من الصحافة الإيرانية: السوداني بين مطرقة الدولار وسندان العلاقات الإيرانية؟

تسبب فرض قيود صارمة على التعاملات الدولارية في انخفاض بنسبة 80٪ في ضخ الدولار في السوق العراقية بسبب رفض معظم طلبات المعاملات من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي.

ميدل ايست نيوز: في العقدين الماضيين، كانت تداولات الدولار في بغداد إلى حد كبير خارج الإطار المحدد لنظام “سويفت” المالي العالمي، وقد وفر هذا الأمر شبكة ممتدة للدولار في إيران لتجاوز العقوبات الغربية، خاصة في السنوات الخمس الماضية. إلا أن دوام الحال من المحال، فبعد الجمود المتقع في الملف النووي، قررت واشنطن مؤخراً تقييد هذه الشبكة وإغلاقها قدر الإمكان لتكثيف الضغط على طهران.

وأثناء عهد مصطفى الكاظمي وجهت الحكومة الأمريكية عدة مرات تحذيرات من “تهريب العملات” إلى إيران وسوريا، وأجرت مفاوضات واجتماعات في هذا الصدد، إلا أن خططها باءت بالفشل، حتى وصول محمد السوداني، المقرب من طهران، إلى السلطة في أكتوبر الماضي، وبعد أسابيع قليلة في نوفمبر، فرض البنك الفيدرالي الأمريكي قيودًا صارمة على التعاملات الدولارية في العراق، والتي وفقا لاتفاقية سابقة مع البنك المركزي العراقي، يجب على المتقدمين للحصول على الدولار تسجيل طلباتهم عن طريق إدخال معلوماتهم الكاملة وذكر اسم الطرف الثاني في المعاملة على الموقع الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض والمرتبط ببنك الاتحاد الفيدرالي الذي يشرف على معاملات الدولار.

وقد تسبب هذا الإجراء في انخفاض بنسبة 80٪ في ضخ الدولار في السوق العراقية بسبب رفض معظم طلبات المعاملات من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي. الأمر الذي أدى إلى انخفاض تبادل الدولار اليومي البالغ 250 مليون دولار في العراق إلى 60 مليون دولار.

وفي الوقت نفسه، أدى النقص غير المسبوق للدولار في السوق العراقية، بسبب ارتفاع الطلب، إلى انخفاض قيمة الدينار وارتفاع سعر الدولار، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة وخاصة المواد الغذائية في البلاد.

علاوة على ذلك، يعرف النظام المصرفي في العراق بهشاشته وقلة اعتماد العراقيين عليه، إذ يقومون منذ عقود بإجراء ما نسبته 90% من معاملاتهم في طرق غير مصرفية.

وبسبب ذلك، وقع التجار ورجال الأعمال العراقيون في مأزق لا يحسدون عليه، حيث أدى الانخفاض المستمر في قيمة الدينار من عتبة 1460 إلى 1660 دينار مقابل كل دولار أمريكي وانخفاض القوة الشرائية للعراقيين إلى استياء وغضب عارم من حكومة السوداني.

وبالتالي، فإن أزمة العملة في العراق سلاح ذو حدين يمكن أن تزعزع موقف قوى السوداني السياسية والمتحالفة مع إيران في مجال السياسة العراقية ويحرم طهران من الوصول إلى مصدر جيد للدولار في هذا الوضع.

مسؤول: نطاق العقوبات الغربية امتد ليشمل الدول الصديقة كالصين والإمارات والعراق

إن أحد أسباب الزيادة الأخيرة في سعر الصرف في إيران هو نفس الموضوع، وقد يزداد تأثير هذا الوضع على الأرجح في الأشهر المقبلة، ويدخل سوق العملات متاهة لا مخرج منها. ومما لا شك فيه، أن أزمة العملة في العراق ليست بسبب نقص الموارد، والتي وصلت مؤخراً إلى 100 مليار دولار، بل تشير بوضوح إلى الآلية الجديدة للبنك الفيدرالي الأمريكي لإغلاق قنوات ضخ الدولار إلى إيران وسوريا.

وفي محاولة لمواجهة أزمة ارتفاع الأسعار، حاول السوداني إصلاح الوضع بتبني إجراءات مثل إقالة رئيس البنك المركزي، لكنها لم تكن فعالة للغاية وقد استبعد الكثيرون أيضاً أن تكون فعالة.

وبالإضافة إلى ذلك، يقال إنه طلب من أمريكا تأجيل تنفيذ الآلية الجديدة لمراقبة التعاملات الدولارية في العراق لمدة ستة أشهر، حيث سيكون هذا الموضوع، إلى جانب الاتفاقية الاستراتيجية مع واشنطن، أجندة رحلة السوداني المقبلة إلى أمريكا.

من طرف آخر، وفي معرض مواجهة التهديد الأمريكي السابق بمعاقبة البنك المركزي العراقي، فإن السوداني لا يستطيع عملياً رفض تنفيذ الأمر الجديد للبنك الفيدرالي الأمريكي، وستودع جميع عائدات بغداد النفطية، والتي تصل حاليا إلى 100 مليار دولار، في حساب لدى هذا البنك، الأمر الذي سيحرم العراق من هذه الموارد إذا خالف التعليمات المذكورة أعلاه.

واليوم، وعلى عكس ما يعتقده البعض، فإن النفوذ والتأثير الأمريكي في العراق لا يعتمد على وجود بضع مئات من الجنود الأمريكيين، بل يتركز أكثر على الأذرع الأخرى التي تفرض وجودها الفعلي في بغداد، سواء كانت تابعة لإيران أم لغيرها، وهو ما يضع البلاد عمليًا في مأزق سياسي اقتصادي.

ولهذا، لم تختلف السياسة الخارجية للسوداني كثيراً عن سياسة الكاظمي، وحتى في حالات مثل استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق، فقد اتخذ مواقف جريئة لم يصرح بها الكاظمي نفسه في عهده.

لذلك، لا يخفى على أحد أن النهج الأمريكي في استخدام المزيد من الأذرع الخفية في العراق لمواجهة إيران وضع بغداد في موقف صعب للغاية في إقامة توازن في العلاقات بين طهران وواشنطن.

وأما خلال أزمة الدولار الأخيرة، اعتبر بعض الخبراء والقوى السياسية العراقية أن القيود المفروضة على التعاملات الدولارية مفيدة لعدم إهدار موارد العراق من النقد الأجنبي والحد من خروجها من البلاد.

وفي الوقت نفسه، وضعت التبعات الاقتصادية لهذه القيود السوداني في موقف صعب للغاية في الداخل، وقد يؤدي استمرارها إلى زعزعة استقرار حكومته، وفرض تكاليف باهظة في إطار التنسيق في الانتخابات المقبلة.

 

صابر غل عنبري

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى