من الصحافة الإيرانية: هل ترتدي إيران عباءة “الأمننة” مجدداً؟

تصاعدت مرة أخرى خلال الأسابيع الماضية التحذيرات من محاولة أمننة الملف الإيراني في المجتمع الدولي.

ميدل ايست نيوز: تصاعدت مرة أخرى خلال الأسابيع الماضية التحذيرات من محاولة أمننة الملف الإيراني في المجتمع الدولي.

يحذر محللون ودبلوماسيون إيرانيون سابقون، بقيادة محمد جواد ظريف، من محاولة القوى العالمية مرة أخرى بعد ما يقرب من عقد من الزمن، على اعتبار الملف الإيراني تهديداً خطيراً للأمن الدولي، لتشجع بهذه الوسيلة الدول الأخرى على الانضمام إلى الحملة الجماعية لمواجهة قوة ونفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ينوه هؤلاء الدبلوماسيون السابقون أنه في الوقت الذي يتم الإعداد فيه لأمننة الملفات الإيرانية، فإن التصور الخاطئ بين صانعي السياسة في إيران يجعل طهران تضع نفسها بالفعل أمام شبح الأمننة.

والأمننة هي عملية يتم فيها إدراج دولة أو ظاهرة أو قضية على أنها تهديد أمني خارج حالتها الطبيعية، وفي ضوء ذلك تبذل جهود لإضفاء الشرعية على اتخاذ إجراءات استثنائية تهدف إلى كبح جماح هذا التهديد.

وفي تصريح مستجد له، حذر وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، من أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية “بدأتا مساعيهما مرة أخرى لأمننة ملف إيران”، وعلق مستنكراً على التصور الخاطئ للعبة أمننة إيران: “يؤسفني أننا نبتهج عندما تعلن إسرائيل أن إيران على وشك امتلاك أسلحة نووية. تريد الأولى أن تخلق صورة ما عن بلادنا، أما نحن فنقوم بوضع رؤوسنا في الإطار ونقول التقطي صورة لنا”.

من جانبه، قال عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية السابق وأمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، في تصريحه الأخير في الاجتماع الاستعراضي لكتاب (السياسة الخارجية للقوى العظمى): “في بعض الأحيان يتم أمننة بلد ما، ثم يتم التلاعب بتصور النخب المسؤولة والمواطن بطريقة تجعلك تقع في فخ الأمننة​​ بل وتدفعك لارتكاب أمور تخدم أهداف صانعي هذه العملية”.

وتم استخدام “الأمننة” في القرن الحادي والعشرين كأداة فعالة من قبل القوى العظمى في العالم. يوضح محمد جواد ظريف في هذا الصدد: “إذا شاهدنا عن كثب السياسة الدولية اليوم، فسنرى أن الحرب فقدت فعاليتها، وأدركت الولايات المتحدة ذلك في عام 2004 لتلجأ إلى لعبة الأمننة”.

حتى غزو العراق عام 2003، كانت الأمننة أداة لتشكيل الإجماع وإقناع الشركاء بالمشاركة في الأعمال العسكرية ضد الدول التي تدعي القوى العالمية بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي. والمثال الأهم على هذه العملية كان أمننة ملف العراق كخلفية لخلق إجماع عالمي ضد هذا البلد والهجوم العسكري على بغداد عام 2003 “كإجراء استثنائي باسم الأمن العالمي”.

وطرحت القضية النووية الإيرانية كملف عالمي خلال أحداث غزو العراق. ففي عملية استمرت عدة سنوات، تمكنت الحكومة الأمريكية من تحويل العديد من القضايا القابلة للحل في برنامج إيران النووي إلى أزمة لطهران والتظاهر أمام المجتمع الدولي بأنها تشكل تهديداً للسلام والأمن العالميين.

دامت هذه الحالة لسنوات عديدة دون أن تتخذ إيران أي إجراء يهدد الدول الأخرى، لينتقل فيما بعد ملفها النووي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي أقر 6 قرارات متتالية على أعلى مستوى (أي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم) ضد إيران بأغلبية ساحقة من الدول الدائمة العضوية وغير الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

وحذر المحللون في الآونة الأخيرة من محاولة واشنطن، بالتعاون مع إسرائيل، بأمننة الملف الإيراني، حيث تستخدم الدعاية الأمريكية والإسرائيلية ذرائع مختلفة لجعل إيران تهديدًا أمنيًا للعالم.

وأدت المزاعم حول تعاون إيران مع روسيا في العدوان العسكري الروسي على أوكرانيا وإظهار طهران كواحدة من الجناة في هذه الحرب إلى دفع الدول الأوروبية الأكثر قلقاً بشأن هجوم روسيا على أوكرانيا إلى اعتبار طهران تهديدًا مباشرًا لأمنها.

وعلى وقع ملاحم كييف والتقلبات التي تخيم على المشهد الإيراني، أتاح تجميد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة ودول 4 + 1 لإحياء الاتفاق النووي والتخصيب المستمر لليورانيوم العالي في إيران فرصة للحكومات هذه للتظاهر بأن إيران أقرب من أي وقت مضى إلى “الهدف المزعوم المتمثل في إنتاج أسلحة نووية” وأنها أصبحت تشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.

يتضح من إدارة جو بايدن الحالية للبيت الأبيض وفشل المساعي لإحياء الاتفاق النووي، أن عملية أمننة الملف الإيراني “بتدخل إسرائيلي مباشر”، بدأت تسري بين أوساط المجتمع الدولي. فهذه المرة، لا يملك الجهاز الدبلوماسي استعدادات كافية لإجراءات ضد الأمننة وحسب، بل وبحسب ظريف، بسبب التصور الخاطئ من قبل الساسة الإيرانيين لمساعي المنافسين في الغرب، “وضعوا رؤوسهم في الإطار وقالوا لهم التقطوا لنا صورة”، عوضاً عن اتخاذ إجراءات لتفادي عملية الأمننة هذه.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى