إيران.. نواب البرلمان يصرون على تمرير قانون جديد لفرض الحجاب قبل شهور من الانتخابات التشريعية

لأشهر، لم تفعل السلطات الإيرانية شيئاً يُذكر لفرض القانون على النساء لتغطية شعرهن، ولكن الآن تسعى الحكومة إلى جعل الشركات ساحة جديدة لمعركة الحجاب.

ميدل ايست نيوز: لأشهر، لم تفعل السلطات الإيرانية شيئاً يُذكر لفرض القانون على النساء لتغطية شعرهن، ولكن الآن تسعى الحكومة إلى جعل الشركات ساحة جديدة لمعركة الحجاب.

تأتي هذه الإجراءات قبل الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات التي هزت البلاد بعد وفاة مهسا أميني في 16 سبتمبر (أيلول) في أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى سوء الحجاب. وشهدت الحملة التي شنتها قوات الأمن عقب ذلك مقتل أكثر من 530 شخصاً واعتقال أكثر من 22 ألف شخص.

وتعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بالقضاء على حركة «خلع الحجاب»، عاداً إياها «موجهة ومنظَّمة»، متوعداً بمحاسبة مَن سمّاهم «المنخرطين في مخطط الأعداء».

وقال رئيسي لحشد من المحافظين المؤيدين للسلطة: «كونوا على اطمئنان أن هذا التراجع في ارتداء الحجاب سوف يوضع له حد بكل تأكيد».

ورداً على تصريحات الرئيس الإيراني، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، إنه «لا ينبغي على النساء الإيرانيات أن يقلقن من استخدام السلطات الإيرانية تكنولوجيا المراقبة أو أي وسائل أخرى لفرض السيطرة عليهن».

وأضاف: «سنواصل اتخاذ إجراءات لدعم حقوق الإنسان والحريات الأساسية لشعب إيران، بما في ذلك النساء والفتيات في إيران، والعمل مع الحلفاء والشركاء لمتابعة مساءلة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان».

شبح اضطرابات جديدة

وبدأت السلطات منذ أسابيع بمداهمة المتاجر والشركات، حيث شوهدت النساء الموظفات أو الزبائن من دون غطاء رأس أو حجاب، مع انتشار النساء غير المحجبات في شوارع طهران.

ويناقش البرلمان الإيراني قانوناً من شأنه زيادة العقوبات على النساء غير المحجبات والشركات التي يترددن عليها.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن هذه التطورات قد تثير اضطرابات جديدة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العام المقبل، ومع معاناة اقتصاد البلاد من وطأة العقوبات الدولية على برنامج إيران النووي.

وتقول بروانة، وهي طبيبة عالجت المتظاهرين الذين أُصيبوا خلال مظاهرات العام الماضي: «إذا واجهتُ العقوبات والجزاءات، فسوف أرتدي الحجاب لأنني أعمل في الصدارة». وأضافت بروانة التي طلبت أن يُستخدم اسمها الأول فقط خوفاً من الملاحقة تقول: «لكن الشباب الذين عالجتُهم خلال الاحتجاجات لن يتراجعوا».

في إيران، لطالما كان الحجاب –الشادور (العباءة الفارسية)- رمزاً سياسياً أيضاً، لا سيما بعد أن صار إلزامياً في 1983، أي بعد سنوات من ثورة 1979.

بعد وفاة أميني، التي قُبض عليها بتهمة ارتداء غطاء رأس فضفاض، ترددت الشرطة في تطبيق قواعد الحجاب -ربما لتجنب المزيد من الاحتجاجات ومظاهر التحدي العلنية، غير أن النبرة تغيرت خلال الأسابيع الأخيرة.

منذ شهور، شرعت السلطات في إرسال رسائل نصية تحذيرية إلى النساء اللواتي شوهدن من دون حجاب في السيارات، حيث أُرسلت نحو مليون رسالة. ومع مرور الوقت، صودر نحو ألفي سيارة وأُحيلت أكثر من 4 آلاف امرأة إلى النيابة العامة، حسب وكالة «أسوشييتد برس».

بعد ذلك، بحثت قوات الأمن في مواقع التواصل الاجتماعي عن الشركات التي لديها صور للنساء غير المحجبات في أماكن العمل. وقد أُغلق أحد مكاتب شركة «ديجي كالا»، وهو موقع إلكتروني رقمي للبيع بالتجزئة يحظى بشعبية كبيرة ويضم أكثر من 40 مليون مستخدم نشط بصفة شهرية. كما أُغلق متجر «طاقجه» للكتب على الإنترنت، وشركة «أزكي» للتأمين لفترة وجيزة.

امتدت الحملة إلى خارج العاصمة طهران. وفي مدينة لاهيجان الشمالية، أمر مسؤولو الصحة المحليون المستشفيات والعيادات بوقف تقديم الخدمات للنساء غير المحجبات. وفي قضاء دماوند (40 ميلاً شرق طهران)، أمرت النيابة باعتقال مدير بنك بسبب توفير الخدمات لامرأة غير محجبة.

صارت مقاعد المقاهي الخارجية محظورة في مدينة مشهد شمال شرق البلاد، ويريد المتشددون في أصفهان حظر العمل المختلط بين الرجال والنساء في المحلات التجارية.

كما تجري مراقبة صناعة الترفيه كذلك. وهددت الشرطة بوقف إنتاج الافلام السينمائية التي تعمل فيها نساء من دون غطاء للرأس وراء الكاميرات.

كما أصدر القضاة أحكاماً على المشاهير من النساء المدانات بعدم ارتداء الحجاب، بالعمل في المشرحة خدمة عامة، بدلاً من السجن. كما يتعين عليهن الحصول على شهادة الصحة العقلية من طبيب نفسي قبل أن يتمكنّ من العودة إلى وظائفهن العادية.

صرف الأنظار

تقول هالة إسفندياري، الزميلة في مركز «ويلسون» في واشنطن، وهي مواطنة أميركية من أصل إيراني كانت محتجَزة في طهران عام 2007، إنه «بدلاً من معالجة المظالم المشروعة للناس، يواصل النظام التشويش على مسألة الحجاب، ويتصرف كما لو أن استمراره على قيد الحياة مرهون بما إذا كان النساء يرتدين ملابس محتشمة من عدمه».

من شأن مشروع قانون جديد معروض على البرلمان الإيراني أن يزيد من خطورة العقوبات المفروضة على النساء. وينص القانون على فرض غرامات مالية تصل إلى 360 مليون ريال إيراني (720 دولاراً أميركياً) وسجن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب. كما يدعو مشروع القانون إلى فصل أكثر صرامة بين الجنسين في المدارس والحدائق والمستشفيات وغيرها من الأماكن.

كما ينص القانون على فرض غرامات على الشركات التي تعمل فيها موظفات وعميلات لا يرتدين الحجاب، مع ما يصل إلى ثلاثة أشهر من دخلهن، في حين يمكن منع المشاهير المسيئين من مغادرة البلاد وأداء العروض الفنية.

ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن النائب المتشدد، مرتضى آقاتهراني، أن «نواب البرلمان يعملون حتى وقت متأخر في البرلمان من أجل المصادقة على قانون البرلمان».

ومن شأن مشروع القانون أيضاً تمكين وكالات الاستخبارات و«الباسيج» -وهي القوة التطوعية لدى «الحرس الثوري» الإيراني، والتي قمعت بعنف الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في الماضي- من مواجهة النساء من دون الحجاب.

وطالب المتشددون منذ فترة طويلة قوات الباسيج بدخول المعركة حول الحجاب، حيث هتف البعض في صلاة الجمعة في طهران: «أيها الحرس، انزلوا إلى الشوارع، وضَعوا حداً لخلع الحجاب!».

قالت راحلة كارغر نجاد (29 عاماً)، وهي من أشد مؤيدي ارتداء الحجاب: «هذا ما يأمر به الإسلام». وأضافت أن ابنتيها البالغتين من العمر 9 و11 عاماً ترتديان «الشادور».

لكن الانتقادات الموجَّهة إلى مشروع القانون المقترح لا تزال محتدمة بالفعل. وحذّر عزت الله ضرغامي، قائد سابق في «الحرس الثوري» ووزير التراث الثقافي الحالي، من أن العقوبات القاسية مثل العمل الإجباري في المشرحة «سوف تسبب مشكلات أكثر تأثيراً بدلاً من حل مشكلة الحجاب».

ألغت المحكمة العليا الإيرانية أمراً صادراً عن المحكمة يقضي باحتجاز سيارة امرأة غير محجبة لمدة عام وإلغاء ترخيصها، مما شكّل سابقة قانونية.

حتى إن لم يُمرر القانون، فقد وصف المحامي البارز محمود علي زاده طباطبائي، مشروع القانون بأنه لا معنى له لأن «غالبية النساء لا يؤمنَّ به». وأضاف: «سوف يكتشفون أن القانون غير قابل للتطبيق».

في الوقت نفسه، استغل السياسيون المعروفون في إيران بالإصلاحيين النزاع حول الحجاب في إطار سعيهم إلى تغيير الإصلاحات في إطار النظام الحالي. والواقع أن الرئيس السابق محمد خاتمي، وهو واحد من أبرز الإصلاحيين في البلاد، تساءل عما إذا كان فرض الحجاب «أمراً حكيماً ومثمراً».

مع هيمنة المتشددين على البرلمان، قد يصبح الحجاب موضوعاً متنازعاً عليه قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، في مارس (آذار).

لكنّ التعليقات المناهضة للحجاب قد لا تكون كافية لأن الإصلاحيين قد شهدوا تراجعاً في شعبيتهم بعد قمع احتجاجات المعيشية التي اندلعت في بداية عهد الرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، قبل شهور من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وكذلك قمع احتجاجات البنزين في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

وانعكس قمع احتجاجات عامي 2017 و2019 على نسبة الإقبال على الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة، حيث سجلت مستوى عزوف قياسياً.

وتمثل الانتخابات التشريعية المقبلة اختباراً آخر للسلطات. وشدد المرشد الإيراني علي خامنئي، في تصريحات سابقة هذا العام، على ضرورة رفع نسبة المشاركة في الانتخابات.

في الشوارع، لا يزال الكثير من النساء والفتيات الإيرانيات يتخلين عن الحجاب رغم العواقب المحتملة.

قالت موجغان (37 عاماً)، وهي معلمة في المدرسة الثانوية: «بعد أن سمعت عن مشروع القانون اتخذت قراري؛ سوف أذهب إلى مدرستي مرتدية الحجاب الكامل، ولكنني أشجع طالباتي على خلعه كلما كان ذلك ممكناً». وأضافت: «تلميذاتي سبقنني إلى ذلك بالفعل».

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى