سوريا: ساحة صراع ومساحة ردع متقدم بين إيران وإسرائيل

تركز إسرائيل في استهدافها لإيران على الساحة السورية وذلك لأنها الأقل تكلفة وهي المساحة التي لن تحوِّل هذه المواجهات غير المباشرة إلى مواجهة كلاسيكية مفتوحة.

ميدل ايست نيوز: بشكل منتظم ومستمر خلال 2023، هاجمت إسرائيل عددًا من النقاط العسكرية في سوريا وركزت هجماتها على المطارات العسكرية في دمشق وحمص. ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات فيلق القدس في سوريا، ولكن سياق وكثافة هذه الهجمات يشيران إلى حدوث تطور دراماتيكي-عسكري في عملية المواجهة غير المباشرة بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية. توعدت طهران بالرد على الهجمات والانتقام لمقتل ضابطين لها قُتلا إثر غارات إسرائيلية في محيط دمشق.

وللإجابة على سؤال: ما إستراتيجيات وساحات المواجهة ومستقبلها بين إسرائيل وإيران، يطرح هذا البحث فرضية رئيسية هي أن الحرب العراقية-الإيرانية وحظر الأسلحة المفروض على طهران وتهالك القوى الجوية منذ عهد الشاه دفع إيران لتبنِّي إستراتيجيات دفاعية مركبة ومعقدة تقوم على صناعة الحلفاء من غير الدول والحروب غير المتكافئة والدفاع المتقدم، وفي ذات الوقت ولصعوبة المواجهة المباشرة مع إيران تبنَّت إسرائيل إستراتيجية ضرب أذرع الأخطبوط.

سوريا: المساحة الرمادية للمواجهة

أعلنت طهران عن مقتل اثنين من مستشاريها العسكريين في سوريا، هما: ميلاد حيدري ومقداد مهقاني؛ حيث توفي الأول بشكل مباشر بعد هجمات استهدفت ريف دمشق، يوم الجمعة 31 مارس/آذار، والآخر تم الإعلان عن وفاته بعد يومين من الحادثة بعد أن تم نقله إلى طهران للعلاج من إصابات تعرض لها في نفس الموقع. تُصر طهران على وصف القادة العسكريين بوصف المستشارين العسكريين وذلك لأنها تدعي بأن وجودها في سوريا هو وجود استشاري وحسب.

عند تحليل بيانات الهجمات الصاروخية التي نفذتها إسرائيل يبدو أن أغلب المواقع المستهدفة كانت عبارة عن مطارات عسكرية توجد فيها قوات الحرس الثوري وقوات حزب الله بكثافة وهي عبارة عن مطار الضبعة بالقرب من مدينة القصير بالقرب من الحدود اللبنانية ومطار “T4” بالقرب من مدينة تدمر. فيما يلي توزع الهجمات الإسرائيلية على سوريا منذ بداية العام 2023.

في نهاية يناير/كانون الثاني 2023، وعقب زيارة لوزير الدفاع السوري إلى طهران، تحدث التلفزيون الرسمي الإيراني نقلًا عن قادة عسكريين إيرانيين عن ضرورة أن تعيد سوريا بناء شبكة دفاعها الجوي وحاجتها إلى قنابل دقيقة لطائراتها المقاتلة. ولذلك تم الحديث عن تزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي “15 خرداد” المشابهة في عملها لمنظومة “S300” الروسية وتم الحديث كذلك عن تزويد السوريين بصواريخ أرض-جو لمواجهة الغارات الإسرائيلية ورادارات متطورة(2).

لا تشير وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية إلى طبيعة وظيفة هؤلاء الضباط بل تقتصر على وصفهم بالمستشارين العسكريين وحسب، ولكن يبدو أن الضباط هم من خبراء ومهندسي الطيران الذين يعملون على تطوير النظام الدفاعي الجوي في سوريا ويعملون كذلك على التحضير لشبكة واسعة من الطائرات المسيرة بدون طيار والتي يتم تصديرها إلى حزب الله ويتم تخزين جزء منها في سوريا تحضيرًا للمواجهة مع إسرائيل. كما من المحتمل أن تكثيف الهجمات على المطارات العسكرية في سوريا هو للحيلولة دون استقرار منظومات الدفاع الجوي الإيرانية 15خرداد وغيرها والتي من المحتمل أن تنقلها طهران إلى سوريا بريًّا عبر الحدود العراقية أو جويًّا عبر الطيران المدني الذي يصل طهران بدمشق.

الإستراتيجيات العسكرية الإيرانية والإسرائيلية

في الواقع، يثير تكثيف الهجمات على المطارات والقواعد العسكرية في سوريا العديد من التساؤلات حول إمكانية تغير العقيدة الدفاعية والهجومية لكل من إسرائيل وإيران. تعتبر إيران، سوريا بُعدًا إستراتيجيًّا لأمنها القومي، وقد ذهبت بعيدًا في الدفاع عن عقيدة التدخل في سوريا بحيث قال مهدي طائب، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي كان يرأس مقر عمار الإستراتيجي في العام 2013، بأنه إذا حدث هجوم عسكري على سوريا وخوزستان، فإن أولويتنا ستكون الدفاع عن سوريا(3).

خلال 12 عامًا من التدخل في سوريا، أوجدت إيران شبكة مهمة من الممرات البرية والجوية لتقوية التجهيزات العسكرية لكل من سوريا وحزب الله والفصائل الفلسطينية. أهم هذه الممرات كان ممر دير الزور في الشمال الشرقي السوري وهو الممر الذي أوجدته إيران لإيصال المعدات العسكرية الثقيلة عبر العراق إلى سوريا. وهناك الممر الجوي الذي استخدم الطيران المدني لنقل الجنود والضباط وبعض الأسلحة الخفيفة إلى سوريا. منذ الثلث الأخير من العام 2022 وبداية العام 2023 دفعت الأحداث الداخلية والحركة الاحتجاجية، إيران لإبطاء أنشطتها العسكرية في سوريا. السيطرة على الأوضاع الداخلية في إيران دفعت القادة العسكريين إلى معاودة النشاط العسكري في سوريا ولكن بوتيرة أشد هذه المرة؛ إذ بدأت طهران تتحدث عن ضرورة تطوير أنظمة الدفاع الجوي السورية لمواجهة الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

تمتلك إيران مجموعة واسعة من منظومات الدفاع الجوي، وأهم هذه المنظومات منظومة “باور 373” ومنظومة “15 خرداد”. تم تطوير منظومة باور ليصل مداها إلى 300 كيلومتر بينما يبلغ مدى “15 خرداد” 150 كيلومترًا. يمكن لنظام 15 خرداد تحديد أهداف مثل الطائرات المقاتلة وطائرات بدون طيار المهاجمة في نطاق 150 كيلومترًا وتتبعها حتى مدى 120 كيلومترًا، ولديه القدرة على تحديد أهداف التخفي ضمن مدى 85 كيلومترًا والاشتباك معها وتدميرها. نظام الدفاع الجوي “15 خرداد” قادر على تحديد وتتبع وتدمير 6 أهداف في نفس الوقت.

أما عن الأسباب التي من الممكن أن تدفع طهران لتحويل هذه المنظومة الدفاعية للحكومة السورية فهي أسباب متعددة، أولها وأهمها: أن إسرائيل باستهدافها المطارات المدنية السورية تجاوزت كل الخطوط الحمراء في قواعد الاشتباك الإيرانية-الإسرائيلية. استهداف المطارات يعيق عملية نقل الأسلحة إلى سورية والاستهداف الأخير الذي حدث في كفر سوسة أثار مخاوف إيرانية من استهداف القيادات الإيرانية العليا العاملة في سوريا.

ثانيًا: يبدو أن الروس تحفظوا في السابق على استخدام السوريين لمنظومة الدفاع الجوي إس 300 ضد الطائرات الإسرائيلية، ولكن رويترز تحدثت عن نقل الروس لهذه المنظومة من مصياف السورية إلى ميناء روسي بالقرب من شبه جزيرة القرم في أغسطس/آب 2022(4)، ولذلك يأتي تسليم هذه المنظومة الإيرانية بديلًا مؤقتًا.

ثالثًا: منظومة 15خرداد منظومة دفاع جوي تستهدف الطائرات المقاتلة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة ولذلك تسليم هذه المنظومة يهدف لمنع الطائرات الإسرائيلية من دخول الأجواء السورية. بالإضافة إلى ذلك فإن المنظومة فاعلة حتى إذا قررت إسرائيل ضرب أهداف في سوريا من الأجواء اللبنانية أو من خلال صواريخ بالستية.

رابعًا: منذ تدخُّل إيران في سوريا في 2011 أو 2012 فإن الإستراتيجية الإيرانية كانت تعزيز القواعد العسكرية الإيرانية هناك لتكون عامل ردع لاستهداف الداخل الإيراني؛ فطهران تنظر إلى سوريا كعمق إستراتيجي لها ولذلك ولتعدد الضربات الإسرائيلية أصبح من المهم تزويد سوريا بمنظومة دفاع جوي قادرة على ردع إسرائيل.

خامسًا: علينا أن نراقب بعناية المناورات الأميركية-الإسرائيلية المشتركة المسماة “Juniper Oak 23” والتي اختتمت في 27 يناير/كانون الثاني 2023، وهي أكبر مناورات مشتركة في تاريخ إسرائيل والولايات المتحدة ويبدو أنها تحاكي حربًا كلاسيكية مع إيران. وكذلك تجب الإشارة إلى طلب إسرائيل من الولايات المتحدة تسليمها طائرات “إف 15 إي إكس” الأكثر تطورًا وهي قادرة على حمل قنابل بشكل أكبر من طائرات إف 35 وذلك لاستهداف المواقع النووية الإيرانية، ويبدو أن تسليم هذه الطائرات سوف يتم في 2028. على الطرف المقابل، فإن هناك حديثًا عن محاولة طهران شراء طائرات روسية من طراز سوخوي 35، وقد أنشأت لهذه الطائرات مخبأ تحت الأرض يسمى “عقاب 44” كشفت عنه قبل أيام. لذلك فإن إيران بتسليحها لسوريا ونقلها لطائرات مسيرة إلى حزب الله تحاول خلق معادلة ردع متعددة الأطراف (سوريا-لبنان-فلسطين) لمنع أي عمليات مستقبلية تستهدف أراضيها بشكل مباشر(5).

منذ الحرب العراقية-الإيرانية والتي استمرت لثماني سنوات، تبنت طهران إستراتيجيات عسكرية مركبة ومتعددة أهمها إستراتيجية الحروب غير المتكافئة وذلك لأن أسطولها الجوي متهالك ويعتمد على الطائرات الأميركية ذات النسل القديم من طراز إف 5 والتي ورثتها طهران عن نظام الشاه. تقوم الإستراتيجية الإيرانية أولًا على نقل ساحات المعركة مع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى خارج الأراضي الإيرانية وهو ما يطلق عليه اسم “الدفاع المتقدم”، ولذلك، دعمت إيران حزب الله ذراعًا متقدمة لإيران في لبنان لمواجهة إسرائيل واستغلت إيران احتلال العراق لدعم حكومة شيعية هناك ومن ثم عملت على الدخول إلى سوريا.

كما تقوم إستراتيجية الدفاع الإيرانية على تجنب المواجهة المباشرة واعتماد أسلوب الحروب غير المتكافئة؛ ولذلك تتسم صفة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وبين إيران وإسرائيل باعتماد حروب الظل، ولتحقيق هذه الإستراتيجية تفادت طهران المواجهات المباشرة بجميع أنواعها خصوصًا في أفغانستان بعد أن قامت حركة طالبان بالهجوم على القنصلية الإيرانية في مزار شريف؛ حيث رفض علي خامنئي بشكل قاطع شن هجوم عسكري في أفغانستان تفاديًا للحروب الكلاسيكية، وكذلك فعل المرشد، علي خامنئي، عند اغتيال قاسم سليماني على يد إدارة ترامب حيث رجَّح تحقيق الهدف الأبعد وهو إخراج القوات الأميركية من المنطقة على الهدف الأقرب وهو الانتقام(6).

بينما تعتمد طهران هذه الإستراتيجيات المعقدة تتخذ إسرائيل إستراتيجية قطع أيدي الأخطبوط، أي إنها تقوم بتوجيه الضربات لأذرع إيران في المنطقة وتتفادى ضرب رأس الأخطبوط للتكاليف الباهظة لهذا الهجوم. تتخذ إسرائيل من سوريا منطقة عمليات مهمة لها وذلك لأن هذه المنطقة هي الممر البري الأهم في تهريب الأسلحة إلى حزب الله كما أنها تحاول عرقلة مشاريع طهران في خلق قواعد متقدمة على الحدود القريبة من إسرائيل، ونتيجة لتكثيف طهران نشاطها العسكري في سوريا من خلال تطوير المنظومات الصاروخية أرض-أرض ومن خلال تطوير منظومات الدفاع الجوي السورية وبناء مصانع لتصنيع الطائرات الإيرانية المسيرة على الأراضي السورية، فإن إسرائيل تكثف من هجماتها هناك لعرقلة هذا المشروع.

غياب الوسيط الروسي

شكَّل التحالف الثلاثي، الروسي والإيراني والسوري، جبهة موحدة ضد المعارضة والجماعات المسلحة السورية منذ العام 2015، وذلك بعد أن خسرت الحكومة السورية أجزاء كبيرة من الأراضي وكذلك بعد أن تقدمت قوات المعارضة في ريف دمشق بشكل غير مسبوق باتجاه العاصمة. هذا التحالف استطاع من خلال القوة الجوية الروسية ومن خلال القوى البرية السورية-الإيرانية السيطرة على مساحات واسعة من سوريا وانحصرت الأراضي التي تقع خارج السيطرة على مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي ومناطق محدودة للغاية في جنوب سوريا على الحدود الأردنية. عملت روسيا خلال هذه الفترة على إحداث توازن في العلاقة بين إيران وإسرائيل، فقد أسهمت في مراقبة النفوذ الإيراني في سوريا ومنعت إسرائيل في بعض الأحيان من ضرب المقرات الإيرانية لتفادي الخسائر البشرية.

ولكن، ومع بداية الأزمة الأوكرانية وامتداد هذه الحرب لأشهر، اضطرت روسيا إلى إخلاء بعض قواعدها العسكرية في سوريا. وبحسب صحيفة موسكو تايمز، فإن روسيا قامت بإخلاء العديد من القواعد العسكرية الروسية في كل من درعا وحمص واللاذقية وبعض المناطق في الشمال السوري وتسليمها إلى الحرس الثوري الإيراني لسد الفراغ هناك.

وبعيدًا عن الجبهة السورية، فقد كانت الأزمة الأوكرانية بوابة مهمة لانفتاح عسكري روسي-إيراني غير مسبوق. بحيث سعت روسيا إلى شراء طائرات مسيرة إيرانية من طراز شاهد 131 و136 ومهاجر 6 لاستخدامها في الحرب الأوكرانية. كما سعت موسكو لشراء منظومات صاروخية بالستية من طهران. لقد كانت الأزمة الأوكرانية نقطة تحول في العلاقات الروسية-الإيرانية من حيث دفع العلاقات نحو الشراكة العسكرية الإستراتيجية (وليس التحالف الإستراتيجي وذلك لفقدان مقوماته)؛ وبذلك شهدت سوريا تنسيقًا أوسع بين الإيرانيين والروس.

هذا المستوى من التنسيق، وتركيز روسيا لجهودها وقواتها العسكرية واللوجستية في الحرب الأوكرانية منح إيران قدرة أوسع على توسيع النشاطات العسكرية متمثلة بمحاولة تطوير البرنامج الصاروخي السوري وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة وتهريب الأسلحة إلى حزب الله، وهذا جميعه ما دفع إلى زيادة الضربات الإسرائيلية ضد المواقع التي توجد فيها القوات الإيرانية.

يتحدث كذلك حميد رضا عزيزي عن تغير في قنوات الاتصال غير المباشر بين إسرائيل وإيران؛ حيث يقول: إن التواصل غير المباشر بين الطرفين ليس بالأمر الجديد وذلك لأن إسرائيل تستهدف ضرب التجهيزات العسكرية وليس إلحاق خسائر بشرية في صفوف الإيرانيين يمكن أن تؤدي لمواجهة أوسع. ويتابع عزيزي بأن روسيا كانت تلعب هذا الدور فيما قبل هجوم 19 فبراير/شباط الماضي والذي استهدف منطقة كفر سوسة، ويبدو أن عمليات الإنذار المبكر جاءت هذه المرة عبر المخابرات الغربية وعبر القنوات العراقية بدلًا من الروس(7).

خاتمة

كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على سوريا بشكل غير مسبوق، ويعود هذا التوتر بشكل مباشر إلى زيادة النشاط العسكري الإيراني في سوريا ورغبة إسرائيل بتصفية هذا النشاط. تستهدف إسرائيل المطارات والقواعد العسكرية السورية التي توجد فيها قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات فيلق القدس ويبدو أن الهجمات الأخيرة هدفت إلى عرقلة مشاريع تطوير أنظمة الدفاع الجوي والرادارات السورية وتدمير مصانع تطوير وتصنيع المسيرات الإيرانية بهدف تهريبها إلى حزب الله في لبنان.

منذ انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية والتي دامت لثماني سنوات، تقوم الإستراتيجية العسكرية الإيرانية على خمسة أركان هي: 1) نقل المعركة إلى خارج الأراضي الإيرانية. 2) تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. 3) إبعاد الخطر الإستراتيجي الإسرائيلي عن الحدود القريبة لإيران من خلال عملية حوار مع دول الخليج (الإمارات والسعودية) ومن خلال التهديدات المباشرة لأذربيجان. 4) اعتماد سوريا قاعدة متقدمة لإيران في مواجهة إسرائيل ورفع تكلفة شن هجمات مباشرة ضد الأراضي الإيرانية من خلال تقوية الحلفاء وتسليحهم بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.

ومع تراجع الوجود الروسي في سوريا وارتفاع حدة الخلافات بين روسيا وإسرائيل حول الأزمة الأوكرانية، ازداد النشاط العسكري الإيراني بشكل واسع في سوريا؛ حيث تتحرك طهران لبناء مصانع لإنتاج المسيرات وتحويل بعض المطارات العسكرية السورية إلى ورش لتطوير أنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي السوري، كما تحضِّر إيران نفسها لنقل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة من طراز 15 خرداد لمواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة ولتسهيل عملية نقل الأسلحة النوعية إلى حزب الله عبر الحدود اللبنانية-السورية.

على مدار أكثر من 12 عامًا من الرد والرد المتقابل سعى الطرفان إلى أن تكون الضربات مدروسة بحيث لا ينتج عنها خسائر بشرية تقود إلى مواجهات أوسع، وفي الحالات النادرة التي أسفرت العمليات الإسرائيلية عن مقتل قادة وضباط في صفوف القوات الإيرانية (كما حدث خلال استهداف إسرائيل لمطار الضبعة السوري والذي راح ضحيته جنديان إيرانيان في مايو/أيار 2021)، ردَّت طهران بطريقة مشابهة واستهدفت إلحاق خسائر بشرية إسرائيلية تمامًا كما فعلت عندما استهدفت سفينة “ميرسرستريت” عبر طائرة مسيرة استهدفت مقدمة السفينة وراح ضحية هذا الهجوم اثنان من طاقم السفينة قبالة سواحل عمان.

يبدو أن الصواريخ التي تم إطلاقها من الجنوب اللبناني باتجاه إسرائيل قد حسمت هذه المرحلة من المواجهة خصوصًا أن الرد الإسرائيلي جاء محدودًا ولم يخلِّف خسائر بشرية في قطاع غزة أو جنوب لبنان وقد أظهر في الوقت ذاته عدم جهوزية إسرائيل لخوض مواجهة طويلة الأمد مع إيران وحلفائها كما أظهرت تزعزعًا في معادلة الردع الإسرائيلية، ولكن إذا ما استمرت إسرائيل بضرب القواعد الإيرانية والمطارات السورية فسيناريوهات المواجهة والردود المستقبلية ستنحصر بما يلي:

السيناريو الأول: استهداف القوات الأميركية الموجودة في الشمال الشرقي لسوريا وهذا سيؤكد على الإستراتيجية الإيرانية المستمرة في عملية إخراج القوات الأميركية من الأراضي السورية.

السيناريو الثاني: استهداف إسرائيل بصورة مباشرة عبر المسيرات أو عبر صواريخ بالستية سواء من الأراضي السورية أو الأراضي اللبنانية عبر حزب الله.

السيناريو الثالث: استهداف السفن التجارية وناقلات النفط المملوكة لتجار أو شركات إسرائيلية.

ختامًا، يبدو أن عمليات التصعيد والتصعيد المقابل لن تهدأ أبدًا وذلك لأن الطرفين يتحضران للمعركة الكبرى وهي المواجهة المباشرة وهذا ما يقودنا إلى توقع ضربات جديدة في الساحة السورية والتي من المحتمل أن تنقل مستوى المواجهة إلى حرب مباشرة وكلاسيكية.

 

مراجع

1- Suleiman Al-Khalidi, Syria says Israel hits Homs outposts, sources say air bases bombed, Reuters, 1/4/2023 (accessed: April 10, 2023): https://bit.ly/3NfzbXY

Hossein Aghaie, Twitter, April 2, 2023 (accessed: April 12, 2023): https://bit.ly/3LAenZQ

 2- اعلام جزئیاتی از توافقات نظامی تهران و دمشق / فروش تجهیزات پدافندی و استقرار سامانه ۱۵ خرداد در سوریه (الإعلان عن تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين طهران ودمشق / بيع معدات دفاعية ونشر منظومة خرداد 15 في سوريا)، وكالة انتخاب، 24 يناير/كانون الثاني 2022 (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2023): https://bit.ly/3LAmo14

3- طائب: اگر بخواهند سوریه یا خوزستان را بگیرند، حفظ سوریه اولویت دارد (طائب: إذا كانوا يريدون الاستيلاء على سوريا أو خوزستان ، فإن الحفاظ على سوريا أولوية)، دنيايى اقتصاد، 16 فبراير/شباط 2013 (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2023): https://bit.ly/40KrImL

4- Reuters, Russia ships S-300 air defence missiles out of Syria, August 29, 2022 (accessed: April 18, 2023): https://bit.ly/3oS8ApT

5- تعليق الباحث لموقع قناة الحرة، ضياء عودة، معادلة “الردع” الجديدة.. هل إيران جادة في تسليم “خرداد 15” إلى سوريا؟، 28 فبراير/شباط 2023 (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2023): https://bit.ly/3nciz8N

6- محمود البازي، الملف النووي الإيراني: بين إعادة الإحياء والتحضر للانهيار، مركز الجزيرة للدراسات، 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2023): https://bit.ly/3ouY0Rw

7- حميد رضا عزيزي، لماذا لم تعد روسيا تعمل على وقف التصعيد بين إيران وإسرائيل في سوريا؟، أمواج ميديا، 9 مارس/آذار 2023 (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2023): https://bit.ly/3AyGgey

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز دراسات الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + خمسة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى