5 سنوات على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني.. هل بات إحياؤه مستحيلاً؟

لا يزال ملف برنامج إيران النووي يشكل إحدى القضايا الشائكة على الصعيد الدولي في إطار الجهود التي تبذلها القوى الرئيسة لحظر الانتشار النووي.

ميدل ايست نيوز: لا يزال ملف برنامج إيران النووي يشكل إحدى القضايا الشائكة على الصعيد الدولي في إطار الجهود التي تبذلها القوى الرئيسة لحظر الانتشار النووي، حيث يمر هذا الملف بإشارات كثيرة تؤكد تعثر أي مفاوضات لاستئناف مفاوضات حوله بعد انسحاب واشنطن منه عام 2018.

ومع مرور 8 سنوات على الاتفاق الشهير الموقع عليه في يوليو عام 2015، و5 سنوات على انسحاب الرئيس الأمريكي من الاتفاق، ثمة مؤشرات تزيد من التشاؤم من إمكانية التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق بعدما توقفت المحادثات التي جرت خلال العام الماضي والتي كانت تهدف لإحياء الملف النووي.

وعلى الجانب الآخر تسير إيران بشكل متسارع في تطوير برنامجها النووي ووصلت خلال الشهور الماضية إلى مستويات قياسية في درجة تخصيب اليورانيوم وكمياته، فهل أصبحت فرص إحياء الملف النووي الإيراني محدودة، أم هناك آمال بإعادة إحيائه مجدداً؟

اتهامات متبادلة

وتبادلت كل من إيران والولايات المتحدة الأمريكية الاتهامات بعرقلة المفاوضات والمماطلة، حيث أكدت إيران (8 مايو 2023) أن إحياء الاتفاق بشأن برنامجها النووي يبقى ممكناً، محملة الدول الغربية -خاصة الولايات المتحدة- مسؤولية التأخر في ذلك.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن إحياء الاتفاق “ممكن تقنياً ودبلوماسياً”، مضيفاً: “من هذا المنطلق، فإن المفاوضات بين إيران وباقي أطراف الاتفاق النووي قد أجريت وتم التوصل إلى اتفاقيات جيدة”، لكن “الأطراف الأخرى -لا سيما الإدارة الأمريكية- تأخرت في هذا الصدد”.

وتابع: سياستنا هي ألا تتحول القضايا المتعلقة بأنشطة إيران النووية السلمية إلى عقبة أمام التعاون الثنائي مع وكالة الطاقة النووية، متابعاً: “إجراءاتنا تتم في إطار الخطة التي تم تحديدها”.

وترد واشنطن بالاتهامات أيضاً لطهران، حيث سبق أن قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن: “تؤمن بأن الطريق الدبلوماسي للمضي قدماً هو أفضل سبيل لتحقيق هذه النتيجة”.

كما قالت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، في أواخر فبراير الماضي، إن تقريراً للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن النشاط النووي الإيراني أظهر تباطؤ طهران في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية.

فورين بوليسي: خطة العمل الشاملة المشتركة لا زالت الخيار الأفضل لمراقبة نشاط إيران النووي

فشل مفاوضات 2021 – 2022

كان الجميع يأمل في أن تمضي التفاهمات الإيرانية الدولية إلى إعادة تفعيل الاتفاق النووي، فبعد محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن استمرت 16 شهراً، قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (سبتمبر 2022): “إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود”.

ومع الحرب الروسية على أوكرانيا واصطفاف طهران إلى جانب موسكو ومدها بالمسيرات (وربما أيضاً بالصواريخ الباليستية) غاب الملف. وجعل اهتمام الوكالة والغربيين بمصير محطة زابوريجيا النووية الأوكرانية جعل الملف الإيراني يتراجع منذ ذلك الحين.

ورغم إعلان أمريكا، على لسان رئيسها بايدن، أواخر أبريل الماضي فشل أي تقارب بهذا الملف، لا يزال يرى البعض أن العودة للمفاوضات قائمة، لكن لا يمكن أن تكون في المدى القريب والمتوسط، وأن ما يحدث قد يكون مراوغة أمريكية إيرانية لرفع سقف المطالب من كل طلب.

وفي حالة لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب في هذا الجانب، فمن المرجح أن تصبح العلاقة بين إيران والغرب “أكثر توتراً”، خصوصاً مع لجوء واشنطن لتشديد العقوبات السارية، إما بسبب المحادثات النووية التي لم يتم حلها أو بسبب رد الفعل العنيف على الاحتجاجات التي ضربت طهران مؤخراً، وكذا بسبب التوترات في المنطقة، خصوصاً في مياه الخليج.

الاتفاق النووي الإيراني

في يوليو 2015 وبعد مفاوضات ماراثونية دامت 18 شهراً وقع ممثلو مجموعة “5+1” المكونة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا) في لوزان بسويسرا على اتفاق نووي مع إيران من 159 صفحة عرف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة” “جيه سي بي أو إيه” (JCPOA).

وافقت إيران بموجب الاتفاق على قبول القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتخزينه، وإغلاق أو تعديل منشآت في عدة مواقع نووية، والسماح بزيارات المفتشين الدوليين لها.

في المقابل، ترفَع العقوبات المالية والاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من المؤسسات الدولية على شركات وهيئات إيرانية منذ أكثر من عقد.

دخل الاتفاق حيز التنفيذ مطلع عام 2016، إذ رفعت العديد من العقوبات المالية الدولية المفروضة على إيران، لكن الموقف ما لبث أن تدهور بنهاية عام 2017 مع انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية خلفاً للديمقراطي باراك أوباما، ففي 8 مايو 2018 انقلبت الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً على الاتفاق، وأعلن ترامب انسحاب بلاده منه، وأعاد فرض العقوبات على إيران.

ورداً على ذلك بدأت إيران بتخصيب اليورانيوم فوق المستويات المسموح بها بموجب الاتفاق، وقلصت تعاونها مع المفتشين الدوليين.

ولعل فشل المفاوضات الأخيرة بسبب مطالبة إيران برفع العقوبات الأمريكية عن الحرس الثوري الإيراني وشطبه من القائمة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية، وهو ما تتحفظ عليه واشنطن وترفضه دول حليفة لها، فيما تريد واشنطن الإبقاء على بعض العقوبات، مثل تلك المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان أو الإرهاب.

مؤشرات خطيرة

يقول مصطفى النعيمي، الباحث في الشأن الإيراني: إن “كل المؤشرات تدل على أنه من شبه المستحيل إعادة إحياء الاتفاق النووي وذلك بموجب التجاوزات العسكرية والأمنية الإيرانية في المنطقة، لا سيما أنها باتت تهدد دول الاتحاد الأوروبي”.

وأضاف: “وبناء عليه فحتماً هذا التصور سيجبر صانعي القرار في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على العودة إلى استخدام الضغوط القصوى ضد إيران، وذلك بعد مساهمتها المباشرة في تزويد الجيش الروسي بالصواريخ الباليستية قصيرة المدى من طراز (فاتح 110) إضافة إلى المسيرات (شاهد 136)”.

لكن في نفس الوقت يرى أن “ما يعطل إي إجراء تجاه وقف جماح مشروع إيران النووي أعتقد عدم توافق الدول المتضررة من تداعيات توجيه الضربة، وباعتقاد الساسة في البيت الأبيض أن العقوبات ستضعف مشروع إيران النووي بشكل كبير، وستلتفت إيران إلى معالجة أزماتها الداخلية الأمنية والاقتصادية، خاصة أن الاحتجاجات الداخلية قد شارفت على الانتهاء من العام الأول، وتداعياتها المحلية والإقليمية ما زالت ماثلة أمام المسؤولين الإيرانيين”.

ويعتقد النعيمي أن “إيران ستطلب من الولايات المتحدة إجراء مباحثات مجدداً، نظراً لعدم قدرتها على تحمل مزيد من العقوبات. وانعكاس اتفاقية بكين على مشروع نفوذها في المنطقة العربية أصبح ملاحظاً من خلال التهدئة النسبية الإعلامية والسياسية والعسكرية في مجالها الحيوي في اليمن بالمرحلة الأولى، ومن ثم في العراق، وستتبعها سوريا ولبنان. وعليه فإن إيران لم يعد لديها رفاهية الخيارات، والضغوط القصوى التي فرضتها الولايات المتحدة تؤتي أكلها في جميع مؤسسات الدولة الإيرانية”.

ولفت إلى أنه “رغم محاولات إيران إظهار معالم القوة من خلال تسويقها سلاح المسيرات (شاهد 136) في روسيا، ونجاعته في تحقيق تقدم للقوات الروسية في بعض الجبهات، فقد أصبحت طهران تبحث عن مخارج سياسية وعسكرية”.

ويشير إلى أن “القلق الأوروبي من تنامي تطوير إيران لبرنامجها النووي ينطلق من التأثيرات المباشرة من مشاركتها في الحرب الأوكرانية ومساندتها للجيش الروسي في حربه العبثية على الشعب الأوكراني، وما استخدام الصواريخ الباليستية والمسيرات الإيرانية، إلا بداية التصعيد المتدرج تجاه الاتحاد الأوروبي، وكذلك خروج إيران من المباحثات الثنائية مع الولايات المتحدة ومن بعدها مع المملكة المتحدة”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 15 =

زر الذهاب إلى الأعلى