هجمات المُسيّرات على إيران: هل تنجح في وقف خط الإمداد الروسي؟

في ظل الظروف الإقليمية الراهنة والفرص العالية للتصعيد تبدو الحاجة ماسّة لنشاط دبلوماسي لإعادة التهدئة في المنطقة.

ميدل ايست نيوز: تداولت مصادر مُتعدّدة أنباءً حولَ هجومٍ بطائرات مُسيَّرة صغيرة، استهدف في 29 يناير 2023، مركزاً للتصنيع العسكري في مدينة أصفهان، الواقعة في وسط إيران. وأكّدت وزارة الدفاع الإيرانية الأنباء، موضحةً أنه كان هجوماً فاشلاً، استُخدمت فيه ثلاث مُسيَّرات أسقطها نظام الدفاع الجوي الإيراني. وأعلنت الوزارة في بيانها عزم إيران على مواصلة مسيرتها لإنتاج السلاح وتطويره.

وبالتزامن مع هذا الهجوم، تداولت مصادر مختلفة، أنباء عن هجماتٍ أخرى، استهدفت مواقع في مُدن: رشت في شمال إيران، وهمدان في وسط إيران، إلى جانب موقع في شرق العاصمة الإيرانية طهران. وأظهرت مقاطع فيديو إطلاقاً مُكثَّفاً للدفاعات الجوية في موقع شرق طهران، بالقرب من قواعد لإنتاج الأسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني، سبق أنْ اُستهدُفَت في الأعوام الماضية. كما أظهرت الفيديوهات تحليقاً مُكثَّفاً للطيران الحربي الإيراني في أجواء العاصمة طهران، في وقت متأخر من فجر يوم الأحد.

ونقل بعضُ وسائل الإعلام عن مصادر في الحرس الثوري الإيراني قولها: إنّ “منظمة مجاهدي خلق” المُعارِضَة، هي مُنفِّذُ هجمات أصفهان بدعم من إسرائيل. إلّا أنّه لم يصدر حتى الآن، أيَّ موقفٍ رسميٍّ إيراني بشأن الطّرف المُتّهم بالوقوف وراء الهجمات، وذلك على الرغم من الإعلان عن اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي لمناقشة الأحداث. لكنّ مصادر مقربة من مراكز صُنْع القرار الإيراني، ومن ضمنهم مستشار فريق المفاوضات النووية الإيراني، محمد مرندي، أشاروا بشكل ضمني إلى دور إسرائيلي في الهجمات، مؤكدين أنّ تل أبيب سوف تتلقى ضربة قوية في الأيام المقبلة.

خريطة الأهداف، والأثر الميداني

وصفت أكثر من جهة إيرانية الهجمات بأنّها كانت فاشلة، وعمياء، وعديمة الأثر. فيما وصفت مصادر غربية الهجمات بالدقيقة، والمؤثّرة. لكنْ ثمّة معطيات واقعيّة تُشير إلى أنّها كانت على الأقلّ، هجمات هادفة، تتّبع خطة معينة، وأنّه جرى الإعداد لها جيّداً.

وتُشير خريطة الأهداف إلى خط مترابط؛ إذ استهدف الهجوم في أصفهان مصنعاً لإنتاج المُسيَّرات من طراز “شاهد”. ويتبع الموقع لوزارة الدفاع، ويشغله الحرس الثوري الإيراني، واستهدفت هجماتُ شرق العاصمة طهران قواعدَ تابعة لوزارة الدفاع والحرس الثوري الإيراني، مخصصة لتطوير الصواريخ البالستية، أما هجمات مدينة رشت الواقعة شمالي إيران، فإنها استهدفت مستودعات تُعَدّ المحطة الإيرانية الأخيرة لنقل العتاد العسكري الإيراني إلى روسيا، قبل أن يُشحَن من ميناء يقعُ بالقرب من مدينة رشت على ضفاف بحر قزوين، ليُبحر نحو موانئ روسيا.

أما هجمات مدينة همدان الواقعة في وسط إيران، والتي تحدثت مصادر عن انقطاع الكهرباء في أجزاء منها فجر الأحد، بعد انفجار كبير، فقد استهدفت “قاعدة نوجيه الجوية” التي سبق أنّ استخدمتها القوات الجوية الروسية في صيف 2016 لضرب أهداف في سورية. وتتحدث مصادر عن وجود آليات روسية في هذه القاعدة، تُوفِّر دعماً لوجستيّاً لتسيير الرحلات الجوية العسكرية بين إيران وروسيا، كما تحتوي القاعدة على أعداد من طائرات سوخوي 30 التي حصلت عليها إيران مُؤخّراً. وتُشير خريطة المواقع التي تحدثت مصادر عن استهدافها فجر الأحد، إلى أنّ العمليّة كانت تستهدف ضرب خط الإمدادات الإيراني-الروسي الذي يعمل على تزويد روسيا بالمُسيّرات الإيرانية، ويطمح إلى تزويدها بالصواريخ البالستية، كما يعمل على تزويد إيران بالأسلحة والعتاد الروسي.

وأصبحت مسألة تزويد إيران لروسيا بالمسيرات الحربيّة، حقيقةً واقعةً تُؤكّدها المُعطيات الميدانيّة في الحرب الأوكرانية. كما أن تواتُر الأنباء، والتقارير بشأن خطط طهران لتزويد موسكو بالصواريخ البالستية، مقابل الحصول على تقنيات عسكرية روسية أخرى، يجعلها أيضاً أقرب إلى الحقيقة. لكنّ الموقف الرسمي الإيراني لا يزال يواصل الإنكار.

التّداعيات وردود الأفعال

لا تُشير ردود الفعل الأوليّة بعد الهجمات إلى تراجُع الدولة العميقة في إيران عن خيار تعزيز التعاون العسكري مع روسيا، أو مراجعة حساباتها بشأن تزويد موسكو بالصواريخ البالستية. لكنّ مُجمل الضغوط الدولية، نجحت على الأقلّ، في نقل الحكومة الإيرانية إلى صفوف المعارضين لفكرة تزويد روسيا بالصواريخ البالستية في طهران؛ حيث بدأت طموحات الدولة العميقة في طهران بالتّحوّل إلى عبء ثقيل على المستويين الاقتصادي والسياسي بالنسبة للجهاز الحكومي.

وتسعى المؤسسة العسكرية من خلال تعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا للحصول على تقنيّات عسكرية روسية حديثة، من ضمنها التزود بطائرات سوخوي 35 المتطورة، والحصول على مزيد من منظومات الدفاع الجوي، خاصّة منظومة إس-400، وتطوير قدرات إيران في مجال إنتاج الصواريخ فرط الصوتية، والصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية.

وعلى الرغم من الضغوط الأوروبية، والأمريكية، لا تزال الدولة العميقة في إيران ترى قيمة عالية في خطط التعاون العسكري مع روسيا، ومن المرجح أن تواصل خططها لتزويد موسكو بطرازات مُحدّدة من الصواريخ البالستية. ويحاول الاتحاد الأوروبي دفع إيران نحو العدول عن موقفها عبر استخدام آليات الضغط الاقتصادي، من خلال حزم متعددة من العقوبات، لكنْ ثمّةَ أطرافاً أوروبيّة، وغير أوروبية، باتت مقتنعة بأن الضغوط الاقتصادية، لا يمكن أنْ تكون كافية لحثّ إيران على وقف تعاونها العسكري الذي تراه استراتيجياً مع روسيا. بل إن مزيداً من العقوبات الأوروبية، والأمريكية من شأنه أن يدفع إيران نحو مزيد من الانصهار في المنظومة الشرقية، والروسيّة تحديداً. وهو مسار تؤكده معطيات تفيد بتنامي رغبة طهران بالاندماج الاقتصادي، وزيادة الاستثمارات الروسية في إيران، على حساب بلدان أخرى، كما تدعمه معطيات أخرى مثل الزيارات المتكررة من المسؤولين الروس إلى إيران في الآونة الأخيرة.

ومن منطلق هذه القناعة يتوجه بعض البلدان نحو فكرة قطع خط الارتباط الروسي-الإيراني، ووضع حدّ للتعاون العسكري بين البلدين باستخدام القوة الصّلبة. وفي هذا السياق، يمكن وضع الهجوم على مُنشأة أصفهان، والهجمات الأخرى التي لم يعترف بها النظام الإيراني، ولكن أكدتها المصادر المحليّة.

وعلى الرغم من عدم توافر معلومات مؤكدة، يمكن الافتراض بأن القوى التي نفذت الهجوم، قامت بذلك بعد أن وصلت إلى نتيجة مفادها أنّ التعاون العسكري بين إيران وروسيا مُستمِرّ رغم الضغوط الاقتصادية، وأنّ هذه الضغوط ليست فاعلة في ردع طهران، وأنّ البلدين اقتربا من حدود جديدة ضمن هذا التعاون، تتمثل في تزويد إيران لروسيا بالصواريخ البالستية، وهو ما يتسبّب بإثارة قلق، وغضب أوكرانيا، وحلفائها الغربيين.

وأكدت تصريحات إسرائيليّة سابقة، أن إسرائيل قادرة على قطع خط إمداد روسيا بالصواريخ البالستية الإيرانية. وكانت الإشارة إلى التعاون العسكري الإيرانية مع روسيا واضحة في الموقف الأمريكي الذي أكد أن العملية وجّهت رسالة لإيران وروسيا بأنه “لن يسمح بإقامة مصانع وتصدير أسلحة بالستية”. كما أكد الموقف الأوكراني أن الهجمات الأخيرة كانت نتيجة السياسات التي انتهجها النظام الإيراني، مُعرباً عن أمله، على لسان المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، بأن تدفع الهجمات طهران نحو انتهاج سياسات أكثر تحضُّراً.

ويبقى السؤال قائماً حول مدى فاعليّة هذه الهجمات في جَعْل الدولة العميقة في إيران، تُعيد النظر في تعاونها العسكري مع روسيا. ويبدو أنّ الولايات المتحدة أرسلت رسالة سياسيّة إلى طهران، بالتزامن مع هذه الهجمات، حملها وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قيل إنها تتعلق بالقطاع العسكري.

ويسعى هذا الجهد الدبلوماسي لضمان قدر أكبر من النجاح للخطوة العسكرية المتمثلة بالهجوم على القواعد. ومن المُرجّح أنّ هناك تنسيقاً، وتعاوناً كاملاً بين الإدارة الأمريكية والأطراف الأوروبية بشأن جهود وقف مسار التعاون الاستراتيجي الإيراني-الروسي، ثمّ دفع إيران نحو العودة لمسار المفاوضات مع المجتمع الدولي. إلّا أنّ أيا من المواقف الرسمية الصادرة عن إيران، والتجارب السابقة على صعيد تفاعل إيران مع هجمات مماثلة، لا تُبشِّر بتفاعل إيجابي، ولا تُرجِّح عودة إيران عن المسار الذي بدأته.

وأظهرت إيران سابقاً أنّ أيَّ هجومٍ على قواعدها العسكرية، لا يؤدي إلّا إلى المزيد من التصعيد، وتسريع وتيرة نشاطها العسكري. وفي الحالة الراهنة فإن مجمل المواقف الصادرة عن الدولة العميقة (التي تبدو الجهة المعنية الرئيسة برسالة الهجمات، وليست حكومة إبراهيم رئيسي) لا تُشير إلى نيّة للتنازل.

وفي ظلّ الإصرار الإيراني المتوقَّع على مواصلة، وربّما تسريع مسار التعاون العسكري مع روسيا، تبقى احتمالات توجيه ضربات عسكرية أخرى لأهداف سيادية في إيران واردةً تماماً. وهو ما يفرض على مختلف اللاعبين الإقليميين استكشاف، وتقييم التداعيات المحتملة، سواء لهذه الضربة والضربات اللاحقة المحتملة، أو للرد الإيراني عليها.

وتبدو إيران مُقتنعة بأنّ هذه الهجمات جاءت من الجبهة الإسرائيلية، أو على الأقلّ بدعم وترتيب إسرائيليين. وتُظهر التجربة أن طهران تتحاشى عادةً القيام بأيّ رد مفتوح على الوخزات الأمنيّة الإسرائيلية المتكررة. ويعود ذلك في جزء منه إلى عدم امتلاك طهران أية استراتيجية للمواجهة مع إسرائيل. إذ تأتي المواجهة مع تل أبيب في سياق الاستراتيجية الإيرانية للمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما تسميه الأيديولوجيا الثورية بالاستكبار العالمي.

وباعتبار أنّ هذه الهجمات استهدفت خط الإمداد الذي يدعم الجبهة الروسية في حرب أوكرانيا، فقد تؤدي هذه الهجمات، أو الهجمات اللاحقة المحتملة إلى تحرُّك روسيٍّ مُقابل، مثل وضع روسيا دفاعات جوية فعّالة في يد إيران، للرد على الهجمات الإسرائيلية المتكررة ضد أهداف إيرانية في سوريا، والعراق، وإيران. ومن شأن مثل هذا التطور، أن يُغير في المعادلات الإقليمية، ويزيد من حجم الوجود الإيراني بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

الحاجة إلى تهدئة التوتُّرات الإقليمية

أعقب الهجمات الأخيرة موجة من التصريحات الإعلامية الحادة، قادتها وجوه مقربة من الحرس الثوري، وحمّلت إسرائيل المسؤولية عن الهجمات، ووعدت بالتصعيد “ضد إسرائيل”، و”ضدّ المصالح الإسرائيلية في المنطقة”؛ ما قد يعمل على زيادة التوتر الإقليمي بشكل ملحوظ.

وفي سياق محاولة امتصاص موجة التوتر المرتقبة، والحيلولة دون مواجهة إيرانية-إسرائيلية محتملة بفعل تصعيد اللهجة على الجانبين، حاولت مصادر أمريكية أن تنأى بإسرائيل عن الهجمات، وتتقبل المسؤولية عنها، أو تحيلها إلى أطراف أخرى. لكن تكرار الهجمات مجهولة الفاعل على أهداف إيرانية سيجعل الأمن الإقليمي عرضة لأخطار حقيقية، في ضوء اتهام إيراني لإسرائيل بالوقوف خلف الهجمات، وتأكيد حق إيران في الرد عليها، عبر استهداف المصالح الإسرائيلية المنتشرة في مختلف الدول المحيطة بإيران. وسبق أن استهدفت إيران مصالح إسرائيلية في كردستان العراق، ردّاً على هجمات سابقة.

وفي ظل الظروف الإقليمية الراهنة والفرص العالية للتصعيد تبدو الحاجة ماسّة لنشاط دبلوماسي لإعادة التهدئة في المنطقة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز الإمارات للسياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى