الأسباب السياسية وراء ارتفاع أسعار السيارات المنتجة في إيران
لم يعد الحديث عن قضية غلاء السيارات يفارق المشهد المحلي في إيران، فوجهات النظر والآراء لدى الأوساط الإيرانية تصب لجام غضبها بشكل يومي على الجهات المعنية بهذا القطاع.

ميدل ايست نيوز: لم يعد الحديث عن قضية غلاء السيارات يفارق المشهد المحلي في إيران، فوجهات النظر والآراء لدى الأوساط الإيرانية تصب لجام غضبها بشكل يومي على الجهات المعنية بهذا القطاع لا سيما في الفترة الأخيرة.
وبحسب صحيفة شرق، حظي ممثلو الهيئة التشريعية عشية الانتخابات البرلمانية في إيران بالنصيب الأكبر لوجهات النظر تلك، لكن المثير للدهشة أن تصريحات السادة هؤلاء لم تنص على دور الحكومة والبرلمان نفسه في زيادة أسعار السيارات سواء كانت مجمعة أم محلية الصنع، علماً أن باستطاعة قرارات هؤلاء الممثلين الأساسية والصحيحة، إضفاء روح جديدة على سوق السيارات المفجعة وتحقيق التوازن في سعر هذا المنتج.
هذا ويحاول بعض البرلمانيين وحتى رجال الدولة برمي الكرة في ملعب الصناعيين في هذا القطاع والتنصّل من المسؤولية من خلال إثارة قضايا ساذجة كمقارنة أسعار السيارات المماثلة في إيران والمنطقة، بل والفرار أيضاً من الاعتراف بدورهم المركزي تحت سقف البرلمان في خلق هذه الأزمة وتشعبها.
نصيب الدبلوماسية في غلاء السيارات
تظهر عملية حسابية بسيطة أن 35٪ على الأقل من تكلفة السيارة الواحدة تتأثر بشكل مباشر بقرارات الحكومة والبرلمان. فيما أدى عدم الاكتراث بإلغاء العقوبات الاقتصادية، والغموض والضبابية بشأن مستقبل الاتفاق النووي، وعدم حسم المفاوضات الدبلوماسية إلى زيادة تكاليف التبادل الدولي لمصنعي السيارات في إيران.
على سبيل المثال، قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، دخل تجار صناعة السيارات في مفاوضات مع أطراف أجنبية لتوريد قطع غيار السيارات وكانوا يدفعون حوالي 20٪ فقط من التكلفة ويسددون باقي المبلغ عند تسليم المنتج أو حتى بعد مرور بعض الوقت. لكن مع عودة العقوبات الاقتصادية، لم يعد الاعتماد المالي متوفراً كالسابق، ليتعين على الأطراف الإيرانية دفع التكاليف كاملة قبل بضعة أشهر من تسليم البضائع.
وعلى الضفة الأخرى، خلقت تقلبات أسعار العملات الأجنبية في إيران عقبة أمام المنتجين بشأن إعادة إمداد العملة لشراء السلع. فعلى سبيل المثال، يشتري المشترون قطعة ما من الخارج، فإذا استغرق الأمر 6 أشهر لإنتاج وبيع هذه القطعة، فلا يمكن تعويض الزيادة في سعر الصرف بسبب القفزات المتقلبة للعملات الأجنبية.
العقوبات تزيد التكلفة
شلّت العقوبات الغربية على إيران رغبة العديد من شركات التأمين والشحن في التعاون مع التجار والمنتجين الإيرانيين. وسلبت هذه المسألة قدرة الأطراف الإيرانية على إبرام عقود مع أكثر شركات التأمين أو النقل البحري فعالية من حيث التكلفة. بالتالي، يضطرون إلى التفاوض وشراء السلع من بين الشركات القليلة المتبقية في ظروف وصفت بالغير تنافسية. وفي الحساب الأكثر تفاؤلاً، زادت هذه العقبة ما نسبته 4% من أزمة غلاء السيارات.
وفي غضون ذلك، أدى امتثال الصين للعقوبات المفروضة على إيران بعدم السماح لها حتى في كونها شريكاً تجارياً لبكين بتحميل طلبيات الشركات الإيرانية في جميع موانئ هذا البلد.
كما أن حوالي 12٪ من السعر الذي يدفعه العملاء لشراء سيارة ما تصنّف من الحصة المباشرة لخزينة إيران، والتي يتم تحصيلها على شكل ضرائب ورسوم ترقيم ومصاريف أخرى متعلقة بشراء السيارة.
الضرر طويل الأمد الذي تسببه العقوبات
وعلى وقع هذه الأضرار، تفرض قرارات السياسيين في البلاد تكاليف خفية على صناعة السيارات الإيرانية، وهي أكثر صعوبة وتعقيداً من غيرها. فمثلاً، سيؤدي فرض العقوبات وإغلاق بوابات التكنولوجيا بوجه طهران إلى عدم تحديث خطوط الإنتاج الخاصة بهذه الصناعة وتخلفها عن العمليات العالمية.
وفي السياق الطبيعي، ستتاح لمصنعي قطع الغيار “في الظروف غير الخاضعة للعقوبات” فرص عديدة للتعاقد مع شركات أجنبية، ومع زيادة معدل تداول الإنتاج، سيكون من المربح له تحديث وتنمية خط الإنتاج. لكن في “ظل ظروف الحظر” تُنتزع فرصة الاتفاقات الدولية من صانعي السيارات وتحرمهم من المضي قدماً في هذا القطاع.
وتجعل هذه المسائل الأمور أكثر تعقيداً بالنسبة لمنتجي السيارات، واستمرارها بالطبع سينزع الطابع الاقتصادي من هذا القطاع بحيث يصل إلى مرحلة لا يمكن إصلاحها.
الأسواق غير التنافسية سبب للغلاء
على عكس الحقبة التي أنتجت فيها رينو وبيجو وبروتون وغيرها منتجاتها جنبًا إلى جنب مع “إيران خودرو” و”سايبا” و”بارس خودرو” و”بهمن”، فقد واجه المشترون حينها سلة متنوعة من المنتجات، وكانت هناك منافسة في الأسعار والخدمات بين مصنعي السيارات، فتقديم خطط مختلفة للتقسيط والمبيعات النقدية من شأنه أن يترك أيدي المشترين أحرارًا في اختيار المنتج.
لكن هذه الوتيرة لم تدم بسبب العقوبات، واليوم لا يمكن لأي شركة أجنبية أو غير صينية بيع منتجاتها رسميًا في البلاد. ما أدى إلى إيجاد سوق احتكار لا يمكنه حتى الاستجابة لطلبات السوق الإيراني. في هذا الجانب من القصة، تسببت هذه العقوبات والغموض بشأن الاتفاق النووي إلى زيادة تكاليف التبادل الدولي لمصنعي السيارات في إيران.
ما مدى دور السياسيين في ارتفاع تكلفة السيارات؟
لا شك أن الحل الجذري لأزمة السيارات في إيران تكمن في أيدي البرلمانيين وحكومة الرجال السياسيين، إذ يمكنهم إزالة العقبات التي تزيد من تكلفة الإنتاج عن طريق إزالة العقوبات والحواجز المصرفية.
بالطبع لا تستهدف هذه المسائل قطاع صناعة السيارات فحسب، بل جميع الصناعات واقتصاد البلاد بالكامل أيضاً. لذلك، بدلاً من المواقف والتصريحات العاطفية، من الأفضل اتخاذ إجراءات فعالة لتقليص دورهم في تأجيج أزمة السيارات.
واحتل قطاع تصنيع السيارات في إيران قائمة المنافسين في زيادة الأسعار خلال العام الجديد، في حين كثرت مساعي أعضاء مجلس المنافسة لإخراج شركات السيارات من حفرة الخسائر بعد التقارير المتكررة من قبل المصنعين وخصوصاً في مارس الفائت، بشأن قضية رفع الأسعار.
وتسبب حظر الاستيراد بارتفاع شديد في أسعار السيارات الأجنبية والمحلية في سوق إيران وتتطلع السلطات إلى خفض الأسعار باستيراد السيارات المستعلمة القليلة الكلفة نظراً لارتفاع سعر الدولار في أسواق إيران إلى حدود 500.000 ريال.