من الصحافة الإيرانية: هل حطمت التجارة الإيرانية رقماً قياسياً خلال العقود الأربعة الماضية؟

بمقارنة بسيطة لإحصاءات الحكومة حول الرقم القياسي للتجارة مع معدلات التضخم فقد يتغير الواقع التجاري الخارجي للبلاد بشكل واضح.

ميدل ايست نيوز: حطمت التجارة الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية الرقم القياسي في عام 2022؛ ادعاء طرحته الحكومة مؤخراً، وقد يبدو صحيحاً للوهلة الأولى نظراً لإيرادات التبادلات التجارية الإيرانية مع الخارج، إلا أن هذا الادعاء لا يقدم صورة دقيقة للواقع الذي سنستعرض نزرا يسيرا منه في مقالنا.

ووفقاً لصحيفة دنياي اقتصاد الإيراني، بمقارنة بسيطة لتلك الإحصاءات الحكومية حول الرقم القياسي للتجارة مع معدلات التضخم فقد يتغير الواقع التجاري الخارجي للبلاد بشكل واضح.

أدت جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني إلى تأجيج التضخم في العالم، مما أسهم في زيادة الرقم الدولاري في التبادلات التجارية الإيرانية، وعلى الرغم من صحة هذا الأمر، إلا أنه لا يمثل الواقع برمته، بل ويمكن أن يكون الشعور بالبهجة بشأن إحصاءات التجارة لعام 2022 مضللًا إلى حد ما.

ومن أجل فهم أكثر دقة لإحصاءات التجارة الإيرانية، يجب المرور على العديد من المؤشرات، أهمها الوزن الإجمالي لصادرات وواردات البلاد ودور التضخم في زيادة الرقم الدولاري للتجارة.

تأثير السكان على التجارة

لطالما كانت تجارة إيران تنمو في العقود الأربعة الماضية (بداية الثورة الإسلامية) حتى عقوبات الأمم المتحدة (أوائل الألفية الثانية). والسبب في ذلك هو أنه خلال هذه الفترة، زاد عدد سكان إيران ثلاث مرات تقريبًا، لذلك من الواضح أن احتياجات الاستهلاك وكذلك إنتاج بلد يبلغ عدد سكانه 30 مليون شخص لا يمكن مقارنته بدولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة.

في عام 1996، بلغ إجمالي صادرات وواردات إيران نحو 3 مليارات دولار و15 مليار دولار على التوالي، أما من حيث الوزن فقد بلغت 7 و21 مليون طن على التوالي. زادت هذه الإحصاءات في العقد التالي، ووصلت صادرات وواردات البلاد في عام 2002 إلى 4.2 مليار دولار و22 مليار دولار على التوالي. واستمر هذا الاتجاه المتنامي في السنوات العشر التالية، حيث زادت الصادرات الإيرانية 8 أضعاف في عام 2011 مقارنة بعام 2002 لتصل إلى 33 مليار دولار، وشهدت الواردات خلال نفس الفترة زيادة تقارب 200٪ لتصل إلى 61 مليار دولار، ونتيجة لذلك يتضح أن التجارة نمت “تحت تأثير الزيادة السكانية في البلاد”، ولا يمكن أن تعزى إلى التدابير الاقتصادية للحكومات المختلفة.

إحصائيات بدون تضخم!

ثانياً، من أجل مقارنة صحيحة وسليمة بين هذه السنوات، من الضروري القضاء على تأثير التضخم في الإحصائيات حتى تتوفر صورة أوضح للمقارنة. فنظراً لأن جميع اقتصادات العالم تواجه تضخماً بشكل أو بآخر، وبأخذ هذا النوع من التحليل في الاعتبار، فإن الحكومات الأخيرة التي تتولى حكم البلاد ستكون دائمًا أفضل الحكومات لأنها حققت أرقامًا أكبر حسب زعمها.

تنطبق هذه القاعدة على الإحصائيات التي تقدمها الحكومات المختلفة التي تتولى الحكم في إيران، حيث تحاول التأكيد دوماً في تقاريرها على إنجازات رجال الدولة في شتى الأصعدة بهدف تكوين فكرة ما في عقول جماهيرها الذين ليس لديهم معرفة مفصلة بالإحصاءات.

فهل هناك طرق لتجنب هذه المشكلة؟ بالطبع نعم. فمثلاً، من أجل أن يكون لدى صانعي السياسيات والنشطاء الاقتصاديين فهم صحيح للحالة التجارية الإيرانية، من الضروري أن ننظر أولاً إلى الوضع الاقتصادي العالمي في السنوات التي سبقت عام 2023. فكما يتضح من المشهد الدولي، فقد تسببت جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني في السنوات القليلة الماضية في تعرض الاقتصاد العالمي لتضخم قياسي لم يعهده من قبل.

وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، بلغ معدل التضخم العالمي في عام 2023 ما نسبته 7٪ وتضخم الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية 4.7٪ و 7.6٪ على التوالي.

لا يختلف الوضع في السنوات السابقة كثيرًا عن عام 2023. ففي عامي 2022 و2021، وصلت نسبة التضخم العالمي إلى 8.7 و4.7 على التوالي. كما شهدت الاقتصادات المهمة في التجارة العالمية خلال تلك الفترة تضخمات عالية. وواجهت ايضاً الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم، تضخمًا بلغ 4.5 و8 في المائة في عامي 2023 و 2022.

إذن، من الواضح أن الزيادة في الرقم الدولاري لحجم التجارة الإيرانية مع الخارج يمكن أن يكون مرتبطاً بالزيادة الحادة في التضخم العالمي.

وفي البال، توجد طريقة أخرى يمكن استخدامها لتحليل إحصاءات التجارة وهي وزن البضائع المصدرة. فوزن صادرات إيران في عام 2022 لم يتغير بشكل كبير مقارنة بالعام الذي سبقه ليظل ثابتاً عند حوالي 122 مليون طن.

وانخفض وزن البضائع المستوردة خلال تلك المدة من 41 مليون طن إلى 37 مليون طن. وهذا يفضي أنه في عام 2022، زادت الرسوم التي فرضتها الحكومة على المستوردين لكل كيلوغرام من السلع المستوردة مقارنة بالعام السابق.

زيادة حجم الواردات والميزان التجاري السلبي للبلاد هي من القضايا المهمة المتعلقة بإحصاءات التجارة. فزيادة الواردات ليس بالأمر السيئ في حد ذاته، إلا أن إيران خلال عقود استخدمت الواردات كأداة لتنظيم سوق السلع الاستهلاكية وليس لأغراض ربحية أخرى. مثلاً؛ في الفترات التي زاد فيها دخل إيران من النفط، شهد حجم السلع الاستهلاكية المستوردة دائمًا زيادة حادة.

ومن بين الزيادة الملحوظة التي قدرت بـ 11.5 مليار دولار في حجم التجارة الإيرانية في عام 2022، يرتبط ما يقرب من 6.5 مليار دولار بزيادة الواردات، مما جعل الميزان التجاري للبلاد أكثر سلبية.

قد يعجبك

تقرير: إيران تتخلف عن الدول النامية في قطاع التجارة خلال العقدين الماضيين

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى