الشروط وإيران وأمريكا.. عقبات في طريق التطبيع العربي السوري
مسار إعادة العلاقات العربية مع النظام السوري قد لا يأتي بنتائج إيجابية سريعة، ولا يتوقع أن يحدث فروقاً واضحة على أرض الواقع.
ميدل ايست نيوز: “مسار إعادة العلاقات العربية مع النظام السوري، وإن جاء كنتيجة حتمية لتطورات مسارات التقارب بين الجانبين على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنه قد لا يأتي بنتائج إيجابية سريعة، ولا يتوقع أن يحدث فروقاً واضحة على أرض الواقع”.
هكذا يخلص تحليل لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي يلفت إلى أنه من الصعب أن نجد حلولا سريعا فيما يتعلق بالتعامل الإيجابي السوري مع قضايا عودة اللاجئين، واستعادة المسار السياسي لحل الأزمة.
ويستشهد التحليل بذلك من خلال نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لسوريا للمرة الأولى بالتواكب مع مسارات إعادة العلاقات العربية السورية (اجتماع عمان التشاوري) والتي حملت مضامين مزدوجة من قبل النظام السوري، ومن قبل إيران في آن واحد.
ويقول التحليل: “بالنسبة للنظام السوري، بدا خلال الزيارة حرص رئيس النظام بشار الأسد على توضيح أن عودة بلاده للجامعة العربية والتعاون العربي المشترك لا يعنى أنها بصدد إعادة تقييم أو تقنين علاقتها بإيران باعتبارها علاقة استراتيجية، وإنما العودة العربية على العكس تجعله قادراً على أن يكون مدعوما بقوة إقليمية مزدوجة إيرانية وعربية”.
أما بالنسبة لإيران، حسب التحليل ذاته، فقد بدا واضحاً من الزيارة أنها وإن كانت ترحب بخطوة التقارب العربي مع دمشق، لكنها في الوقت نفسه لا تزال تعتبرها إحدى مرتكزات مشروعها الإقليمي بمعناه الواسع.
وكانت جامعة الدول العربية، أعلنت في 7 مايو/أيار، عن قرارها الرسمى بعودة سوريا لشغل مقعدها واستعادة عضويتها في كافة اجتماعات المجلس، واستئناف مشاركة الوفود السورية في جميع اجتماعات اللجان والمنظمات والأجهزة التابعة للجامعة.
هذه العودة، حسب التحليل جاءت كنتاج طبيعى لمسار من التفاعلات العربية مع النظام السورى، بدأ منذ عام 2018، على المستوى الثنائي تارة، ثم على مستوى آليات العمل الجماعية التي تزعمتها كل من مصر والأردن والعراق تارة أخرى، وصولاً إلى مرحلة حلحلة الخلافات الحادة في الرؤى ووجهات النظر بين السعودية والنظام السورى، بالنظر إلى طبيعة الارتباط السورى بإيران خلال السنوات الماضية، وما نتج عن هذا الارتباط من تأثيرات إقليمية.
يوضح التحليل أن “هذه الحلحلة نتجت عن مسارات التهدئة الإقليمية التى أعقبت إعلان السعودية وإيران عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما مؤخراً، على فرضية أن مرونة إقليمية عربية ترأسها السعودية، في مقابل أن إيران ربما تفتح مجالاً للتغيير على مستوى ملفات الأزمات العربية التي تنخرط فيها ومن بينها الأزمة السورية”.
ويتابع: “هذا التصور النابع من قناعة تولدت عبر سنوات من التفاعل العربي مع إيران بشأن سوريا، تقول بعدم واقعية كسر حالة التحالف الوثيق بين طهران ودمشق الذى ترسخ على مدار السنوات الماضية”.
قرار عودة سوريا للجامعة العربية، خضع لقاعدة “التوافق” بدلاً من قاعدة “الإجماع” في إشارة إلى استمرارية معارضة بعض الدول لهذه العودة، وهي معارضة لا تقف حائلاً بين العودة السورية للجامعة، لكنها بالطبع ستقف حائلاً أمام “تطبيع” العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية تطبيعاً كاملاً.
هذه الإشكالية تحديداً انعكست بوضوح فى مجريات اجتماع الجامعة الأخير، حيث لم يصوت وزراء الخارجية المجتمعون على القرار، وإنما تم الأخذ بقاعدة “التوافق” على قرار العودة مع احتفاظ الدول المعارضة للقرار بحق “توصيف” وربما “تصنيف” علاقتها مع سوريا وتعليقها على مدى استجابة النظام السورى للخطوة النوعية التى قدمتها الجامعة العربية له.
ومن هنا، والحديث للتحليل، جاء بيان الجامعة العربية حاملاً مضامين تقول إن العودة “مشروطة” بعدة متطلبات تقوم على مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”؛ وتمثلت في ضرورة اتخاذ الدولة السورية خطوات “تدريجية” تجاه حل الأزمة السياسية حلاً سلمياً، والتأكيد على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، وضرورة خروج القوات الأجنبية منها، وكذلك المليشيات والفصائل المسلحة والإرهابية.
كما تضمن البيان، التأكيد على إطلاق “دور عربي قيادي” جديد يهدف إلى الانخراط في جهود البحث عن حل سياسي للأزمة السورية بالاستناد لقرارات المرجعيات الدولية في هذا الشأن، وكذلك استعادة مسار مفاوضات اللجنة الدستورية السورية المشتركة، مقابل أن تتعهد الدول العربية بالعمل على مستوى تكثيف الاتصالات الدولية بهدف تخفيف العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة على دمشق بصورة تدريجية، لاسيما المتعلقة بقطاع المصارف والنشاط الاقتصادى فى مجمله.
وطالب البيان كذلك تحمل الدولة السورية مسئوليتها في ضبط أمن حدودها مع دول الجوار العربية لمنع تهريب المخدرات، فضلاً عن درء خطر الإرهاب وتحركات خلاياه عبر الحدود، وتقليص عبء اللجوء المستمر من قبل السوريين تجاه تلك الدول.
ويعلق التحليل على هذه المتطلبات بالقول: “يعبر البيان بمضامينه عن رغبة عربية في صياغة رؤية لحل الأزمة السورية سلمياً، وعبر خطوات متدرجة ونوعية، لكنها ستكون عملياً موقوفة على الخطوات المقابلة التي سينتهجها النظام السورى”.
ويضيف: “من ثم تكون عملية العودة السورية لجامعة الدول العربية، بداية لمسارات عمل متوالية، وليس نهاية لمرحلة محددة”.
ويتابع: “بناءً عليه يبدو المناخ العربى مهيئاً في المرحلة الحالية لاستقبال سياسات سورية تتفاعل مع متطلبات البيان التي يصنفها البعض بـ(الشروط) اللازمة لاستمرارية بقاء مسار التطبيع العربي مع سوريا في حالة تفاعل ايجابي”.
وينتقل التحليل إلى موقف روسيا وأمريكا من هذا التقارب العربي السوري، فيقول إن روسيا رحبت بالعودة، وهو موقف يتسق مع سياستها الداعمة لنظام الأسد، منذ عام 2015.
في المقابل، اعتبرت واشنطن أن دمشق “لا تستحق” أن تحظى بإعادة العلاقات العربية معها، وفقاً للتطورات التي شهدها مسار التقارب العربي السوري الذي أخذ في التصاعد منذ عام 2018، معتبرة أن هذا التقارب يمثل “انتصاراً” معنوياً للنظام السورى، في ظل غياب أي تقدم فعلي من جانبه تجاه حل الأزمة السورية”.
لكنها في الوقت نفسه لن تعارض خطوة الشركاء العرب وتتفهمها، ولن تتجه إلى تقيمها إلا في حالة أن تسفر عن نتائج إيجابية لاسيما فيما يتعلق بتحسين الظروف الإنسانية، وتدشين رؤية سلمية لحل الأزمة مع المعارضة السياسية.
وهنا يتساءل التحليل عما سيكون انعكاس هذا الاعتراض الأمريكي على علاقات الولايات المتحدة بالشركاء العرب؟.
قبل أن يختتم التحليل بسؤال آخر: “هل فعلياً يستطيع النظام السورى النجاح في توظيف الآليتين العربية والإيرانية توظيفاً إيجابياً لصالحه في مواجهة الغرب والولايات المتحدة، أم لا؟”، قبل أن أن يحيل الإجابة إلى “ما ستسفر عنه تطورات المرحلة المقبلة من أحداث على مسار الأزمة السورية، ومسار التطبيع العربى مع دمشق”.