بريكس الجديدة.. ماذا يعني اقتصادياً ضم 6 أعضاء جدد للمجموعة؟
في خطوة تهدف إلى توسيع نفوذها العالمي ومواجهة النفوذ الأميركي وتخفيف الضغوط عن الصين وروسيا، قررت مجموعة "بريكس" توسيع عضويتها لتضم دولاً جديدة.
ميدل ايست نيوز: في خطوة تهدف إلى توسيع نفوذها العالمي ومواجهة النفوذ الأميركي وتخفيف الضغوط عن الصين وروسيا، قررت مجموعة “بريكس” توسيع عضويتها لتضم دولاً جديدة.
واتفق زعماء البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا على توسيع مجموعة بريكس في قمة عقدت هذا الأسبوع في جوهانسبرغ، وسيكون التوسع الأول منذ عام 2010. وقال رئيس جنوب أفريقيا الذي استضافت بلاده اجتماع بريكس سيريل رامافوزا، أمس الخميس، إن مجموعة “بريكس” دعت كلاً من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات للانضمام إلى مجموعة الأسواق الناشئة.
وقال رامافوزا في ختام قمة بريكس في جوهانسبرغ، إن الدول ستنضم إلى التحالف الجيوسياسي المكون من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا في بداية العام المقبل باعتبارها “المرحلة الأولى من عملية التوسع” للمجموعة التي تسعى إلى بناء نظام موازٍ للنظام العالمي الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقالت مصادر وكالة “بلومبيرغ” إن مصر ودولا أخرى في الشرق الأوسط مدعوة للانضمام، على الرغم من أن القائمة كانت لا تزال قيد المناقشة في وقت متأخر من يوم الأربعاء. وشرحت المصادر أن مجموعة أكبر من الدول يمكن أن تساعد في مواجهة هيمنة مجموعة السبع على الشؤون العالمية. ووفق بلومبيرغ، فإن انضمام السعودية المحتمل إلى بريكس من شأنه أن يعزز محاولات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد بلاده، وهو جهد جعلها أقرب إلى روسيا والصين في السنوات الأخيرة.
وتعد الصين أهم عميل نفطي للمملكة، بينما تعتمد على العلاقات مع روسيا للمساعدة في دعم أسعار النفط الخام من خلال أوبك+. وتحرص دول الخليج على الانضمام إلى التكتلات التجارية الكبرى في إطار سعيها إلى توسيع العلاقات التجارية والتطور كمراكز عبور عالمية.
وكان الدافع وراء توسع عضوية التحالف إلى حد كبير هو الصين، لكنه حظي بدعم روسيا وجنوب أفريقيا. وكانت الهند تشعر بالقلق من أن مجموعة بريكس الكبرى قد تحول المجموعة إلى ناطق بلسان الصين، في حين كانت البرازيل قلقة بشأن تنفير الغرب. ويلاحظ أنه رغم المعارضة التي أبدتها الهند تجاه توسيع مجموعة بريكس بحجة أن التوسيع سيضعف الكتلة الجديدة وربما يزيد من عدائها للولايات المتحدة التي تجمعها بها علاقات شراكة اقتصادية قوية، إلا أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عاد للموافقة يوم الأربعاء، ودعم قبول الأعضاء الجدد.
وحسب مراقبين، فإن الدول الست التي قبلت عضويتها بينها بعض شركاء الدفاع الاستراتيجي لنيودلهي، مثل الإمارات ومصر، وربما يكون ذلك من العوامل التي خففت معارضة مودي لتوسيع بريكس.
من جانبه، قال الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، إن الأعضاء الجدد سيزيدون حصة بريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 32 في المائة إلى 37 في المائة على أساس تعادل القوة الشرائية.
ويقدر حجم بريكس حالياً من حيث الناتج المحلي بنحو 27.5 تريليون دولار. لكن يبقى السؤال لماذا قبلت بريكس عضوية هذه الدول الست من بين 23 دولة تقدمت بطلبات للانضمام للمجموعة؟
بحسب تحليل بمعهد السلام الأميركي فإن أعضاء مجموعة بريكس الجدد يضيفون تحدياتهم الخاصة للمجموعة. إذ تواجه إيران العقوبات الأميركية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، في حين أثارت الاشتباكات الجديدة في إثيوبيا مخاوف بشأن الاستقرار الداخلي بالبلاد.
كما تواجه مصر ضغوطاً اقتصادية ومالية حادة وانهياراً بالجنيه المصري، وكذلك تعاني الأرجنتين من أزمة مالية حادة أجبرتها على خفض قيمة عملتها الوطنية، البيزو بشكل حاد ورفعت أسعار الفائدة في أعقاب الفوز المفاجئ في الانتخابات التمهيدية الذي حققه الليبرالي اليميني المتطرف خافييرميلي.
إضافة إلى ذلك، تواجه بريكس بقبولها عضوية الدول الست معضلة في صنع القرار في المستقبل، حيث هنالك تناقضات عديدة بين الأعضاء الجدد، خاصة بين مصر وإثيوبيا بخصوص سد النهضة وخلافات بين الرياض وطهران. وحسب تحليل معهد السلام الأميركي، فإن القرار يتخذ بداخل مجموعة بريكس بالإجماع، وإن إضافة المزيد من الأعضاء يعني أن التوصل إلى توافق في الآراء سيكون أكثر صعوبة، حيث إن كل دولة لها مصالحها وأولوياتها وعلاقاتها الخاصة.
كما يشير التحليل إلى أن هنالك تعارضاً في المصالح بين طهران والرياض، وعلى سبيل المثال، ستكون إيران سعيدة للغاية إذا اتبعت المجموعة خطى الصين وروسيا في بناء نظام عالمي بديل للنظام القائم حالياً الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن دولة مثل السعودية، على الرغم من المشاكل العديدة في علاقتها مع واشنطن، من المرجح أن تكون أقل ميلاً نحو مثل هذا التوجه، لأنها تقدر علاقاتها الأمنية مع الولايات المتحدة.
وعلى مستوى المنافع من عضوية الدول الست من التحالف، يقول تحليل لمصرف “آي أن جي” الهولندي، إن مجموعة بريكس ستستفيد من عضوية الدول المصدرة للنفط، وهي إيران والإمارات والسعودية، لأن عضويتها تتوافق مع أهداف تحالف “بكين ــ موسكو” الذي يقود المجموعة، فالصين أكبر مستورد عالمي للنفط والغاز الطبيعي، كما روسيا لديها أهداف في الهيمنة على سوق الطاقة العالمي. وربما يؤدي انضمام هذه الدول النفطية الكبرى إلى تعميق الحوار حول استخدام العملات غير الدولار في تجارة النفط، وبالتالي محاصرة هيمنة الدولار على التجارة العالمية واحتياطات البنوك المركزية.
من جانبه يرى الخبير المصرفي، نيوكلاس لارسن في تحليل بمجلة” بانكر إنترناشونال”، إن قبول عضوية السعودية في بريكس سيدعم بنك التنمية الجديد مالياً الجاري تأسيسه في إطار التحالف، ويمكن أن يعزز قدرة بنك التنمية الآسيوي على إقراض البلدان النامية بأسعار أكثر جاذبية من البنك الدولي وصندوق النقد(IMF).
ويعاني بنك التنمية الآسيوي (ADB) من قدرته على الإقراض بشكل تنافسي. واعترف بيان صادر عنه أخيراً بذلك، إذ قال إنه “في الشرق الأوسط، نولي أهمية كبيرة للسعودية ونشارك حالياً في حوار مثمر معها”. ويواجه البنك أزمة في الأموال الفائضة للإقراض في الوقت الحاضر، خاصة بعد نشوب الحرب الأوكرانية، نظرًا لأن روسيا تمتلك ما يقرب من 20% من أسهم البنك، في حين أن موسكو غارقة في وابل من العقوبات الاقتصادية الغربية ردًا على غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام 2022.
وكان بنك التنمية الآسيوي يمتثل للعقوبات الغربية، وسرعان ما بدأ في استنزاف السيولة من أدوات الإقراض الخاصة بالبنك، على الرغم من إصراره على أنه خيار منخفض المخاطر لأعضاء بريكس. وأعلن البنك، بعد أيام قليلة من الغزو أنه سيوقف جميع أنشطة تمويل المشاريع الجديدة في روسيا وحلفائها. ويرى الخبير المصرفي لارسن أن عضوية السعودية وربما إلى حد ما الإمارات ستساهم في ضخ السيولة التي يحتاجها البنك بشدة في السنوات المقبلة.
أما بالنسبة لعضوية إيران، فيرى محللون أن لدى كل من الصين وروسيا مصالح اقتصادية وتجارة طاقة ضخمة مع إيران، حيث وقعت بكين اتفاقية قيمتها 300 مليار دولار للاستثمار في النفط والغاز الإيراني لمدة 25 عاماً، كما أن شركاتها تستفيد من شراء النفط الإيراني الرخيص. ولدى موسكو اتفاقيات طاقة مع إيران وتعمل شركاتها في بعض الحقول الإيرانية، كما أنها من أسواق السلاح المهمة في الشرق الأوسط لشركات الدفاع الروسية.
وبالتالي يرى محللون، أن انضمام إيران سيضيف المزيد من القوة الاقتصادية والهيمنة على صناعة النفط والغاز في الشرق الأوسط لكبار أعضاء بريكس، لأنها تمتلك حوالي ربع احتياطيات النفط في الشرق الأوسط وثاني أكبر احتياطيات للغاز في العالم.
ولاحظ خبراء، أن الصين لم تعد في حاجة إلى مجموعة بريكس بقدر احتياج المجموعة إليها، إذ أصبحت العلاقة بين الصين وروسيا أقوى، بينما تدهورت العلاقات بين الصين والهند بشكل كبير. لذا فإن قيمة الهند بالنسبة لمجموعة بريكس أو العكس ليست هي نفسها التي كانت عليها قبل عقد من الزمن.
وأظهرت جميع البلدان الأعضاء في الأعوام الأولى لتكوين بريكس علامات على النمو المرتفع، ولكن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها. في هذا الصدد يقول الخبير ستيفن غرينفيل لمعهد لوي الأسترالي أن المجموعة فشلت حتى الآن في تقديم مساهمات ملموسة لأعضائها.
ويقول خبير أوروبي في هذا الصدد: “سيكون من الصعب لعديد من الأعضاء الجدد الحصول على الفوائد الكاملة من مجموعة بريكس دون التوافق مع واشنطن، خاصة بالنسبة للأعضاء تحت العقوبات الغربية مثل إيران. وتحتاج طهران مثلا للتقنية الغربية والتمويل، وهو ما لا يمكن توفره دون رفع العقوبات الأميركية.