مراجعة استراتيجية.. لماذا عدلت إيران تقييمها للتهديد السعودي؟

إيران ترى في السعودية اليوم "تهديدا أمنيا" بعدما كانت تنظر إليها فقط كامتداد شرق أوسطي للولايات المتحدة.

ميدل ايست نيوز: “المفكرون الاستراتيجيون في طهران طوروا من إدراكهم للتهديد الذي تمثله السعودية”.. هكذا سلط الخبير في شؤون الشرق الأوسط، جيمس دورسي، الضوء على ما اعتبره رفعا إيرانيا لمستوى تصور “التهديد السعودية”، وما يمثله من مخاطر على نظام الجمهورية الإسلامية.

وذكر دورسي، في تحليل نشره موقع “أوراسيا ريفيو” أن إيران ترى في السعودية اليوم “تهديدا أمنيا” بعدما كانت تنظر إليها فقط كامتداد شرق أوسطي للولايات المتحدة، وذلك وفق “إعادة تقييم” استراتيجي جرت في طهران، في ضوء تركيز المملكة على تعزيز قدراتها العسكرية، وتعثر المحادثات بين الرياض وطهران بوساطة عراقية.

وأضاف المملكة كانت في نظر الإيرانيين، من الناحية العسكرية، ساحة لاستهداف المصالح الأمريكية، وهو تصور تعزز عندما اختارت الرياض عدم الرد بمفردها على الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية في عام 2019، والتي تسببت في توقف 5% من إمدادات النفط العالمية لفترة وجيزة.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إيران أهدافًا على الأراضي السعودية، وامتنعت المملكة عن الرد حتى بعد أن أوضحت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لن ترد عسكريا.

واستبدلت إيران، منذ ذلك الحين، ازدرائها للسعودية كقوة عسكرية باستراتيجية الردع، وهو ما يرقى إلى إعادة تقييم للتهديد الاستراتيجي الأبرز في تصورها، والذي يستند إلى أنها دولة محاطة بدول معادية وأنها مستهدفة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

قدرة المنافسة

ويعكس التحول في التفكير الإيراني، الذي أعاقته العقوبات الأمريكية، عدم قدرة إيران على التنافس مع القوة الاقتصادية والمالية للمملكة، والضغط في العواصم الغربية، وتأثيرها على السياسة الأمريكية والإسرائيلية، حسبما يرى دورسي، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية والمدعومة من السعودية، خاصة قناة إيران الدولية، اكتسبت زخمًا بين المتظاهرين الإيرانيين المناهضين للحكومة.

وهزت المظاهرات الجمهورية الإسلامية مع استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد لمدة 4 أشهر في النصف الثاني من العام الماضي.  ونقلت قناة إيران الدولية، التي تتخذ من لندن مقراً لها، عملياتها إلى الولايات المتحدة، الشهر الماضي، بعد أن قالت الشرطة والاستخبارات البريطانية إنها أحبطت “15 مؤامرة منذ بداية عام 2022 إما لخطف أو حتى قتل أفراد بريطانيين أو مقيمين في المملكة المتحدة يُنظر إليهم على أنهم أعداء النظام الإيراني”.

وتمثلت جاذبية المحطة في تغطيتها للاحتجاجات التي تضمنت معلومات تم حظرها في التقارير على شبكات التلفزيون والإذاعة الإيرانية التي تسيطر عليها الدولة.

في البداية، كان فهد إبراهيم الدغيثر، الرئيس السابق لشركة زين السعودية، ثالث أكبر مزود للاتصالات في المملكة، يمتلك 75% من أسهم شركة فولانت ميديا، التي تشغل إيران الدولية، وقناتها الشقيقة، أفغانستان الدولية.

ثم استحوذ إعلامي السعودي آخر، هو عادل عبد الكريم العبد الكريم، على أسهم الدغيثر في عام 2018، وحينها ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مول القناة الناطقة بالفارسية بمبلغ 250 مليون دولار أمريكي.

وفي الأشهر الأخيرة، أصبح المسؤولون الإيرانيون أكثر حزما في تحذيراته للمملكة، وهو ما عبر عنه قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، قائلا: “إنني أحذر الأسرة الحاكمة السعودية: راقبوا سلوككم وتحكموا في هذه الوسائط، وإلا ستدفعون الثمن. هذا هو تحذيرنا الأخير”.

فيما قال وزير المخابرات الإيراني، إسماعيل الخطيب، إن صبر إيران “بدأ ينفد”، مضيفا: “حتى الآن، تبنت إيران صبرًا استراتيجيًا بعقلانية حازمة، لكنها لا تضمن عدم نفادها إذا استمرت الأعمال العدائية”.

وفي إشارة إلى العديد من ممالك الخليج، هدد الخطيب بأنه “إذا قررت إيران الانتقام والمعاقبة، فستنهار القصور الزجاجية، ولن تشهد هذه الدول الاستقرار بعد الآن”.

إن تطور التصور الإيراني للتهديد السعودي يغذيه إنفاق المملكة الهائل على الدفاع، والجهود السعودية لبناء صناعة دفاع محلية، وتعاونها مع الولايات المتحدة في تحويل الجيش السعودي إلى قوة قتالية فعالة، حسبما يرى دورسي.

القدرات العسكرية

وإلى جانب استحواذ المملكة العربية السعودية على أنظمة أسلحة أمريكية وأوروبية متطورة لا تستطيع إيران الوصول إليها، تهدف المملكة إلى إنشاء قدرات عسكرية تستهدف العمود الفقري لاستراتيجية الدفاع الإيرانية، بينها الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.

وفي هذا الإطار، اتفقت السعودية في السنوات الأخيرة مع الصين على بناء مصنع للطائرات المسيرة في المملكة، هو الأول من نوعه خارج الصين.

كما تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية إجراء أول تدريب تجريبي مشترك لمكافحة الطائرات المسيرة في نهاية هذا الشهر.

وتشير صور الأقمار الصناعية في السنوات الأخيرة إلى أن السعودية بنت قواعد صواريخ بمساعدة التكنولوجيا الصينية.

ومع اقتراب إيران أكثر من أي وقت مضى من قدرات الأسلحة النووية، تدفع السعودية لبناء محطات للطاقة الذرية، كما تهدف إلى اكتساب المعرفة التكنولوجية لمواكبة إيران إذا تجاوزت العتبة النووية.

وسبق أن حذر القادة السعوديون، بمن فيهم بن سلمان، من أن المملكة ستطور قدراتها إذا أصبحت إيران قوة نووية.

ونفت السعودية تقارير عن قيامها ببناء منشأة لاستخراج “الكعكة الصفراء” من اليورانيوم بمساعدة الصين، وهي الجزء الناتج عن العملية التي تؤدي إلى تخصيب اليورانيوم.

ومع ذلك، قالت أعلنت الطاقة السعودية أنها تتعاون مع الصين في جوانب غير محددة لاستكشاف اليورانيوم. كما أعلنت أن تعدين احتياطياتها من اليورانيوم يعد جزءًا من استراتيجيتها للتنويع الاقتصادي.

وفي الشهر الماضي، تلقت السعودية عطاءات لبناء أول محطة للطاقة النووية، إذ تخطط لبناء 16 مفاعلا في العقدين المقبلين بتكلفة تقدر بنحو 100 مليار دولار.

وبالإضافة إلى ذلك، وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقيات تعاون نووي مع دول متعددة، كان آخرها مع فرنسا، الشهر الماضي.

واختتم دورسي تحليله باقتباس لأستاذ العلوم السياسية، عبد الرسول ديفسلار، قال فيه: “بينما تحاول كل من الرياض وطهران وضع آلية اتصال دبلوماسي في مكانها الصحيح، لم يحدث أي انخفاض ملموس في تصورات التهديد”، مشيرا إلى أن “كل الاتجاهات تشير إلى تشدد النهج الأمني لكلا البلدين تجاه بعضهما البعض، ما يعقد التنازلات بشأن تصميم مسار للتهدئة الثنائية”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى