من الصحافة الإيرانية: كيف استغل علييف مؤتمر ميونيخ لدعم موقفه المناهض لإيران؟
يبدو أن هدف علييف من الإدلاء بتصريحاته الجديدة المعادية لإيران في مؤتمر ميونيخ الأمني هو محاولة لخلق إجماع عالمي ضد إيران.

ميدل ايست نيوز: استمراراً للإسقاطات المستمرة والمتسلسلة لحكومة جمهورية أذربيجان ضد إيران، قال إلهام علييف للصحفيين على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن إن “المؤسسة الإيرانية” تقف وراء حادثة سفارتها في طهران.
وفي أول انتقاد مباشر للسلطات في طهران بشأن الحادث، قال علييف إن تقاعس الشرطة عن التصرف على الفور لوقف المسلح، وحقيقة أن التلفزيون الحكومي أجرى مقابلة مع المهاجم بعد فترة وجيزة من اعتقاله يشير إلى أنه “أرسل من قبل بعض فروع المؤسسة الإيرانية”.
وبحسب موقع فرارو الإيراني، تأتي تصريحات علييف هذه في سياق الهجوم المسلح الأخير الذي طال سفارة باكو في طهران في 27 يناير، والذي أدى لمقتل ضابط أمن السفارة “أورخان عسكروف”، ما أدى إلى تصاعد حدة التوترات بين الحكومة الأذربيجانية وطهران.
وفي ظل هذه التوترات، يمكن قراءة تصريحات علييف الجديدة، وإطلاقه مزاعم وصفت بـ “إرهاب الدولة على طهران” في مؤتمر أمني عالمي، والتي تؤدي إلى تصعيد وتوسيع مستويات توتر أذربيجان ضد إيران، وتقييمها وفق خمس نقاط أساسية:
في البداية، يبدو أن هدف علييف من الإدلاء بتصريحاته الجديدة المعادية لإيران في مؤتمر ميونيخ الأمني هو محاولة لخلق إجماع عالمي ضد إيران.
ويعتقد رئيس باكو أن اتهامه طهران بالإرهاب، سيلفت أنظار المجتمع الدولي لكي يدعم تحركاته ضد أرمينيا. وعلى الأرجح، يعتزم مستشارو السياسة الخارجية والاستراتيجيون في باكو الانضمام إلى الموجة الجديدة من رهاب إيران (إيرانفوبيا) التي بدأت تنتشر بين الأوساط الغربية.
وبالتزامن مع الموجة الكبيرة من الدعاية الإعلامية والسياسية من قبل الدول الغربية (أمريكا وأوروبا) لتقديم إيران كتهديد عالمي، تخطط جمهورية أذربيجان بالمثل لزيادة حدة هذه الموجة، وليس سراً أن مثل هذه السياسة يمكن إرجاعها إلى إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو الجديدة.
على الصعيد الثاني، يبدو أن هدف علييف هو جعل طهران أكبر عقبة أمام تنفيذ مشروع ممر “زنغزور لاتشين”. إذ يدرك جيداً حقيقة أن طهران تعارض بشدة احتلال إقليم “سيونيك” في جنوب أرمينيا. لذلك فهو يحاول إجبار إيران على التراجع عن موقفها الأخير من خلال زيادة الضغوط السياسية والدعائية، ووضع طهران في موقف العزلة والضغط الدولي المفرط بحيث يحرم البلاد عملياً من إمكانية أي تدخل في قضية التوتر بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا.
ثالثاً، يُظهر نهج علييف الجديد بوضوح أن حكومة باكو لا تعترف بأي حدود للصداقة وحسن الجوار. حيث تتمثل الممارسة الشائعة للعلاقات بين دولتين متجاورتين أو حتى دولتين موجودتين في منطقة جيوسياسية مشتركة في الحفاظ على حد أدنى من التسامح بين الطرفين.
مثلاً، على الرغم من ارتفاع التوترات بين إيران والسعودية في السنوات الماضية – خاصةً بعد حادثة هجمات أنصار الله بطائرات بدون طيار على منشآت أرامكو في عام 2019، لم توسع حكومتا الرياض وطهران خط التوتر وتقطع العلاقات بدون عودة، حيث كان من الواضح من خلال تصريحات الجانبين الرسمية مستوى التنازل في استخدام الكلمات وتحليل التوترات.
وخلافاً لهذا الإجراء، ما يمكن ملاحظته في الإجراءات والتصريحات الأخيرة للحكومة الأذربيجانية بقيادة علييف، يظهر بوضوح تخطي كل حدود حسن الجوار. ومن ناحية أخرى، تتجاهل باكو بشكل صريح الخلفية التاريخية المشتركة لجمهوريتها المنشأة حديثًا مع إيران، ولا تعترف بأي قيود في قرع طبول العداء والتوتر مع طهران.
وكثرت مؤخراً التصريحات الصارخة ضد إيران من قبل مسؤولين وسياسيين في حكومة علييف والتي استهدفت دون تردد وحدة الأراضي الإيرانية والنظام الداخلي في البلاد، حيث تحدثوا بشكل شفاف عن دوافعهم التوسعية تجاه إيران وقد وصل بهم الحال إلى إلصاق تهمة “إرهاب الدولة على طهران”، دون تقديم أي دليل صالح وموثوق.
بعد تصعيده تجاه طهران… كيف ستواجه إيران تصريحات علييف الحادة وما هو دور الاتفاق النووي؟
وعلى المستوى الرابع، تظهر تصريحات علييف الأخيرة ضد إيران في مؤتمر ميونيخ للأمن بوضوح فشل سياسة طهران تجاه باكو في الآونة الأخيرة. حيث استندت المواقف والرأي العام الإيراني في المجريات التي أعقبت الهجوم المسلح على سفارة باكو في العاصمة طهران إلى أقصى درجات التسامح وعدم تحويل القضية إلى أداة لزيادة التوتر في العلاقات بين البلدين. وبالإضافة إلى المعطيات الواضحة، نقلت الحكومة الإيرانية، مع الإبقاء على القنوات الدبلوماسية، هذه الرسالة إلى أذربيجان بأن الهجوم على السفارة يجب ألا يصبح عاملاً يضر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وعلى الرغم من المزاعم المعادية لإيران التي أطلقتها سلطات باكو منذ بداية الحادثة وحتى الآن، فقد حافظت إيران على نهج متسامح ومتساهل تجاه حكومة باكو، لكن يبدو أن هذا النهج لم يكن قط عاملاً في حل الأزمة بل زاد بشكل كبير من جرأة علييف في مواقفه المناهضة للبلاد، ويبدو الأمر أيضاً كما لو أن حكومة باكو تحلل المواقف الودية لطهران على أنها نقطة ضعف، وتتخذ كل يوم خطوات جديدة في خط معارضة إيران وتحرّك أدواتها بشكل أكبر في اتجاه العداء مع إيران، ما يدفعنا لنرى المشهد بطريقة أخرى، طريقة تظهر لنا بوضوح أنه حان الوقت لمراجعة نهج إيران التفاعلي تجاه جمهورية باكو.
النقطة الخامسة والأخيرة تشير إلى سلسلة الإجراءات والتصريحات للمسؤولين السياسيين في جمهورية أذربيجان وانتهاجهم سياسة تجاهل مبادئ الدبلوماسية في تعاملهم مع الساسة في إيران.
إن النطاق والطريقة التي يتبعها علييف في تصريحاته ضد إيران تثير الفرضية القائلة بأنه سخر من أبجدية الدبلوماسية. وذلك من خلال تصعيد باكو الأخير وتجاوزها حدود الدبلوماسية السلمية في مواجهة إيران بسرعة غير مسبوقة.
ولا يقتصر النهج الذي تتبعه حكومة جمهورية أذربيجان على الحفاظ على الحدود الدّنيا العامة للدبلوماسية فحسب، بل يؤدي أيضًا بشكل تدريجي إلى اختفاء أي احتمال لتهدئة العلاقات بين البلدين.