إيران والدول العربية بين الحاضر والماضي

العلاقات المتباينة والمتضاربة في العديد من المواضيع بين طهران والعرب تأثرت بشكل كبير بالأحداث التاريخية والدينية والثقافية والسياسية، لكن هل تغيّر المستجدات الإقليمية خارطة المنطقة وتبيد الأجواء المعتمة بين طهران وجيرانها العرب؟

ميدل ايست نيوز: لطالما تشابكت العلاقات بين إيران والدول العربية على مدار العقود الماضية من حيث السياسة الدولية. العلاقات المتباينة والمتضاربة في العديد من المواضيع بين طهران والعرب تأثرت بشكل كبير بالأحداث التاريخية والدينية والثقافية والسياسية، لكن هل تغيّر المستجدات الإقليمية خارطة المنطقة وتبيد الأجواء المعتمة بين طهران وجيرانها العرب؟

في فترة ما قبل الثورة الإيرانية عام 1979، كانت إيران تحظى بعلاقات جيدة مع عدد من الدول العربية، حيث كان لها دور هام في المنطقة، لا سيما في توفير الأمن والاستقرار لدول الجوار ومكافحة التطرف.

خلال 37 عامًا في السلطة، حوّل شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي بلاده إلى القوة الإسلامية الحاكمة في الشرق الأوسط. وبدعم من واشنطن، ومسلّحةً بأفضل الذخائر الأميركية، هيمنت إيران على جيرانها العرب – حتى تلك الدول، مثل مصر والسعودية، التي استفادت أيضًا من الحماية الأميركية.

بدأت علاقات إيران مع العديد من الدول العربية في التدهور بعد الثورة الإسلامية، فقد تغيرت السياسة الخارجية لإيران وطرأ عليها الكثير من التعديلات الجديدة التي لم تلقَ ترحيباً من دول المنطقة بل ومن العديد من دول العالم إن صح القول.

اعتبر الحكام العرب وخاصة دول مجلس التعاون إيران تهديداً لأمن واستقرار دولهم في السنوات القليلة الماضية واتهموها بدعم “جماعات مسلحة في سوريا والعراق ولبنان والبحرين” ناهيك عن دعم أنصار الله في اليمن مما زاد التوتر بشكل كبير في المنطقة.

وبعد الحصار الرباعي الذي فرضته السعودية ومصر والبحرين والإمارات على الدوحة لدعمها الإخوان المسلمين ونشر التطرف والقصة تطول، استغلت طهران هذه الواقعة ووطدت علاقاتها مع قطر وفتحت لها أجواءها الجوية ودعمتها اقتصادياً، الأمر الذي دفع قطر بعد أن فك الحصار عنها لتكون وسيطة ولاعب بين إيران والدول العربية، حيث أسهمت في احتواء الأزمة في العديد من الملفات منها الملف اليمني.

إيران اليوم

حملت عودة العلاقات بين إيران والدول العربية في المنطقة في الأشهر القليلة الماضية رسالة مهمة، مفادها أن الولايات المتحدة فشلت في إبقاء إيران في” الصندوق”، حسب تعبير مجلة فورين أفيرز الأمريكية، الذي كانت تحاول تشييده منذ عهد جورج بوش إلى باراك أوباما.

العقوبات والضغوط وسياسة العزلة وغيرها الكثير كانت على جدول أعمال البيت الأبيض المخصص لهذا الصندوق الذي سعى بكل ما أوتي من عزم على تحقيق أحد الهدفين التاليين؛ تطبيع العلاقات بشتى المجالات مع القوى الغربية وعزل إيران في حال لم تستجب للضغوط الاقتصادية والعقوبات.

لعلّ تداعيات تلك الضغوط والعقوبات باتت ظاهرة لكل من يطلع على المشهد الإيراني، لكن هل بإمكاننا التأكيد بأن أهداف هذه الضغوط قد تحققت؟ بالطبع لا. فإيران اليوم كما يتضح من القراءات لم تطبع علاقاتها مع الغرب ولا أصبحت معزولة عن العالم “إلا ما رحم ربي”.

سياسياً، كسرت طهران الكثير من قواعد الساسة الغربيين خلال العام ونصف العام الماضيين، فمع بدء المحادثات حول استئناف قطيعة السبع سنوات مع الجارة السعودية أظهرت إيران أنها قادرة على الخروج من صندوق العزلة، واليوم مع عودة العلاقات مع الرياض إلى شكلها الطبيعي “تقريباً” وتحسين العلاقات مع الإمارات والكويت ومصر، أعلنت بكل وضوح عن تحطيمها لهذا الصندوق.

ترى فورين أفيرز، أن السياسة الأمريكية فقدت فعاليتها وأن إيران تمكنت من تخريب المشروع الأمريكي في الأشهر الماضية من خلال التقرب من بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات وقطر وحتى الكويت.

إلى جانب السعودية، ردت دول عربية أخرى بحماس على المبادرات الإيرانية. فقد أعلنت أبوظبي عودة سفيرها إلى طهران بعد مفاوضات هاتفية منتصف عام 2022. في مارس المنصرم. وبينما كانت هناك أنباء عن استئناف العلاقات الإيرانية السعودية، التقى نائب وزير الشؤون القانونية والدولية الإيراني بوفد كويتي لبدء ترسيم الحدود البحرية. كما تسعى وزارة الخارجية الإيرانية لإعادة العلاقات مع البحرين.

وتسعى إيران إلى استئناف العلاقات مع الدول الأخرى خارج منطقة الخليج. ففي ديسمبر الماضي، أجرى وزير الخارجية الإيراني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي محادثات في الأردن لبحث إعادة العلاقات الدبلوماسية، التي قطعت في عام 1980 بعد أن منحت القاهرة ملاذاً لمحمد رضا بهلوي. وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الخارجية الإيراني، في اتصال هاتفي مع وزير خارجية دولة الإمارات، أن أمن منطقة الخليج مهم للجمهورية الإسلامية، وقال: يمكن لدول المنطقة ضمان أمن المنطقة دون تدخل أجنبي”.

تظهر المعطيات اليوم أن المنطقة لسببين تسير على مسار المزيد من الصداقات والتحالفات لتتخذ شكل نظام إقليمي جديد. السبب الأول هو تغيير السياسة الأمريكية، والثاني زيادة نفوذ إيران في المجالين النووي والإقليمي.

قد يعجبك

هل يزدهر التبادل السياحي بين إيران والسعودية بعد استئناف العلاقات؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى