من دبي مرورًا بإيران إلى الهند.. هكذا كانت رحلة عائلة ألمانية تجوب آسيا بحافلة
استغرق تجهيز حافلة السفر تسعة أشهر تقريبًا، وكان يبلغ طولها 12 مترًا وعرضها 2.4 متر.
ميدل ايست نيوز: كان حزم حقائبهما والشروع برحلة برية طويلة أمرًا لطالما تصور كل من نينا وكاي شاكات، القيام به معًا بعد تقاعدهما.
ولكن بعد وفاة والد نينا، وعقب جائحة “كوفيد -19” العالمية، قرّر الثنائي الألماني ولديهما طفلين، بن (11 عامًا)، وليني (10 أعوام)، أنهما لن يتمكنا من الانتظار فترة أطول من ذلك.
وقالت نينا لـCNN: “كنا نتساءل فقط لماذا ينتظر الجميع حتى التقاعد”. وتابعت: “لقد فكرنا في ما إذا كان ممكنًا الاستمتاع بهذه الرحلة مع طفلينا عندما يبلغان السن المناسب الذي يخولهما الاستمتاع بالرحلة، فضلًا عن رغبتهما بالسفر معنا كأهلهما”.
عندما استهلوا البحث عن رحلة محتملة حول آسيا، سرعان ما أدركت الثنائي شاكات، أنهما سيعانيان جراء تحمّل تكاليف الإقامة، ونفقات الرحلات لأربعة أشخاص، وقاما بالبحث عن طرق بديلة للنقل.
وبعد ملاحظة أن الشاحنة ربما تكون صغيرة جدًا، كان قرارهما استخدام الحافلة في رحلتهما.
وقامت عائلة شاكات بشراء حافلة قديمة من شركة هندية لتصنيع السيارات، تُدعى “أشوك ليلى” لقاء 6 آلاف دولار وشرعت بتحويلها إلى منزل مجهز بالكامل على عجلات.
السفر بالحافلة
واستغرق تجهيز حافلة السفر تسعة أشهر تقريبًا، وكان يبلغ طولها 12 مترًا وعرضها 2.4 متر، مع تحديد منطقة لتناول الطعام، ومكان للجلوس، ومساحة لسريرين بطبقتين، وغرفة للدش وجناح رئيسي. كما تم تجهيز الحافلة بألواح شمسية، وخزان مياه كبير.
وأخيرًا، أحضر الزوجان صديقًا فنانًا ليرسم لوحة جدارية ملونة على السطح الخارجي للحافلة لإضفاء المزيد من المرح والشعور بالرضا للأطفال. وبلغت التكلفة الإجمالية لتحويل الحافلة حوالي 40 ألف دولار، وفقًا لما ذكرته عائلة شاكات.
وأوضح كاي الذي عمل كسائق شاحنة لسنوات عدة، وتمكن من تأمين رخصة قيادة للحافلة قبل الرحلة، أنّه “لدينا مطبخًا مجهزًا بالكامل، وتم تزويده ببراد منزلي كبير، وثلاجة، وغسالة”.
وأضاف: “لدينا كل ما نحتاجه. يمكننا قضاء أسبوع واحد في مكان ما من دون الحاجة إلى الماء أو الكهرباء، ولدينا إمدادات غذائية كافية”.
وقبل الالتزام الكامل بالرحلة، أجرت العائلة تجربة قيادة من دبي إلى عُمان “لمعرفة ما إذا كانت تحب ذلك”، والتحقق من أن جميع التركيبات والتركيبات الجديدة في الحافلة تعمل بسلاسة.
وتعترف نينا: “كان يتواجد عدد قليل من المشاكل التي كان علينا حلها”.
وبمجرد شعورهم بالرضا، بدأوا بالاستعداد للرحلة وترتيب الأشياء حتى يتمكنوا من تعليق حياتهم في دبي لمدة 13 شهرًا.
وتعترف نينا: “كان ذلك مرهقًا”، مضيفة أنها وكاي استمرا في العمل حتى اليوم الذي يسبق مغادرتهما، ولافتة إلى أنه كان هناك آلاف الأمور التي يجب الاهتمام بها.
وبعد شحن الحافلة إلى إيران في أغسطس/ آب الماضي، سافرت عائلة شاكات إلى البلاد بالعبّارة لاستلام حافلتهم، وصعدوا على متنها، وانطلقوا في الرحلة التي كانوا يحلمون بها منذ سنوات.
ورغم أنهم كانوا يخططون بداية للسفر من إيران إلى باكستان، إلا أنّ الفيضانات الغزيرة التي ضربت أجزاءً من باكستان منذ أواخر الصيف الماضي، تعني أنه كان يجب التخلي عن هذا المسار بالروزنامة الخاصة بهم.
وعوضًا عن ذلك، اختاروا السفر إلى تركيا، وقضوا بضعة أسابيع يقودون باتجاه المنطقة الوسطى من كابادوكيا، المشهورة بمناظرها الطبيعية “لمداخنها الخيالية”، قبل العودة إلى إيران ومحاولة القيادة عبر باكستان مرة أخرى.
ولسوء الحظ، تغير الوضع السياسي في إيران بشكل كبير خلال فترة وجودهم في تركيا، إذ أدى مقتل امرأة إيرانية كردية تبلغ من العمر 22 عامًا إلى احتجاجات، حيث كانت السلطات تحاول احتواء انتشار التظاهرات عبر قطع الإنترنت.
وكان هذا الأمر يعني أن شبكات الهاتف المحمول قد أغلقت إلى حد كبير وتم تقييد الوصول إلى تطبيقَي “إنستغرام” و”واتس آب”، اللذين اعتمد عليهما أفراد العائلة لإبقاء الأصدقاء والأقارب على اطلاع دائم بمكان وجودهم.
وتشرح نينا: “لقد مررنا عبر إيران بسرعة كبيرة، لأنه لم يكن لدينا أي إنترنت”. وأوضحت: “كنا دومًا على اتصال بالعائلة والأصدقاء سابقًا. لكن بعد ذلك فجأة، صرنا خارج التغطية تمامًا، ولم يعرف أحد بمكاننا”.
التعامل مع المصاعب
ولم يكن لدى العائلة أي خيار سوى البقاء في البلاد لمدة أسبوعين تقريبًا، حيث لم تتم معالجة تأشيرات دخولهم إلى باكستان، وأغلقت الحدود بسبب الوضع السياسي.
وبعد حوالي 10 أيام من القيادة عبر إيران أثناء انتظار معالجة تأشيراتهم، فقد أفراد العائلة الأمل إلى حد كبير، وكانوا يخططون لشحن حافلتهم إلى دبي.
ومع ذلك، وفي الوقت المناسب، تمكنت عائلة شاكات من تأمين تأشيرات الدخول إلى باكستان في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول. وقد تم تزويدهم بمرافقة مسلحة أثناء رحلتهم من باكستان إلى الهند، التي استغرقت حوالي ستة أيام.
ومنذ مغادرة باكستان، تسافر عائلة شاكات عبر الهند.
وتعترف نينا أن طفليهما، بن وليني، اللذين وصفتهما بأنهما يتميزان بسمة اجتماعية كبيرة، استغرقهما الأمر بعض الوقت للتكيف مع الحياة على الطريق.
وتقول: “فجأة، أنت في حافلة فيها أربعة أشخاص، اثنان منهم تقريبًا في سن المراهقة، على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع”. وأضافت: “تتعلم إلى أي مدى يمكنك تحدي الأطفال”.
وتعترف بأنهم وجدوا جميعًا أن اضطرارهم جميعًا لمواكبة التعليم عبر الإنترنت أثناء السفر كان صعبًا، وخصوصًا للطفلين اللذين كان من الصعب بهما التفاعل مع أصدقاء المدرسة.
وتضيف: “يتشتت انتباهك طوال الوقت لأنك تريد استكشاف المنطقة، ثم تحتاج إلى الجلوس مع طفلك لبضع ساعات يوميًا لإنجاز الواجبات، لأن هناك مواعيد نهائية”.
ورغم استمتاعهم بقضاء الوقت مع بعضهم، إلا أنهم لم يفوتوا فرصة التواجد مع أشخاص آخرين.
ويقول كاي: “اختبرنا كل شيء معًا”. “لا توجد قصص جديدة نرويها حقًا. ولكن لا يزال لدينا الكثير لنتحدث عنه”.
ولحسن الحظ، أثبتت حافلة العائلة الجذابة أنها بداية المحادثة مع الغرباء، وتعرفوا بفضلها إلى العديد من الأشخاص الجدد.
وتُوضح نينا: “لقد ساعدتنا كثيرًا”. “إنها تفتح الأبواب من حيث التواصل والاتصال مع الناس. إنها صديقة جدًا للأطفال”.
وكانت إحدى اللحظات البارزة في رحلتهم حتى الآن هي قضاء عيد الميلاد على “شاطئ منعزل” يقع بين مومباي وجوا مع خمس عائلات أخرى.
وبالطبع، لا مفر من حقيقة صعوبة قيادة حافلة ضخمة قد تتعرّض لمشاكل في بعض الأحيان، وقد أخذت الأسرة نصيبها العادل من النكسات.
وتلفت نينا إلى أنّ زوجها “كان نجمًا كبيرًا في قيادة الحافلة. إذ أن عدد الساعات التي قضاها خلف عجلة القيادة جنوني للغاية. أعتقد أنه بات يتمتع بشعرتين رماديتين جراء الرحلة”.
ورغم أن نينا كانت تأمل بأن تتولى القيادة لبعض الوقت أثناء الرحلة، لكنها وجدت صعوبة بالقيادة وفق قانون السير الهندي.
ومن أجل تخفيف الضغط عن كاي، الذي حصل على رخصة شاحنته مرة أخرى في عام 1999، تحاول الأسرة الآن القيام برحلات أقصر، ما يعني في النهاية أنهم يقضون وقتًا أطول ممّا خططوا له في كل وجهة جديدة. لقد اضطروا أيضًا إلى تغيير مسارهم مرات عدة لأسباب مختلفة.
وتُوضح نينا أنهم “فقدوا شهرًا ونصف الشهر” بسبب الوقت الطويل الذي أمضوه في إيران والالتفاف غير المخطط له إلى تركيا.
وبينما كانوا يأملون بزيارة ميانمار في مرحلة ما، تقول نينا إنهم وافقوا على أنه من غير المرجح إعادة فتح الحدود بين الهند وميانمار، المغلقة منذ شهور، في أي وقت قريب.
وتقول: “كان يجب علينا الإسراع، إذا أردنا متابعة الرحلة نحو جنوب شرق آسيا”.
واضطر الثنائي أخيرًا إلى إلغاء وجهتين كانتا على رأس قائمة المجموعة الخاصة بهما.
وتلفت نينا: “أرادت ابنتي الذهاب إلى كوريا الجنوبية وابني إلى اليابان”. “لقد وعدتهما بأننا سنفعل ذلك في عطلة منفصلة”.
وبينما أنّ قائمة الدول التي يزورونها في الأشهر القليلة المقبلة، يُرجح أن تكون أقصر ممّا كانوا يأملون بداية، إلا أن نينا تشعر أن التروي وقضاء المزيد من الوقت في كل مكان كان أكثر فائدة.
وحاليًا في كوتشي، تخطط العائلة للقيادة نحو تشيناي، قبل زيارة كمبوديا ولاوس ثم العودة إلى الهند.
ومن بعدها يتوجهون إلى جايبور، فأوتار براديش، حيث يدخلون نيبال ويعودون عبر نيودلهي أو أغرار إلى باكستان.
ورغم أنه من المقرر أن يعودوا إلى دبي هذا الصيف، إلا أنهم يفكرون بالفعل برحلتهم الكبيرة المقبلة، ويأملون أن يتمكنوا من القيادة في جميع أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية مستقبلًا.
ومع ذلك، تؤكد نينا، التي أخذت إجازة من وظيفتها كمديرة لأحد المشاريع، أن مثل هذه الرحلات البرية باهظة الثمن، وقد تكون عبارة عن مجرد مغامرة لمرة واحدة في العمر لها لعائلتها.