الإجهاض في إيران: أزمة متجددة أم حق مشروع؟
لطالما أثارت قضية الإجهاض في إيران جدلاً كبيراً لدى الأوساط الإيرانية، التي تتضارب وجهات نظرها ومعتقداتها مع هذه المسألة.

ميدل ايست نيوز: مضى أقل من عامين على إصدار “قانون تجديد شباب السكان ودعم الأسرة” في إيران. خلال هذا الوقت، دعت ناشطات حقوق المرأة والعديد من الخبراء إلى مناهضة القرارات التي تقيّد استفادة النساء من بعض خدمات الرعاية الصحية الإنجابية. ورافق هذه المطالبات إصرار رسمي من قبل المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية على الاستمرار في برنامج تجديد شباب السكان لا سيما بعد تداول إحصاءات جديدة حول حالات الإجهاض في البلاد وصفها مسؤولون إيرانيون “بالكارثية”.
لطالما أثارت قضية الإجهاض في إيران جدلاً كبيراً لدى الأوساط الإيرانية، التي تتضارب وجهات نظرها ومعتقداتها مع هذه المسألة. إلا أن هذا الأمر لم يمنع حكومة البلاد من تشريع الإجهاض وفق شروط يصفها حقوقيون بالمعقدة والمقيدة.
على الرغم من مشروعية وقانونية الإجهاض في الحالات الصحية والنفسية، إلا أن وصمة العار الاجتماعية والثقافية المحيطة بهذا الفعل لا تزال قائمة في إيران كغيرها من المجتمعات الشرقية والغربية. غالبًا ما تخضع النساء اللائي يخضنَ الإجهاض للحكم والنقد من قبل المجتمع، مما يؤدي بالعديد منهنّ إلى تجنب السعي للحصول على الرعاية الطبية اللازمة. حيث يمكن أن تؤدي هذه الوصمة والتلقين المرسخ بين أفراد المجتمع إلى تقييد النظام التعليمي والمعرفي حول ممارسات الإجهاض الآمن، ما قد يؤدي إلى قيام النساء بإجراءات غير آمنة وربما تهدد حياتهنّ.
ووفقًا للقانون الإيراني، يُسمح بالإجهاض في حالات معينة، مثل عدم قدرة المرأة على تحمل الحمل أو خطر التشوهات الخلقية على الجنين أو خطر وفاة المرأة في حال استمرار الحمل. كما يُسمح بالإجهاض في حالات اغتصاب المرأة أو إذا كانت حاملاً من زوج غير شرعي.
ويختلف تطبيق هذا القانون الذي أصدره البرلمان الإيراني، من مكان لأخر في إيران، ففي المدن، يُسهِّل إجراء عمليات الإجهاض، بينما في القرى يكون أكثر صعوبة. ويرجع ذلك إلى اختلاف مستوى التعليم والوعي الصحي في المناطق الريفية.
ومع ذلك، فإن الإجهاض لا يزال يثير جدلاً في هذا البلد. فبعض الأطباء والمؤسسات الطبية ترفض إجراء الإجهاض بشكل كامل، مما يؤدي إلى عدم توفر خدمات الإجهاض في بعض المناطق، علماً أن البعض الآخر يستغلون هذا الفعل لتحقيق أرباح مادية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإجهاض واتساع فجوة عراقيلها.
عدد حالات الإجهاض
تشير تقارير عديدة إلى أن معدل عمليات الإجهاض خلال العقود القليلة الأخيرة آخذ في الارتفاع بشكل ملحوظ. وتعزى هذه الزيادة بحسب خبراء إلى ارتفاع مستوى التعليم والوعي الصحي للنساء، بالإضافة إلى زيادة عدد الإيرانيات اللاتي يخترنّ تأجيل الزواج أو عدم الزواج على الإطلاق.
فاطمة محمد بيجي، وهي عضوة في لجنة الصحة والمعالجة في البرلمان الإيراني، تشير إلى حالات الإجهاض في إيران وتقول: “إن ما بين 250 إلى 650 ألف عملية إجهاض تحدث في البلاد كل عام، 85٪ منها تتم من قبل الوالدين بأنفسهم”.
وبعد حثّها لرجال الدين على شرح حرمة الإجهاض للناس وتثقیفهم أكثر من أي وقت مضى، تضيف: توفر المواقع الإلكترونية العديد من الطرق والأساليب للقيام بهذه العملية، وقد قمنا بتضمين العديد من الأحكام الصارمة ضد هذا الفعل غير القانوني في قانون “تجديد شباب السكان”، إلا أن نتائج التنفيذ لم تتم بشكل جيد إلى الآن.
ودخل تشريع جديد بعنوان “تجديد شباب السكان ودعم الأسرة“” حيز التنفيذ بعد أن قدمه الرئيس إبراهيم رئيسي إلى وزارة الصحة ونائب الرئاسة لشؤون المرأة والأسرة في 15 نوفمبر من عام 2022 بعد أن تمت الموافقة عليه من قبل البرلمان، في 16 أكتوبر من نفس العام.
تمت الموافقة على الخطة وفقًا للمادة 53 من الدستور من قبل اللجنة المشتركة دون مناقشتها خلال جلسة برلمانية مفتوحة، وتقدم الخطة بعض المزايا المالية والتوظيفية لمن لديهم أطفال، مع فرض قيود أكثر صرامة على وسائل منع الحمل والإجهاض.
وتلزم المادة 54 المختبرات التي تفحص اختبارات الدم بتسجيل المعلومات حول المرضى – وخاصة النساء الحوامل – في قاعدة بيانات مشتركة مع السلطات الحكومية، وهي خطوة فُسرت على أنها محاولة لمراقبة النساء الحوامل من أجل تثبيط الإجهاض.
وأشارت كاشانيان إلى أن “الأشخاص الذين يعانون من حالات الحمل غير المرغوب فيها يلجأون إلى الإجهاض غير القانوني، والذي يمكن أن يكون خطيرًا للغاية وقد يتسبب في وفاة النساء أو عقمهن الدائم”.
وعقب الإحصاءات التي قدمتها عضوة لجنة الصحة والمعالجة في البرلمان الإيراني، وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في اجتماع لمقر الجمعية الوطنية، عدد حالات الإجهاض في إيران بـ “بالكارثية”، وأكد على بذل الجهات المعنية مزيد من الجهود والتنسيق مع النظام القضائي “للتعامل مع المخالفين” في هذا المجال.
تشجيع على الإنجاب
بلغ عدد المواليد في إيران خلال العام الماضي ما مجموعه مليون و75 الف و381 مولود، ما يعني انخفاضاً بعدة أضعاف مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية. تقول منظمة الأحوال المدنية في البلاد أن ظاهرة شيخوخة السكان تشهد ارتفاعاً بنسب غير معهودة وهو أمر يدق ناقوس الخطر. حيث حذرت خبيرة في علم الشيخوخة وعضو هيئة التدريس بجامعة إيران للعلوم الطبية “بأن إيران ستواجه ظاهرة انفجار سكاني لكبار السن في أقل من 20 عام القادم.”
أدت ظاهرة تراجع معدلات الإنجاب في إيران إلى اتخاذ السلطات الحكومية والجهات ذات الصلة العديد من الإجراءات والسياسات، نظراً لأهمية هذا الموضوع وخطره على المستقبل الديموغرافي للبلاد، حسبما يصفه خبراء السكان وعلم الديموغرافيا.
وقامت الحكومية باتخاذ عدة إجراءات لتشجيع الإنجاب، منها تخفيض سن التقاعد للأزواج المتزوجين وتمكين السكان في سن العمل وتقديم المشورة والتعليم. كما أطلقت حملات ترويجية لتشجيع الأزواج على الإنجاب وتعزيز هذه الثقافة.
في هذا الصدد، أكد وزير الداخلية الإيراني على ضرورة الاهتمام بقضية التنمية الثقافية في بحث الإنجاب، وقال إنه بدون الإنجاب، لا يمكننا التفكير “بإيران قوية”.
يقول خبراء إيرانيون إنه يجب أن يولد 1.5 طفلاً لكل امرأة لضمان استمرارية المجتمع والحفاظ على عدم الاختلال في موارد البلاد.
ومع ذلك، فإن هذه السياسات لم تحقق نتائج كبيرة حتى الآن، حيث يرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة تأمين سكن مناسب وظروف الحياة الصعبة التي يواجهها الشباب في إيران في ظل العقوبات المفروضة على اقتصاد البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المخاطر المرتبطة بزيادة معدلات الإنجاب تشمل ازدياد أعداد الأطفال غير المرغوب فيهم وارتفاع مستوى التلوث وانخفاض جودة الحياة.
قد يعجبك