لماذا قد تدعم روسيا والصّين إيران في مسعاها النّوويّ؟
ثمّة الكثير من المتغيّرات التي لا تزال مجهولة والتي يمكن أن تدفع الدولتين إلى مدّ يد العون النوويّ لإيران في مرحلة ما من المستقبل.

ميدل ايست نيوز: في مقالة نشرتها مجلّة “فورين أفيرز” الخميس، تخوّف الباحثان في “مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيّات” و”مجلس العلاقات الخارجيّة” رويل مارك غيركت وراي تقيّه من أنّ تغيّر الصين وروسيا موقفهما السابق بشأن تفادي امتلاك إيران أسلحة نوويّة. فروسيا ستنظر إلى اختراق طهران العتبة النوويّة كسخرية من تعهّدات الأميركيّين بعدم حصولها على هذه الأسلحة. وسيكسب الرئيس الروسيّ من مساعدة حليفه “إذلالاً” لواشنطن والإضرار بموقفها الشرق أوسطيّ.
من جهة الرئيس الصينيّ شي جينبينغ، دائماً من منظور المحلّلَين، ستسرّع القنبلة النوويّة خروج أميركا من الشرق الأوسط بوجود جمهور يشكو دوماً من “الحروب التي لا نهاية لها”. بالنسبة إلى بكين التي “تصوّب” دوماً على تايوان، سوف تكون التداعيات العالميّة لإيران نوويّة “مفيدة على الأغلب”.
لا جدال في استفادة الصين وروسيا من تعرّض أميركا لهزيمة شرق أوسطيّة أخرى. لكنّ تحديد حجم الهزيمة دونه إشكاليّات. هل من الضروريّ أن ترقى الهزيمة إلى انسحاب أميركيّ من المنطقة؟ وهل من الضروريّ أن تتحقّق عبر إيران نوويّة؟ وهل تتّفق روسيا والصين أساساً حول نظرتيهما إلى حدود القوّة الإيرانيّة؟ هي مروحة كبيرة من الأسئلة التي تصعّب قراءة الموقف الحقيقيّ لهاتين الدولتين بالسماح لإيران، إن لم يكن بمساعدتها، على امتلاك التكنولوجيا النوويّة.
إذا كان حصول طهران على السلاح النوويّ مهيناً لتعهّدات الأميركيّين، وهو كذلك إلى حدّ بعيد، فمن غير المحتّم أن يُترجم بانسحاب أميركيّ من المنطقة. ربّما يحصل العكس مع طلب دول الخليج بقاء المظلّة الأمنيّة الأميركيّة. حتى من دون هذا الطلب، ما من مبرّر منطقيّ لاتّخاذ الولايات المتحدة هذه الخطوة. لم يمنع التطوّر السريع في الترسانتين النوويّتين لكوريا الشماليّة والصين بقاءَ الجيش الأميركيّ في كوريا الجنوبيّة واليابان ومنطقة الإندو-باسيفيك ككلّ. علاوة على ذلك، من غير المتوقّع إعلان إيران في أيّ وقت قريب أنّها أصبحت دولة نوويّة: سيحرمها ذلك من ورقة ضغط كبيرة لانتزاع التنازلات تلو الأخرى من الأميركيّين، كما أنّها قد تعرّض نفسها لضربة أميركيّة، وإن كان هذا الاحتمال غير كبير.
حسابات الصّين المحتملة
بحسب الصورة الكبرى، لن تكون الصين على الأرجح مستعجلة لحصول إيران على السلاح النوويّ. سيمثّل حدث كهذا إيذاناً بانطلاق سباق تسلّح نوويّ في المنطقة. بالرغم من التقدّم الدبلوماسيّ الذي حقّقته بكين في الشرق الأوسط، لا تزال بصمتها الأمنيّة والعسكريّة ضعيفة للغاية بالمقارنة مع الحضور العسكريّ الأميركيّ. معنى ذلك أنّ الصين لن تستفيد، وربّما لن ترغب، بالانحساب الأميركيّ المفترض ولا بتداعيات سباق تسلّح في المنطقة يعرقل بشكل أو بآخر “مبادرة الحزام والطريق” أو حتى نموّ اقتصادها بفعل ارتفاع مرجّح في أسعار الطاقة.
بالمقابل، يمكن أن يجسّد إشغال الولايات المتحدة بحماية الشرق الأوسط نقطة إيجابيّة لتخفيف ضغطها عن شرق وجنوب آسيا. لكنّ تحديد هذا “الإشغال” نظريّ إلى حدّ بعيد. ربّما تكون واشنطن قادرة على إيجاد التوازن المنشود بين المنطقتين، مع نجاحها الأخير بتعزيز تحالفاتها في المنطقة. من ناحية أخرى، لا تزال العلاقات بين الصين ودول الخليج أكثر متانة من علاقاتها مع إيران. التساهل الصينيّ المفترض مع طهران في اختراقها العتبة النوويّة يوتّر هذه الروابط بالحدّ الأدنى. لذلك، يعتقد الأستاذ المساعد للشؤون الدوليّة في كليّة بروكسل للحوكمة غي بورتون أنّ من شروط الصين لتحسين العلاقات الاقتصاديّة مع إيران، عودة الأخيرة إلى الاتّفاق النوويّ، بالرغم من إشارته إلى ضآلة هذا الاحتمال لدى الجانب الإيرانيّ.
أيّ نظرة لدى الرّوس؟
تبدو الحسابات المحتملة لدى الروس تجاه إيران نوويّة أكثر التباساً. على عكس الصين، بات المسار العالميّ لروسيا اليوم انحدارياً إلى حدّ كبير. سبب ذلك الأساسيّ التعثّر في حرب أوكرانيا. من بين الأمثلة على هذا المسار، تحوّل كوريا الشماليّة إلى ملجأ روسيا شبه الأخير للحصول على ذخائر، وتحوّل كوبا إلى أحد المصادر للحصول على مقاتلين. حتى في حال فشل الهجوم الأوكرانيّ المضاد، ستقيّد العقوبات نهوض روسيا العسكريّ والاقتصاديّ في المدى المنظور من دون أن يمحو ذلك عجز روسيا عن احتلال كييف. ستحمّل موسكو الغرب مسؤوليّة إخفاقاتها العسكريّة وربّما ضمورها العالميّ، ويمكن أن تكون إيران نوويّة إحدى وسائل الردّ على الأميركيّين والأوروبيّين. على مستوى الصورة الكبيرة، إذا كانت روسيا على طريق “الغرق”، وبالتحديد إذا كان هذا تصوّرها المستقبليّ عن نفسها، فقد لا تخشى “التبلّل” فعلاً بمساعدة إيران في تكنولوجيا التسليح النوويّ.
في الوقت نفسه، للروس حسابات قريبة إلى حدّ ما من حسابات الصينيّين في ما يخصّ الحفاظ على علاقات إيجابيّة مع دول الخليج. لكن بعكس بكين، تدين موسكو لطهران بالأسلحة التي تقدّمها الأخيرة إليها. مع ذلك، من غير الضروريّ أن يكون “الثمن” الذي تدفعه روسيا مقابل المساعدة العسكريّة الإيرانيّة منحَ طهران تكنولوجيا الأسلحة النوويّة. ربّما يكون خيار مقاتلات “سو-35” (أو قبل ذلك ياك-130) أكثر أماناً، نسبياً.
عوامل أخرى
أصبحت إيران عند عتبة الاختراق النوويّ، هذا إن لم تجتزها منذ زمن. وهي تحتاج إلى نحو عام ونصف إلى عامين لتحويل اليورانيوم المخصّب إلى سلاح متكامل. إذا كانت إيران ستصل عاجلاً أم آجلاً إلى هذا الهدف فسيكون من الصعب رؤية المكاسب التي ستحقّقها كلتا الدولتين من وراء تسريع هذه العمليّة. بالنسبة إلى الصين على الأقلّ، ثمّة أوراق أخرى يمكن أن “تؤذي” أميركا باستخدامها مثل دعم روسيا عسكرياً في أوكرانيا، وهو ما تمتنع عنه لغاية اليوم (أقلّه ليس بطريقة تقلب موازين القوى).
حتى بالنسبة إلى روسيا، لن تنعكس مساعدة إيران نووياً بصورة إيجابيّة على محيطها الذي يرتاب ويمكن أن يرتاب من سياساتها، أو على صورتها في “الجنوب العالميّ”. وإذا أرادت روسيا تقديم مساعدات نوويّة إلى إيران، فسيكون التساؤل عن موقف، وربّما ردّ الصين على الخطوة الروسيّة مشروعاً، إذا كانت الأخيرة تهدّد مصالح بكين الشرق أوسطيّة.
ثمّة الكثير من المتغيّرات التي لا تزال مجهولة والتي يمكن أن تدفع الدولتين إلى مدّ يد العون النوويّ لإيران في مرحلة ما من المستقبل. لكنّ هذه الخطوة بعيدة من أن تكون مؤكّدة لغاية اللحظة؛ لا يلغي ذلك أنّها فرضيّة تستحقّ النقاش إن لم تكن نقاشات متتابعة.