ماذا يعني فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية بالنسبة لإيران؟
يترقب العالم بأسره تبعات فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات القادمة بالنسبة للعديد من الدول، بما في ذلك إيران.

ميدل ايست نيوز: يترقب العالم بأسره تبعات فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات القادمة بالنسبة للعديد من الدول، بما في ذلك إيران.
يُعد انتصار أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية الأحد 28 مايو 2023، تطورًا من المرجح أن يكون له تداعيات بعيدة المدى في المنطقة، خاصة بالنسبة لإيران. فمن المتوقع أن يكون لتوليه ولاية ثالثة تأثير كبير على العلاقات المعقدة والمتقلبة بالفعل بين بلاده وطهران.
من المعروف أن تركيا وإيران لديهما علاقات متقلبة بعض الشيء بين التعاون والتوتر حسب ما تظهر الخريطة السياسية والاقتصادية للبلدين، ولكنهما يحترمان بعضهما البعض كدولتين إسلاميتين. لكن هل فوز أردوغان في انتخابات 2023 قد يؤدي إلى تغيير في هذه العلاقات، خاصة إذا ما استمرت تركيا في دعم المعارضة السورية والتحالف مع الدول الغربية وتبني سياسة إنشاء السدود على نهر أراس ودعمها وتقربها المثير للشك من جارتها أذربيجان؟
تقلب بين التعاون والتوتر
أولاً، من المهم الاعتراف بأن إيران وتركيا لديهما تاريخ من العلاقات المتوترة، التي خفّت حدتها في الآونة الأخيرة خصوصاً بعد ما بدأت ملامح نظام جديد تلوح في الأفق بمنطقة الشرق الأوسط، وتقارب في العلاقات بين معظم القوى المتصارعة في المنطقة.
بطبيعة الحال، على الرغم من الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة بين أنقرة وطهران، فقد اختلف البلدان حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك دعمهما للأطراف المتعارضة في الصراع السوري، ومقارباتهما المختلفة تجاه القضية الكردية، وتنافسهما على النفوذ الإقليمي وقضية إنشاء السدود على نهر أراس المشترك التي تنذر بأزمة جفاف في شمال غرب إيران وأخيرا وليس آخرا ملف أذربيجان والعديد من الملفات الاقتصادية والسياسية الأخرى، بالتالي، من المرجح أن يؤدي انتصار أردوغان إلى تفاقم هذه التوترات، لا سيما بالنظر إلى التطورات الإقليمية الأخيرة في المنطقة حيال إيران.
على الضفة الأخرى، تركت الصفقة السعودية الإيرانية الأخيرة، التي توسطت فيها الصين، تخوف تركيا من التحولات المحتملة في ميزان القوى الإقليمي، والآثار الاقتصادية، والتوترات الطائفية المتزايدة، ووسط هذه المخاوف تأتي الانتخابات الرئاسية التركية، لتواجه أنقرة تحدي تعديل سياستها الخارجية للحفاظ على نفوذها في مشهد الشرق الأوسط المتطور.
وبصفتها لاعبًا إقليميًا رئيسيًا، تراقب تركيا بعناية التطورات الجارية بين إيران والسعودية في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على نفوذها وحماية مصالحها في المنطقة.
ملف المياه
وعلى الساحة المائية، دخلت تركيا وإيران في خلاف حول عدد لا يحصى من القضايا في السنوات الأخيرة، من حروب النفوذ في سوريا والعراق إلى اللاجئين ومحاربة الإرهاب. ومع ذلك، فإن مشكلة المياه جاءت في المقام الأول. وهي تنطوي على إمكانية تصعيد العلاقات الثنائية وتوتيرها.
مراد دلالت، استاذ جامعي وعضو الجمعية المائية الإيرانية، قال منذ أيام قليلة إن تركيا تثير قلق إيران تجاه حوضي أراس ودجلة والفرات. إذ أحدث مشروع “جاب” في حوض دجلة والفرات العديد من المشاكل البيئية في العراق وسوريا. مؤكداً أن تركيا ليست عضوًا في أي اتفاقية دولية للمياه في العالم وترفض على الدوام الاستجابة لانتقادات الآخرين بحق سياستها المائية.
يضيف هذا الأستاذ الجامعي “في الوقت الذي تسبب فيه السدود التركية التي لا حصر لها على نهري دجلة والفرات أزمات جفاف وشح في المياه في العراق، تعمد وسائل إعلامها على فبركة أجواء تجعل العراقيين يلومون إيران على كارثة الجفاف في بلادهم وهو ما يخلق بدوره فجوات في العلاقات بين طهران وبغداد”.
وتشييد هذه السدود حسب دلالت، له تأثير مباشر على محافظة خوزستان الإيرانية، التي تزود إيران بالمياه والخبز، حيث عانت من عواصف ترابية وجعلت من احتمالية الهجرة المناخية لسكان خوزستان ممكنة، فضلاً عن مشروع “داب” الذي يستهدف بناء 90 إلى 120 سد على نهر أراس، حيث بدأت به تركيا بالفعل مع تشييد سد “كاراكورت، والذي أدى إلى تقليص نسبة إيران إلى 30% بعد أن كانت 50% في العاميين الماضيين.
ويلقي المسؤولون في حكومة أردوغان باللوم على نقص المياه في إيران في سوء إدارتها للموارد المائية، ويرون في اتهامات طهران تحويلًا لهدم المظالم المائية المتزايدة لسكانها. ويقولون إنه بفضل السدود على نهري أراس ودجلة، تمكنت تركيا من زيادة تدفقات المياه إلى مستويات أعلى من المعتاد في أوقات الجفاف، مؤكدين أن الادعاءات الاتهامية تقوض التعاون الثنائي.
مناوشات اقتصادية
واقتصادياً، كشف الرئيس التركي المنتهية ولايته خلال خطابه في ساحة الجمهورية في مقاطعة سيفاس عن نيته بإنشاء طريق حديدي إلى الصين أسماه بـ “طريق الحرير الحديدي” عبر أذربيجان مؤكداً على أهمية هذا الطريق الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم.
وأثار هذا التصريح موجة جدل صارخة لدى الأوساط الإيرانية بعد تجاهل أردوغان ذكر إيران خلافاً لخصمه قليجدار أوغلو الذي أكد خلال مقطع فيديو نشره على تويتر أنه يخطط لإنشاء طريق سريع من تركيا إلى الصين، يعبر من إيران ودول أخرى مثل تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان، مؤكداً على تجاوز أذربيجان وعدم إشراكها في هذا المشروع وذلك لتوحيد الدول الناطقة بالتركية.
عبدالرضا فرجي راد، أستاذ جامعي في الجغرافيا السياسية، يقول إن تركيا تبحث عن مصالحها الخاصة سياسياً، فأذربيجان بلد غني وصاحب نفوذ إقليمي. وفي الوقت الحاضر، ومع ارتفاع سعر النفط وكثرة مبيعات النفط، يمكن أن يكون ممر نفطي مواتٍ. وبهذا، لن تتخلى تركيا أبدًا عن أذربيجان مقابل أي منفعة مادية، مع العلم أن كل من الطرفان يتعاون مع الآخر بعدة مجالات ذات عوائد مادية كبيرة.
خلاصة
وحول تبعات ورسائل انتخاب رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا، خاصة بالنسبة لإيران، قال رحمن قهرمان بور، أستاذ العلوم السياسية والخبير في الشؤون التركية: “من وجهة نظر السياسة الخارجية، فقد سعى أردوغان إلى توسيع دور تركيا ووجودها في المنطقة، وبالطبع حاول عسكرة مجال السياسة الخارجية والتدخل العسكري في سوريا والعراق فضلاً عن منطقة القوقاز والبحر الأبيض المتوسط. عموماً، أدت إجراءات أردوغان وحكومته إلى خلق تبعات سلبية على إيران وزيادة حدة المنافسة الإقليمية مع طهران”.
وعليه، قد يؤدي انتصار أردوغان إلى تعزيز موقفه محليًا، مما قد يزيد من تعقيد العلاقات مع إيران، لا سيما بعد أن شكّل تزايد استبداد تركيا وعدائها المتزايد تجاه جيرانها مصدر قلق لإيران، التي لطالما كانت قلقة من التوسع التركي، بالتالي، من المرجح أن يؤدي توطيد أردوغان للسلطة إلى تفاقم هذه المخاوف، مما يزيد من صعوبة تعاون البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك.
من ناحية أخرى، تواجه إيران حاليًا العديد من التحديات الداخلية والخارجية، بما في ذلك العقوبات الأمريكية الجديدة والتوترات مع الدول الخليجية. ومع ذلك، فإن العلاقات بين إيران وتركيا لا تزال قوية، وقد تستمر بالتحسن في المستقبل.
بشكل عام، فإن فوز أردوغان قد يؤدي إلى تغيير في العلاقات بين تركيا وإيران، ولكن لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بالتأثير الذي سيكون له على المنطقة بأكملها. ومن المهم أن تستمر الدول في العمل معًا لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة.
قد يعجبك