تحركات لافتة.. هل تتسلم عُمان ملف إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟

قبل قرابة 40 عاماً، أدت سلطنة عُمان دوراً تاريخياً في الوساطة بين طهران والغرب، واليوم تواصل السلطنة تحركاتها المستمرة للتقريب بين الجانبين.

ميدل ايست نيوز: قبل قرابة 40 عاماً، أدت سلطنة عُمان دوراً تاريخياً في الوساطة بين طهران والغرب، واليوم تواصل السلطنة التي تقع على الضفة المقابلة لإيران، تحركاتها المستمرة للتقريب بين الجانبين، بعد أزمة كبيرة بسبب ملفها النووي.

ويبدو أن زيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق الأخيرة إلى طهران ولقائه المرشد الإيراني علي خامنئي، كان هدفها التوصل إلى تفاهم جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع الغرب، للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن الملف الذي تسبب بأزمات كبيرة في الشرق الأوسط وفي العالم.

ودائماً ما تصرح إيران بأن سلطنة عُمان لديها مبادرات جدية في ما يخص الملف النووي الإيراني وأنها ستسهم في إعادة المفاوضات بهذا الخصوص، فهل تتسلم مسقط الملف النووي رسمياً وتكون وسيطة بين طهران والغرب؟ يتساءل مراقبون.

عُمان وسيط!

في أحدث معلومات كشفت عنها طهران مؤخراً، قال وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان، إن نظيره العُماني بدر البوسعيدي، سلم طهران مبادرات بخصوص عودة أطراف الاتفاق النووي الموقع مع إيران إلى تعهداتهم.

وبحسب ما أوردت وكالة “إرنا” الإيرانية، (19 يوليو 2023)، أكد عبد اللهيان أن “سلطنة عُمان تبذل الجهود من أجل عودة جميع الأطراف إلى تعهداتهم في إطار الاتفاق النووي”.

وأشار إلى أن “وزير الخارجية العُماني طرح بعض المبادرات خلال زيارته الأخيرة إلى طهران”، مضيفاً: “وقد تبادلنا معاً وجهات النظر في هذا الخصوص”، وذلك خلال الاجتماع الذي جرى بين الوزيرين يوم (10 يوليو 2023).

وسبق أن صرح وزير الخارجية الإيراني، أكثر من مرة حول ما تقوم به عُمان فيما يتعلق بالملف النووي، وكانت أبرز تصريحاته في هذا السياق خلال أبريل الماضي، عندما قال إن سلطنة عُمان لديها مبادرات جدية في ما يخص الملف النووي الإيراني وهي ستسهم في إعادة المفاوضات بهذا الخصوص.

وأعرب عبد اللهيان، حينها في حوار خاص مع وكالة الأنباء العُمانية، عن شكره لسلطان عُمان، هيثم بن طارق، على الدور الإيجابي لإلغاء العقوبات عن إيران، واصفاً دور مسقط في هذا الشأن بالبناء والمثمر.

زيارات ولقاءات

في (17 يوليو)، زار وزير خارجية عُمان طهران، وأجرى مع نظيره الإيراني مباحثات تعلقت بتعزيز التعاون بين بلديهما، وقضايا إقليمية ودولية، من بينها مبادرة طهران للحوار الإقليمي بمشاركة دول الخليج.

وأواخر مايو الماضي، قام سلطان عُمان هيثم بن طارق بزيارة إلى طهران، استغرقت يومين، وسربت حينها وسائل إعلام دولية معلومات، مفادها أن المباحثات ناقشت آخر محاولة لإحياء الاتفاق النووي.

وعقب زيارة سلطان عُمان بيومين، نقلت قناة “الجزيرة”، عن مصدر إيراني مطلع قوله، إنه جرى التوصل إلى تفاهم جديد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع “آباده” بالقرب من مدينة شيراز (جنوب غرب) المعروف في تقارير الوكالة بموقع “مريوان”.

وبعد نحو ثلاثة أسابيع من زيارة سلطان عُمان، زار أمير عبد اللهيان مسقط، ونقلت صحيفة “العربي الجديد” حينها عن مصادر إيرانية قولها، إن الزيارة على صلة بالمفاوضات النووية، وإن مفاوضات مع الجانب الأمريكي في عُمان “لم تعد تُجرِ في غرف منفصلة وإنها باتت وجهاً لوجه”.

وفي 10 يونيو الماضي، قال موقع “والا” العبري، إن ممثلين عن الولايات المتحدة وإيران، أجروا في (مايو 2023)، محادثات غير مباشرة في سلطنة عُمان بهدف التوصل لتفاهمات حول مستقبل البرنامج النووي لطهران.

وذكر الموقع العبري، أن مسؤولين كباراً من إيران والولايات المتحدة كانوا موجودين في غرف منفصلة بفندق في العاصمة العُمانية مسقط، بينما تولى مسؤولون عُمانيون مهمة نقل الرسائل بينهم.

جدية إيران

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن عُمان “تحاول أن تمسك العصا من المنتصف من خلال إدارتها لإحياء الاتفاق النووي مع إيران”.

لكنه في الوقت ذاته، يعتقد أنه بموجب نتائج الاتفاقيات التي رفعتها بكين للتهدئة في المنطقة العربية وإيران، فقد أصبحت طهران “بين فكي كماشة التهدئة والتصعيد المتدرج فهي ما زالت تؤمن بعقيدة الصدام قبل الحوار، على الرغم من اتخاذها مسارات التهدئة المتعددة الغاية منه إرباك خصومها واللعب على عامل الزمن مجدداً”.

ويلفت النعيمي في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي “لا يزال لديهم قناعة راسخة، بأن إيران لن تلتزم بأي من تفاصيل نتاج الاتفاقية، وأن تلك الدول تحاول فتح ثغرة من خلالها تمارس الضغوط القصوى على إيران وتستثمرها في ملفات متعددة ومنها الرهائن الأمريكيين”.

ويعتقد أن نجاح مباحثات وتحركات عُمان “مرهونة بمدى جدية وقدرة سيطرة القيادة السياسية الإيرانية المعنية بملف المباحثات ومدى قدرتها على إقناع الجانب المتطرف بنظام الحكم”.

ويضيف: “هنا أتحدث عن جناح المرشد الإيراني الذي يقرر مصير إيران بمعزل عن كل التفاهمات التي تجري في الأروقة السياسية والعسكرية، وما زالت إلى يومنا هذا الخلافات الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تلقي بظلالها على نتاج تلك المباحثات خاصة وأن طهران لديها سجل حافل في الانتهاكات”.

كما يلفت إلى مسماه “الخداع الذي قامت به مع الوكالة الذرية سواء كان من خلال تصنيع أجهزة الطرد المركزي İR6 – İR8 التي تدعي طهران بأنها قد رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 80% والتي تتيح لها الوصول إلى تصنيع القنبلة النووية، أو من عملية الخداع الذي مارسته على الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإطفاء الكاميرات الحرارية الخاصة بمراقبة انشطة طهران النووية”.

وأضاف: “كانت إيران ترغب من خلال ذلك الإجراء إيصال رسالة بأنها قد انتهت من تصنيع المواد الأولية اللازمة لإنتاج القنبلة النووية وذلك لإرضاخ الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي للجلوس على طاولة المفاوضات وفق الرؤية الإيرانية”.

وتابع النعيمي: “لكن أمريكا وبريطانيا رفضت ذلك بموجب المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها حول حقيقة مستوى التقدم التي تحرزه طهران في النشاط النووي، إضافة إلى أن الولايات المتحدة ما زالت تمسك بعناصر القوة من خلال قدرتها على فرض حزم عقوبات جديدة وفق آلية (سناب باك)”.

وخلص في ختام تعليقه إلى أن تلك الاتفاقية “لن يكتب لها النجاح في ظل التصعيد الإيراني في المنطقة العربية”.

عُمان والنووي الإيراني

وتنظر إيران والغرب إلى سلطنة عُمان على أنها مركز المحادثات والتسويات في المنطقة؛ بسبب دورها القوي في الوساطة وإنهاء عديد من الملفات العالقة والأزمات السياسية.

وسبق أن ساعدت سلطنة عُمان في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في 2013؛ حيث أدت مسقط دوراً كبيراً في تمهيد الطريق أمام المفاوضات التي انتهت بتوقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة عام 2015.

ولا يزال ملف برنامج إيران النووي يشكل إحدى القضايا الشائكة على الصعيد الدولي في إطار الجهود التي تبذلها القوى الرئيسة لحظر الانتشار النووي، حيث يمر هذا الملف بإشارات كثيرة تؤكد تعثر أي مفاوضات لاستئنافها مجدداً بعد انسحاب واشنطن عام 2018.

ولعل توجه الأضواء نحو مسقط أيضاً، لنجاحها في توظيف علاقاتها مع إيران في تحقيق دور الوسيط حول عديد من القضايا، كخلاف طهران مع الولايات المتحدة ودول غربية.

وتعد عُمان الدولة الخليجية الأكثر تقارباً مع إيران، إذ شهدت علاقات البلدين تحولاً كبيراً في التعاون السياسي بعد تولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد زمام الحكم، مطلع سبعينيات القرن الماضي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى