إدارة بايدن تراهن على سياسة كسب الوقت مع إيران
يتواتر الحديث في الإعلام الغربي والإسرائيلي، عن محادثات إيرانية - أميركية، تجري بطريقة غير مباشرة، أو حتى مباشرة، ومفاوضات جديدة، في محاولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.
ميدل ايست نيوز: يتواتر الحديث في الإعلام الغربي والإسرائيلي، عن محادثات إيرانية – أميركية، تجري بطريقة غير مباشرة، أو حتى مباشرة، ومفاوضات جديدة، في محاولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع بين طهران والدول الكبرى في عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018 بعهد الرئيس دونالد ترامب.
وتخرج تصريحات أميركية وإيرانية، لتؤكد عدم صحة أو دقة كلّ أو بعض هذه التسريبات أو التقارير، من دون أن تنفي أن خطوط التواصل بين البلدين، ليست مقطوعة بالكامل. ويقول الإيرانيون إنهم لم يغادروا مربع التفاوض، ويلقون باللوم على واشنطن في تعطيل الوصول إلى توافق، بينما يتمسكون بما يسّمونه خطوطهم الحمراء في أي اتفاق مستقبلي ممكن، وأهمها الحفاظ على البنية التحتية النووية التي جهدت إيران في بنائها منذ عقود.
خطوط حمراء لواشنطن وطهران
في مقابل ذلك، يواصل الإيرانيون تطوير عملية تخصيب اليورانيوم، بوتيرة متسارعة، لتصل بدورها إلى حدود “حمراء” بالنسبة للغرب، بينما لم تتوقف إسرائيل عن التصعيد في المنابر الرسمية وفي إعلامها، ملوّحة بأنها مستعدة لجميع السيناريوهات، ومنها العسكرية، للجم مساعي طهران النووية.
وحتى الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، والتي غالباً ما تشير إلى تفضيلها لغة الدبلوماسية في التعاطي مع المشكلة الإيرانية، تؤكد أن الخيار العسكري يبقى وارداً، وهو ما شدّد عليه حتى المفاوض الرئيسي مع إيران، روبرت مالي، الذي يعدّ من “الحمائم” في مسألة التعاطي مع المعضلة النووية الإيرانية، ومن أشدّ المتحمسين للوصول إلى اتفاق.
وبغض النظر عمّا يجري تسريبه من طاولات تفاوض مباشرة أو غير مباشرة، سواء عبر الوسيط العُماني، أو في نيويورك، أو غير ذلك، وهي قنوات من الممكن القول إنها موجودة دائماً في عرف الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن حراكاً مستجداً على هذا الخط، أعيد إحياؤه من دون شك.
وتشي بذلك، زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية الأسبوع الماضي، والتي جاءت في اليوم الذي أعادت فيه إيران افتتاح بعثاتها الدبلوماسية في المملكة بشكل رسمي، بعد قطيعة بين البلدين دامت سنوات. كما تسجّل زيارة لسلطان عمان هيثم بن طارق إلى إيران، نهاية شهر مايو/أيار الماضي، واتصالات فرنسية – إيرانية على أعلى مستوى.
أما في الإعلام الغربي، فتتراوح التقارير، بين الحديث عن محادثات مكثفة لإحياء الاتفاق النووي، أو التوصل إلى اتفاق مؤقت (نفت طهران ذلك)، ومنها لقاءات أجراها المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية روبرت مالي، مع السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة سعيد إيرواني. ولم تؤكد طهران أو واشنطن صحة لقاءات مالي وإيرواني، كما لم تنفها، علماً أن التسريبات غير المؤكدة حول لقاء الرجلين كانت خرجت مراراً في أوقات سابقة من مواقع إيرانية معارضة.
تصعيد أم انفراج في اتفاق إيران النووي؟
ويوم الإثنين الماضي، خرج مسؤول أميركي فضّل عدم الكشف عن اسمه، ليؤكد لوكالة “رويترز” أن واشنطن وطهران لا تجريان مناقشات بشأن اتفاق نووي مؤقت، إلا أن واشنطن أبلغت طهران بالخطوات التي قد تشعل أزمة وتلك التي قد تخلق مناخاً أفضل بين الجانبين. وجاء تعليق المسؤول ليؤكد النفي الذي صدر عن الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، ووصف تقريراً عن اقتراب البلدين من إبرام اتفاق مؤقت بأنه “كاذب ومضلل”.
ولم ينف المسؤول التقارير الإعلامية عن اتصالات أميركية إيرانية في الآونة الأخيرة، لكنه أوضح أن التكهنات بأنها تركز على اتفاق نووي مؤقت غير دقيقة. وتابع: “لقد أوضحنا لهم الخطوات التصعيدية التي يحتاجون إلى تجنبها حتى لا تحدث أزمة وما هي خطوات خفض التصعيد التي يمكن أن يتخذوها لخلق سياق أكثر إيجابية”. وأشار إلى أن واشنطن تود أن ترى المزيد من التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتنفي إيران أن يكون لديها طموح بالحصول على قنبلة نووية. ورغم أن المسؤول الأميركي رفض الخوض في تفاصيل، فقد بدا أن الرسائل الأميركية الأخيرة لإيران تهدف إلى الحد من الأضرار.
وكانت إيران قد أكدت الإثنين الماضي، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني، وجود مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بوساطة عُمانية، لكنها تمسكت بنفيها وجود أي مفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق مؤقت.
وحول المفاوضات غير المباشرة في مسقط بين كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني ومنسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض بريت ماكغورك، وكذلك مفاوضات نيويورك المباشرة بين مالي وإيرواني، قال كنعاني إن مفاوضات مسقط “لم تكن سرية، ونحن نجري مفاوضات غير مباشرة”، أما بالنسبة للقاءات الأخرى، فقال إن طهران “لا تعير اهتماماً للتكهنات الإعلامية”.
وكان لافتاً تشديد كنعاني على أن الاتفاق النووي “واحد من ملفات الدبلوماسية الإيرانية وليس كلها”، مشيراً إلى استمرار الجهود الدبلوماسية للإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج بفعل العقوبات الأميركية. وبشأن المفاوضات مع واشنطن حول تبادل السجناء، قال إن هذه المباحثات مستمرة عبر الوسطاء.
وبعد إعلان طهران يوم السبت الماضي الإفراج عن 3 مليارات دولار من مستحقاتها المجمدة في العراق بفعل العقوبات الأميركية، ارتفعت أيضاً وتيرة التكهنات بعودة الحرارة بقوة إلى المفاوضات الإيرانية – الأميركية غير المباشرة، وبأن إدارة بايدن تسعى للتوصل إلى اتفاق مع إيران، فيما يتزايد الخطر من تخطي إيران الكثير من الخطوط الحمراء بما يتعلق بطموحاتها النووية، في وقت لا تزال واشنطن منغمسة في عملية دعم أوكرانيا ومساعدتها لوقف الغزو الروسي.
واشنطن تتجنب وحول الحرب
ومن دون شك فإن واشنطن غير راغبة في الغرق بوحول جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي “وحول” لا يستدعيها فقط الجموح النووي الإيراني، بل التهديد والتحذير الإسرائيلي الدائم من حسم “عسكري”، ومن تنفيذ ضربات إسرائيلية ضد إيران، لوقف تقدمها النووي. ويشي الحراك الغربي المستجد تجاه طهران، وخصوصاً الأميركي، بأن واشنطن راغبة في استعادة قنوات التواصل بقوة، ومحاولة بناء “جسر ثقة”، قد يكون على شكل الإفراج عن الأموال لإيران المحتجزة في كوريا الجنوبية، مقابل الإفراج عن أميركيين مسجونين في إيران.
لكن وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين والإيرانيين، ينفون التقارير التي تتحدث عن مفاوضات لإبرام صفقة نووية جديدة، فإن لا حلّ عملياً غير الاتفاق، إذا ما أريد للدبلوماسية أن تغلب على الخيار العسكري، وهو بالتأكيد ما تفضّله واشنطن. إلا أن دون ذلك عوائق كثيرة، منها التعنت والضغط الإسرائيلي ضد أي صفقة لا تُفصل على قياس تل أبيب التي تفضل الخيار العسكري أو أقلّه، تكثيف العقوبات القاسية، فضلاً عن الجو العام في واشنطن المعيق لأي إمكانية للتوصل إلى اتفاق، مع هيمنة الجمهوريين على مجلس النواب، والأكثرية الضعيفة جداً التي يملكها الديمقراطيون في مجلس الشيوخ.
وكان من الممكن أن يكون الوضع مختلفاً لو تمكن حزب بايدن الديمقراطي من اكتساح الكونغرس في الانتخابات النصفية للكونغرس الخريف الماضي، والتي توقفت المفاوضات النووية بين إيران وواشنطن ضمن مسار فيينا قبلها بقليل. وفي ظلّ معركة رئاسية حامية تلوح في الأفق في الولايات المتحدة العام المقبل، وقد تكون بين بايدن وترامب، فإن ساكن البيت الأبيض الحالي لا يملك رفاهية المغامرة بالذهاب إلى اتفاق نووي مع إيران يُغضب الجمهوريين أو المترددين أو اللوبي الإسرائيلي، أو حتى المنادين بمعاقبة إيران لدعمها روسيا في حربها ضد أوكرانيا، بحسب الاتهامات الأميركية.
ويدرك بايدن جيداً محدودية خياراته وقدرته على المناورة داخلياً لإبرام صفقة مع إيران قد يطيح بها أي رئيس مقبل أو حتى الكونغرس. ونهاية الأسبوع الماضي، كانت لافتة دعوة 35 عضواً في الكونغرس الأميركي، من الحزبين، في رسالة، زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا (الموقعة على الاتفاق النووي)، لتنشيط العقوبات على إيران، مؤكدين أن “الاتفاق النووي مات ولا يمكن العودة إليه”.
ويريد هؤلاء النواب، وعلى رأسهم النائبة الجمهورية كلوديا تيني والديمقراطي جوش غوتهيمير، أن تفعّل الدول الأوروبية ما يعرف بـ”آلية الزناد”، الموجودة في الاتفاق النووي، والتي تؤكد على أنه إذا لم تتعاون إيران في المجالات التي تشكو منها الأطراف الأخرى، يكفي أن تحيل الدول هذا الأمر إلى مجلس الأمن وتطلب إعادة عقوبات الأمم المتحدة. وقال الموقعون إن الوقت ينفد وإنه يجب إفهام إيران بأن “لغة الابتزاز النووي” ستكون لها “عواقب وخيمة”.
ويبدو أن رمي الكرة في الملعب الأوروبي والبريطاني، هو أيضاً أحد خيارات صقور واشنطن، وقد يكون للإدارة الأميركية أيضاً رأي فيه، علماً أن باريس ولندن وبرلين لم تستخدم هذا السلاح سوى من باب التهويل فيه مع اقتراب كل اجتماع أو تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويأتي ذلك علماً أن العقوبات الهائلة التي أعادت أميركا فرضها على إيران، خلقت مشكلة كبيرة لهذا البلد، لكنها فشلت في وقف تسريع طهران لبرنامجها النووي، أو حتى بيع نفطها.
لكن “خطة ثالثة” أو “الخطة سي” (بين الخيار العسكري والاتفاق)، يقول تقرير لمجلة “فورين أفيرز” نشر في 9 يونيو/حزيران الحالي، إن إدارة بايدن قد تكون بصدد اعتمادها بعدما رأت أن إحياء الاتفاق النووي أصبح مهمة مستحيلة، لاسيما أنه منذ انسحاب أميركا من الاتفاق، فإن طهران لم تنقض فقط على التزاماتها النووية، بل قمعت دموياً الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية داخل إيران ودعمت روسيا بالمسيّرات، ما قضى على كل حماس لإعادة إحياء الاتفاق.
ورأى التقرير أن موقع إيران الجيوسياسي قد تحسّن حتى منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وهي اليوم أعادت العلاقات مع السعودية، وعزّزت علاقاتها بالصين وروسيا، “من دون أن تدفع أي ثمن” لأفعالها. وبرأي كاتبي التقرير، إيريك بروير وهنري هوم، فإن إدارة بايدن غير متحمسة أيضاً لما تنادي به إسرائيل، وهو تكثيف الضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية على إيران.
بدلاً من ذلك، بحسب “فورين أفيرز” فإن خيار واشنطن اليوم هو الذهاب إلى “الخطة سي”، وهي محاولة لتفادي أسوأ السيناريوهات من الجمود الحاصل، مع إبقاء الباب مفتوحاً لحلّ في وقت لاحق. وبرأي الكاتبين، فإن واشنطن تريد تجنب “القنبلة الإيرانية”، والتصعيد الخطير الذي قد يأتي مع تكثيف الضغط، وفتح الباب أمام حل دبلوماسي على أمل أن تصبح الشروط لإبرام اتفاق جديد ميسّرة أكثر مع الوقت.
وحذّر التقرير من أن “الخطة سي” هي مغامرة دونها كلفة باهظة لأن إيران ستواصل تطوير برنامجها النووي، فيما تواصل محاولة تخفيف العزلة عنها. وعوضاً من أن تمهد هذه الاستراتيجية لاتفاق جديد، فإنها تغامر بتكريس أن تصبح إيران دولة عتبة.
ودعا كاتبا التقرير الولايات المتحدة إلى مضاعفة جهودها لمنع إيران من اتخاذ الخطوات الضرورية في مسارها للحصول على السلاح النووي وتعقيد جهودها لفتح شرايين حياة اقتصادية وتطبيع وضعها النووي، وهي مقاربة يرى التقرير أن أفضل فرصة لمنع أسوأ السيناريوهات مع الإبقاء على إمكانية التوصل إلى أي نوع من الاتفاقات الدبلوماسية في الطريق.
لكن يوناتان توفال، الخبير في المعهد الإسرائيلي للسياسات الإقليمية، والكاتب في “هآرتس” وصحيفة “واشنطن بوست” ومجلة “نيوزويك” الأميركيتين، كان نقل في تغريدة على “تويتر” الأسبوع الماضي، عن مسؤول أميركي قال له إن البيت الأبيض “كان واضحاً بإفهام إسرائيل أن لا رابط بين تطبيع محتمل مع السعودية واتفاق نووي مع إيران”، وأن البيت الأبيض “يرى اتفاقاً نووياً مع إيران أكثر إلحاحاً (وقدرة على تنفيذه) من التطبيع”.
واعتبرت لورا روزين، على موقع “ديبلوماتيك” الأميركي في 8 يونيو، أن التسريبات هي “إسرائيلية وتهدف إلى عرقلة جهود واشنطن لمنع انزلاق الأزمة النووية مع إيران إلى وضع أصعب”.