تقرير: ما هي تفاصيل “الخطة ب” الإيرانية حال فشل الاتفاق النووي؟
تحدثت وزارة الخارجية الإيرانية، عن وجود "خطة ب" في حال فشل جهود إحياء الاتفاق النووي، في وقت زار فيه وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران الأيام الماضية.
ميدل ايست نيوز: تحدثت وزارة الخارجية الإيرانية، عن وجود “خطة ب” في حال فشل جهود إحياء الاتفاق النووي، في وقت زار فيه وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران الأيام الماضية، وهي الزيارة التي قالت مصادر لموقع “عربي بوست” إن نتائجها “لا تبشر بخير”.
التصريحات الأمريكية والإيرانية الأخيرة قلقة بخصوص مصير الاتفاق النووي بعد زيارة غروسي، آخرها اهتمام مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” وليام بيرنز، بما قالته الوكالة عن اكتشاف ارتفاع نسب تخصيب اليورانيوم في إيران إلى نسب تقرِّبها من النسبة اللازمة للتوصل إلى سلاح نووي، وهي 90%.
وقال بيرنز إن برنامج إيران النووي يتقدّم “بوتيرة مقلقة”، في حين أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في طهران ناصر كنعاني، أن “الاستخدام السياسي لوكالة الطاقة يشوّه الموقف الدولي لهذه المنظمة”.
“الخطة ب”
خلال مؤتمر صحفي في العاصمة العراقية بغداد، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إنه في حالة فشلت الجهود الدبلوماسية لاستئناف المفاوضات النووية، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك خطة بديلة”، أو ما أطلق عليها “الخطة ب”.
تصريحات أمير عبد اللهيان أتت في أعقاب تقارير إعلامية غربية تناولت قيام إيران الآن بتخصيب اليورانيوم بنسبة 84%، وبعد فشل طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الوصول إلى تسوية جيدة من أجل استئناف المفاوضات النووية.
وأفاد الموقع، من مسؤولين إيرانيين مطلعين على ملف المفاوضات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، بأن “الأمور قد تأزمت في الأيام الأخيرة” بين الجانبين.
بناءً على ذلك، أوضحوا أن الأمور ذاهبة بالنسبة لطهران للخطة البديلة التي تتمثل في “تهديدها بالانسحاب من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية”، إلى جانب “إرسال المزيد من المسيرات الإيرانية إلى روسيا”.
للوقوف على تفاصيل ما حصل، تحدث الموقع مع مصدر دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، الذي قال إن “الأمور كانت تسير بشكل يحث على التفاؤل إلى حد ما، فكان هناك حوار من خلال بعض القنوات، بين طهران وواشنطن، بشأن البدء في استئناف المفاوضات النووية، خاصة بعد أن تعاونت طهران في الأسابيع الأخيرة كثيراً مع الغرب”، على حد قوله.
بحسب المصدر ذاته الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن “التعاون والمرونة التي أظهرتها إيران في الأسابيع الأخيرة، تتعلق ببعض التنازلات السياسية”، كما أطلق عليها الدبلوماسي الإيراني.
كشف أيضاً عن أن “القطريين والعمانيين أخبرونا أن واشنطن تريد أن تفرج إيران عن بعض المواطنين الأمريكيين المعتقلين في سجونها، كإظهار لحسن النية من الجانب الإيراني لاستئناف المفاوضات، وهذا ما يتم بالفعل الآن، ويتم التحضير له بشكل جاد”.
أشار في هذا الصدد إلى أن إيران دائماً ما تستخدم المعتقلين مزدوجي الجنسية (يحملون الجنسيتين الأمريكية والإيرانية) كبطاقة في المفاوضات مع الغرب والولايات المتحدة، إلى جانب المحادثات الإيرانية الأوكرانية، التي تمت في أواخر العام الماضي، وبالتحديد في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2022.
الدبلوماسي الإيراني المطلع، أشار كذلك إلى أن المؤسسة السياسية في إيران كانت قد أظهرت “بعض المرونة” مؤخراً، في إشارة إلى العفو الصادر من المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، بحق الآلاف من المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة في إيران.
ولطالما انتقدت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، التي كانت حريصة لسنوات على استئناف عودة الجانب الأمريكي والإيراني إلى الالتزام بالصفقة النووية، انتهاك حقوق الإنسان في إيران، وحملة القمع العنيفة التي شنتها القوات الأمنية الإيرانية ضد المتظاهرين في الاحتجاجات الأخيرة.
المسيرات الإيرانية إلى روسيا
أما فيما يتعلق بالمسيرات الإيرانية، فقال مسؤول أمني إيراني: “بعد المحادثات الإيرانية الأوكرانية، كان يجري التفكير في وقف تصدير الطائرات المسيرة إلى روسيا في الوقت الحالي، على الرغم من أن صفقات بيع الطائرات الإيرانية من دون طيار إلى موسكو تمت قبل أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا القرار كان من أجل استئناف المفاوضات النووية مع الغرب وواشنطن”.
ويضيف المصدر ذاته: “لكن الآن، يرى بعض القادة الإيرانيين، أنه لا مانع من بيع الطائرات من دون طيار إلى موسكو في حال كانت هناك حاجة من الطرفين، لا سيما مع التعنت الأمريكي تجاه إيران، ورغبة الأمريكيين في الحصول على المزيد من التنازلات، واستخدام تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمحاصرة طهران في أي وقت”.
أضاف كذلك أن تصدير طهران للطائرات من دون طيار إلى موسكو لاستخدامها في حربها ضد كييف، يعد بطاقة ضغط بيدها أيضاً.
وسبق أن نشر موقع “عربي بوست” في تقرير سابق، تفاصيل عن جلسات حوار “غير معلنة” بين إيران وأوكرانيا في سلطنة عمان بعد اتهامات بتصدير إيران طائراتها من دون طيار إلى روسيا لاستخدامها في الحرب.
لكن محلل السياسية الخارجية والمقرب من دوائر صنع القرار في طهران، يرى أن “هذا العناد من بعض المسؤولين الإيرانيين سيفضي إلى طريق مسدودة، ويزيد من العزلة الدولية للبلاد”.
واشنطن تريد المزيد من التنازلات النووية
وسط وساطة كل من قطر وعُمان، تتضاءل الآمال في الأيام القليلة الماضية بشأن استئناف الاتفاق النووي، بسبب رغبة واشنطن في تقديم طهران للمزيد من التنازلات النووية بالإضافة إلى التنازلات السياسية، بحسب مصدر دبلوماسي إيراني لـ”عربي بوست”.
مجيباً على سؤال “ما هي التنازلات النووية التي تريدها الولايات المتحدة من إيران لاستئناف المفاوضات؟”، أجاب المصدر الدبلوماسي الإيراني، بأن واشنطن “ترى أن طهران في حالة ضعف اقتصادي واجتماعي حالياً، وهو ما دفعها إلى الطمع في المزيد من التنازلات سواء نووية أم سياسية”، مضيفاً: “باختصار، تريد واشنطن تقديم إجابات مقنعة من إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وأشار المصدر ذاته إلى شرط أمريكي آخر، قائلاً: “هذا بالاضافة إلى نسبة تخصيب اليورانيوم، التي يقول الأمريكيون إن إيران وصلت إلى نسبة تخصيب 84%، وتريد التأكد من الرجوع إلى نسب تخصيب أقل بكثير كشرط لاستئناف المفاوضات النووية”.
يشار إلى أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، هو هدف لتصنيع الأسلحة النووية، وكان الاتفاق النووي الإيراني أو ما يعرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، ينص على أن تقوم طهران بتخصيب اليورانيوم بنسب قليلة للغاية لا تتعدى الـ6%، لكن بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الصفقة النووية في مايو/أيار 2018، زادت إيران من مستويات تخصيبها لليورانيوم بنسب تتجاوز البنود الأصلية للاتفاق النووي لعام 2015.
على ضوء هذا الأمر، قال المصدر المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أخبرت الوسطاء، بأنها غير مهتمة باستئناف المفاوضات النووية مع طهران.
وقال: “خلال اليومين الماضيين، أخبر بعض المسؤولين القطريين، المؤسسة السياسية الإيرانية، بأن واشنطن مصممة على الحصول على المزيد من التنازلات النووية من طهران، وإلا فإنها غير مهتمة باستئناف المفاوضات النووية بهذا الشكل”.
عن ذلك قال المصدر: “تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترى طهران أنه مسيس، ويخدم إسرائيل في المقام الأول، والغرض منه إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، لاستعادة العقوبات كافة على بلادنا، وهذا لا يرضي القيادة العليا في طهران”.
جدير بالذكر، أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد أصدرت إنذاراً في اجتماع مجلس محافظي الوكالة، في العام الماضي، ضد إيران، ومن المتوقع في اجتماعها القادم في شهر أبريل/نيسان 2023، أن تكرر انتقادها لطهران بسبب عدم التعاون معها فيما يخص هذا الأمر.
رفض إيراني للشروط الأمريكية
على الجهة الأخرى، بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت للموقع، هناك مقاومة شديدة للشروط الأمريكية داخل المؤسسة السياسية في طهران.
يقول مسؤول حكومي بارز، ومطلع على الملف النووي: “هناك بعض المسؤولين الكبار داخل الحكومة الإيرانية يرفضون الشروط الأمريكية الخاصة بنسب تخصيب اليورانيوم، كما أنهم يرون أن تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لابد من إغلاقه قبل استئناف المفاوضات، وهذا الأمر الأخير يحظى بأهمية كبيرة لدى القيادة العليا”، في إشارة إلى المرشد الإيراني الأعلى.
أكد كذلك المصدر السابق، اتساع عدد المسؤولين المعارضين للشروط الأمريكية في الحكومة الإيرانية، خاصة بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأخيرة للصين.
وأضاف: “في البداية ما دفع حكومة إبراهيم رئيسي، للتعاون مع الوسطاء القطريين والعمانيين من أجل استئناف المفاوضات النووية، كانت المشاكل الاقتصادية الأخيرة في البلاد”.
لكنه أوضح: “صحيح أن المشاكل مازالت موجودة وتزيد بمرور الوقت، لكن زيارة إبراهيم رئيسي للصين حملت العديد من الأخبار التي تبدو سارة للمسؤولين المعارضين للاتفاق النووي”.
لكن في الوقت ذاته، يرى المصدر الحكومي المطلع في طهران، أنه لا يجب توقع الكثير من بكين، مضيفاً: “في زيارة إبراهيم رئيسي للصين، تم التأكيد على استئناف الاستثمارات الصينية المتوقفة في إيران، وضخ مليارات الدولارات في الأسواق الإيرانية، بعد توقف، لكن هذا الأمر غير مضمون على الإطلاق، فهناك من يرى بين المسؤولين الإيرانيين أن الصين تستخدم إيران للضغط على أمريكا، والرهان الإيراني على بكين مقلق”.
في الآونة الأخيرة، توترت العلاقة بين الصين وإيران قليلاً، بعد زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية، وتوقيعه بياناً يحث إيران على احترام جيرانها، بالإضافة إلى مطالبته لطهران بحل أزمة الجزر الثلاث مع الإمارات، ما اعتبرته طهران تعدياً على وحدة أراضيها، وسط توقف للاستثمارات الصينية فيها، ما زاد من قلق المؤسسة السياسية الإيرانية من تدهور العلاقات مع الصين التي تعتبرها طهران شريكاً استراتيجياً مهماً.
المعسكر الإيراني “المتشدد”
يضاف إلى ما سبق، أن المعسكر المتشدد في إيران “يزيد من ضغطه على القيادة العليا من أجل التخلي عن الصفقة النووية كلما زادت واشنطن من شروطها الصعبة لإحياء الاتفاق النووي”، بحسب ما قاله مصدر إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، نظراً لحساسية الموضوع.
تابع كذلك المحلل السياسي المقيم في العاصمة الإيرانية طهران، بالقول إنه “لا يمكن إنكار قوة وتأثير المعسكر المتشدد على القيادة العليا في طهران، إلا أن الحكومة الإيرانية المحافظة بدأت تدرك أهمية الاتفاق النووي من أجل الخروج من الأزمات الاقتصادية، وبدأت تتحرك في هذا الاتجاه”.
لكنه أضاف أن “المتشددين يستغلون شروط الأمريكيين ليزيدوا من الخناق على الحكومة، وفي النهاية لا يستطيع إبراهيم رئيسي مقاومتهم، وهم الداعمون الأساسيون له”.
الوساطة العمانية
لكن أمام الشروط الأمريكية، والعناد الإيراني، تتحرك المياه قليلاً، بحسب وسائل إعلام عمانية محلية، أشارت إلى زيارة مرتقبة للسلطان هيثم بن طارق، إلى طهران، في حين ربطت المصادر الإيرانية، زيارته بالمفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران.
يقول المصدر الدبلوماسي الإيراني الأول: “من المفترض أن تكون الزيارة مرتبطة بإتمام مسألة تبادل السجناء بين طهران وواشنطن”.
وأضاف: “كما أن الزيارة ستتناول بالطبع ملف المفاوضات، بعد التغييرات الأخيرة”.
يأمل عدد من المسؤولين داخل إيران، في أن تكون زيارة السلطان هيثم بن طارق، تحمل الأنباء السارة بشأن استئناف المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن.
يقول علي رضا زاده، عضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في البرلمان الإيراني: “سلطان عمان يحمل الأخبار السارة. لدي معلومات، بأنها تتعلق بتبادل السجناء، والإفراج عن الأموال المجمدة الإيرانية لدى كوريا الجنوبية”.
فسّر النائب البرلماني الإيراني، سبب الأخبار السارة المتوقعة التي يحملها سلطان عمان، بأنها “نتيجة لجهود الوسطاء والدبلوماسية الإيرانية التي ترحب بالجهود الدبلوماسية حتى آخر دقيقة”.