناهضة للنظام التي تجتاح البلاد حالياً. وقد تأمل في الحصول على مركبات وأنظمة غير فتاكة للسيطرة على الحشود فضلاً عن تقنيات التعرف على الوجوه والتعقب.