إيران عضواً في “شنغهاي”… التفاف على العقوبات الأميركية وزيادة الصادرات

بعد طول انتظار لنحو عقدين من الزمن، أصبحت إيران اعتبارا من أمس الثلاثاء، عضوا رسميا في منظمة "شنغهاي للتعاون" وفق ما أعلن عن ذلك خلال قمة المنظمة المنعقدة عبر خدمة الفيديو كونفرانس باستضافة الهند.

ميدل ايست نيوز: بعد طول انتظار لنحو عقدين من الزمن، أصبحت إيران اعتبارا من أمس الثلاثاء، عضوا رسميا في منظمة “شنغهاي للتعاون” وفق ما أعلن عن ذلك خلال قمة المنظمة المنعقدة عبر خدمة الفيديو كونفرانس باستضافة الهند.

وفي كلمته الافتتاحية، أعلن رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، عن بدء عضوية إيران الرسمية في “شنغهاي”، مهنئا إياها بذلك. وأضاف مودي أن شنغهاي “أسرة كبيرة ومن أركان رؤيتنا لها الأمن والتنمية الاقتصادية والاتحاد واحترام سيادة الدول ووحدة الأرضي والحفاظ على البيئة”.

ويبلغ حجم اقتصاد منظمة “شنغهاي ” نحو 20 تريليون دولار، وهو تجمع يضم نصف البشرية، وما يميزها وجود تكامل اقتصادي وجغرافي بين أعضائها، إذ إنها تضم أكبر منتجي النفط والغاز كروسيا وإيران، كما أنها تضم أيضا مستهلكين كبارا مثل الصين والهند.

وتسعى الصين لجذب عدد أكبر من الدول الفاعلة اقتصادياً إلى عضوية المنظمة، في إطار سعيها نحو ترسيخ نظام اقتصادي عالمي جديد متعدد الأقطاب، وتقليص سيطرة الدولار على النظام المالي.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في كلمته، إن “مزايا عضوية إيران الرسمية في شنغهاي ستبقى خالدة”، معربا عن أمله في أن يكون حضور بلاده في المنظمة “مؤثرا ويمهد الأرضية لتأمين الأمن الجمعي ويقود نحو التنمية المستدامة وتطوير الروابط والعلاقات وتعزيز الوحدة واحترام سيادة الدول والتعاون في مواجهة التهديدات البيئية”.

وأضاف أن إيران “على قناعة بأن شنغهاي تتمتع بمكانة متميزة لتطوير مسارات توسيع التعاون السياسي والأمني والاقتصادي” بين الأعضاء.

وطرح رئيسي خلال كلمته، ملفي ممر “الشمال الجنوب” الاستراتيجي الذي تنظر إليه روسيا كبديل قناة السويس، وممر “الحزام والطريق” الصيني، مؤكدا دعم بلاده لهذه المشاريع التي وصفها بأنها “عملاقة”.

وأوضح أن ممر الشمال الجنوب دخل مرحلة التنفيذ وتدشينه “سيهدي الأمن إلى شعوب المنطقة”.

ويتكون الممر من شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كيلومتر، ويبدأ من بومباي في الهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج مع بحر قزوين مروراً بإيران، ثم منها يتوجه إلى سان بطرسبورغ الروسية، ومنها إلى شمال أوروبا، وصولاً إلى العاصمة الفنلندية، مما يختصر المسافة مقارنة مع قناة السويس بمقدار أكثر من الضعف، مقلصا مدة الشحن وتكلفته.

كما رحب الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته بعضوية إيران في المنظمة، قائلا إن “العالم اليوم يشهد تحولا سيواجه تحديات جديدة، الوحدة أم الفرقة، التعاون أم الصراع، هذه هي أسئلة مطروحة في زماننا”.

من جهته، رحب الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين الذي تتعرض بلاده لعقوبات غربية على خلفية شنها حربا على أوكرانيا، بعضوية إيران التي تتعرض هي الثانية لعقوبات مماثلة، قائلا إن ذلك سيضيف “طاقة جديدة” إلى المنظمة.

وأكد أن علاقات روسيا مع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي “ستصبح أقوى من ذي قبل”، داعيا إلى وضع “آليات جديدة للتعاملات المصرفية والنقدية بين الدول الأعضاء”.

وأضاف أن روسيا تواجه العقوبات والقيود بـ”ثقة والشعب الروسي الآن موحد أكثر من أي وقت مضى”، مؤكدا أن منظمة شنغهاي للتعاون “ملتزمة بإقامة نظام عالمي عادل ومنصف مع دور مركزي للأمم المتحدة”.

كانت إيران تعد من عام 2005 عضوا مراقبا في منظمة “شنغهاي”، وفيما بعد تقدمت بطلب للانضمام في هذه المنظمة، لكن وافق عليه قادة الدول الأعضاء فيها بعد 16 عاما خلال القمة الـ21 للمنظمة المنعقدة في مدينة دوشنبة العاصمة الطاجيكستانية عام 2021 وشارك فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ثم أكملت طهران عضويتها الكاملة في القمة الـ22 لأعضاء المنظمة في العاصمة الأوزبكستانية، سمرقند عام 2022 بعد استكمال الإجراءات المطلوبة والتوقيع على الوثائق والمعاهدات المعنية بمنظمة “شنغهاي للتعاون”.

وأعلن الرئيس الأوزبكستاني، شوكت ميرضيايف، خلال تلك القمة، عضوية إيران الكاملة.

وتأسست منظمة شنغهاي عام 1996 تحت اسم “شنغهاي 5” في اجتماع بمشاركة قادة روسيا والصين وقرغيزستان وطاجيكستان، لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة، لكنها ارتقت لاحقا عام 2000 إلى منظمة سياسية واقتصادية وأمنية إقليمية وتغير اسمها إلى “شنغهاي للتعاون” وأصبحت تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان والهند وباكستان وأخيرا إيران كأعضاء دائمين.

لكن، ثمة بلدان تشارك في المنظمة بصفة المراقب، هي أفغانستان، منغوليا، بيلاروسيا. كما أن دول أخرى تشارك في حوارات المنظمة هي: تركيا وأذربيجان وسريلانكا وأرمينيا وكمبوديا ونيبال والسعودية ومصر وقطر.

ماذا تريد طهران من المنظمة؟

تكتسب عضوية إيران الكاملة ثم الرسمية بـ”شنغهاي للتعاون” أهمية كبيرة بالنسبة لها، حسب المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتوسيع التجارة ببيت الصناعة والمناجم الإيراني، روح الله لطيفي.

ويقول لـ”العربي الجديد” إن ذلك يشكل “نقطة عطف” للتجارة الإيرانية الخارجية، لكونها تحصل في توقيت، تتعرض فيه البلاد إلى عقوبات أميركية مشددة وشاملة منذ 2018 على خلفية الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفي ضوء غياب أفق واضح لرفع هذه العقوبات في المفاوضات النووية المتعثرة حاليا.

تأتي عضوية إيران الرسمية في “شنغهاي” اعتبارا من الثلاثاء في عدة سياقات اقتصادية وسياسية مهمة، أبرزها ترسيخ الاستدارة الإيرانية في السياسة الخارجية نحو تعزيز العلاقات مع الجيران والشرق.

وذلك على حساب العلاقات مع الغرب في ضوء استمرار الصراع الإيراني مع القوى الغربية وبالذات الولايات المتحدة، ومعه أيضا استمرار العقوبات الأميركية المشددة في ضوء تعثر المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.

وعليه، تنظر الحكومة الإيرانية المحافظة، في عضوية منظمة “شنغهاي للتعاون”، كبوابة للالتفاف على العقوبات الأميركية والنظام المالي الدولي الخاضع للسيطرة الأميركية.

في السياق، يقول المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتوسيع التجارة ببيت الصناعة والمناجم الإيراني روح الله لطيفي الذي شغل سابقا المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، إن منظمة “شنغهاي للتعاون” أكبر منظمة دولية حجما ومساحة وسكانا، تضم اقتصاديات كبرى مثل الصين، واقتصاديات نامية مثل الهند.

وأضاف في مقابلة مع “العربي الجديد” إن دول المنظمة تشكل “سوقا كبيرا وواسعا للغاية”، كما أن المنظمة نفسها تمثل “محورا اقتصاديا وأمنيا وسياسيا” وبين أعضائه ترابط جغرافي متكامل.

ويؤكد لطيفي أن عضوية إيران في شنغهاي، “فرصة كبيرة” لها، لافتا إلى أنه “على الرغم من بعض الخلافات الحدودية والسياسية بين أعضاء المنظمة، لكن تربطهم مشتركات كبيرة، وتجمعهم أهداف مشتركة تشكل فرصة لبناء عالم جديد”.

وفي إشارة إلى العقوبات الأميركية على النظام المالي الإيراني، يوضح المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، أن “ميثاق شنغهاي للتعاون ينص على اعتماد العملات الوطنية” في التجارة البينية، ليؤكد أن ذلك “يصب في مصلحة إيران لكونه يضعف هيمنة الدولار واليورو ومركزية النظام المالي الدولي الذي حرمت البلاد من استخدامه بسبب العقوبات”.

سيؤدي اعتماد العملات الوطنية في التجارة الخارجية لتعزيزها أولا وتقوية اقتصاد الدول الأعضاء بمنظمة “شنغهاي” ثانيا، كما يقول المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، الذي أضاف أن عضوية إيران فيها ستعزز دور وموقع الممرات التجارية الدولية العابرة من الأراضي الإيرانية، منها ممر “الشمال الجنوب”، فضلا عن تعزيز موقع إيران في اتحادات اقتصادية أخرى، مثل الاتحاد الأوراسي و”إيكو”.

ستعتمد إيران على “شنغهاي للتعاون”، في مواجهة العقوبات الأميركية والالتفاف عليها، حسب ما صرّح به لطيفي لـ”العربي الجديد”، مؤكدا أن بلاده لن تكتفي بالالتفاف على العقوبات فقط عبر التجارة والعلاقات مع الدول الأعضاء بمنظمة “شنغهاي للتعاون”، قائلا إنها “تبتكر أساليب حديثة لتصدير سلعها وتقوية اقتصادها سواء عبر العملات الوطنية أو المقايضة”.

التجارة الإيرانية مع “شنغهاي”

تعد معظم الدول الأعضاء في منظمة شتغهاي ضمن الشركاء التجاريين العشرة الأوائل لإيران، إذ تستحوذ تجارة إيران مع أعضاء المنظمة على نحو 40% من تجارتها الخارجية مع العالم، وهو ما يشكل أرضية وفرصة لها لتطوير العلاقات الاقتصادية مع أعضاء المنظمة.

وبلغت تجارة إيران مع أعضاء منظمة “شنغهاي” للتعاون العام الماضي 42.7 مليار دولار، حسب ما يقول المتحدث السابق باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي.

ويضيف لطيفي أن 21.3 مليار دولار من هذا الرقم هو قيمة الصادرات الإيرانية إلى دول المنظمة، فضلا عن أن قيمة الواردات الإيرانية منها بلغت 21 مليار و378 مليون دولار.

تتصدر الصين، التجارة مع إيران بين دول منظمة “شنغهاي”، حيث صدرت خلال العام الماضي سلعا إلى إيران بقيمة 15.7 مليار دولار، فضلا عن استيراد سلع غير نفطية منها بقيمة 14 مليار دولار.

علما بأن حجم الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصين التي تعد من أبرز مشتري النفط الإيراني لا تعلن بسبب مخاوف من العقوبات الأميركية التي ستطاول أي شركة أو دولة تتجاوزها.

وتلي الهند في المركز الثاني بعد الصين إذ إنها استوردت من إيران خلال العام الماضي، سلعا غير نفطية بقيمة 2.146 مليار دولار، وصدرت إليها سلعا بـ2.850 مليار دولار.

كما بلغت التجارة الإيرانية مع أفغانستان العضو الآخر في شنغهاي 1.6 مليار دولار، كلها صادرات إيرانية. وصدرت إيران أيضا إلى باكستان سلعا غير نفطية بقيمة 1.488 مليار دولار، واستوردت منها سلعا بقيمة 842 مليون دولار.

إلى ذلك، بلغت التجارة الإيرانية مع روسيا، خلال العام الماضي، 2.321 مليار دولار، منها 744 مليون دولار صادرات إيرانية ومليار و577 مليون دولار واردات إيرانية من روسيا.

تحديات أمام إيران

رغم فرص كبيرة، تخلقها عضوية إيران في “شنغهاي للتعاون” لتوسيع تجارتها الخارجية، والالتفاف على العقوبات الأميركية، ثمة تحديات أيضا تعتريها، لا يمكن الاستهانة بها.

لعل أبرزالتحديات حسب خبراء إيرانيين، هو استمرار العقوبات الأميركية على إيران، والذي يشكل مانعا لدى الدول الأخرى بما فيها تلك التي تواجه مشاكل وتوترا سياسية مثل الصين مع الولايات المتحدة لتنمية علاقاتها التجارية خشية تعرضها لعقوبات أميركية.

وفي السياق، يُستشهد بحجم التجارة الإيرانية مع الصين والتي كانت تبلغ قيمتها قبل العقوبات الأميركية نحو 40 مليار دولار سنويا، لكنها تراجعت خلال السنوات الأخيرة لتهبط خلال العام الماضي إلى 16 مليار دولار.

وإلى ذلك أيضا يرى موقع “خبر أونلاين” أن أعضاء المنظمة ملتزمون بالمعايير الدولية في التعاملات المالية، وعليه، فإن هذه الدول قد لا يمكنها التجارة مع إيران بسهولة في الظروف الراهنة بسبب عدم انضمامها إلى مجموعة العمل المالي الدولية، “فاتف”، فضلا عن العقوبات الأميركية.

وكانت مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم “فاتف” (FATF)، قد أدرجت، خلال فبراير/شباط 2020، إيران على قائمتها السوداء ثم خلال الشهر الجاري أبقتها على القائمة.

وجاء وضع إيران عليها عند انتهاء مهلة المجموعة الرابعة لها لإقرار التشريعات اللازمة للانضمام إليها. وفاتف هي هيئة رقابية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف عملها لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − ثلاثة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى