ما حدود الرقابة على المحتوى المرئي في إيران وما هي آلياتها؟

تعتمد الرقابة في إيران على مجموعة من السياسات والهيئات التي تهدف إلى تنظيم ومراقبة وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وكل محتوى تبثه الإذاعة والتلفزيون في البلاد.

ميدل ايست نيوز: تعرّف الرقابة بأنها عملية منع أو تقييد الوصول إلى المعلومات أو التعبير عن الآراء ووجهات النظر والأفعال أو نشر محتوى يعتبر غير مرغوب فيه أو مخالفاً للقوانين والمعايير الاجتماعية والدينية لدولة أو مجتمع ما.

تشهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية تاريخاً طويلاً من ممارسة الرقابة على الإعلام والتلفزيون والسينما. بدأت أولى أنشطة الرقابة بعد انتصار الثورة السلامية عام 1979، أي منذ أكثر من أربعة عقود، وتعتمد هذه الرقابة على مجموعة من السياسات والهيئات التي تهدف إلى تنظيم ومراقبة وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت وكل محتوى تبثه الإذاعة والتلفزيون في البلاد.

ينص الدستور الإيراني على أن الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين يجب أن تكون متوافقة مع المبادئ الإسلامية والمصالح الوطنية والأمن القومي والنظام العام والأخلاق العامة والحقوق والحريات الأساسية للآخرين، ومن هنا جاءت قوانين الإعلام والاتصالات التي تنص على فرض رقابة تلفزيونية واسعة على وسائل الإعلام والإنترنت والفن والتعليم والأدب والدين، وحظر أو الحد من نشر أو تلقي أو نقل أو تبادل أو تخزين أو استخدام أي محتوى يعتبر مخالفا للقوانين والمعايير الإسلامية.

تفرض إيران سيطرة كاملة على المحتوى الذي ينشر على وسائل الإعلام، لا سيما المنصات التابعة لها والمتحدثة باسمها، وتتخذ سلطات البلاد إجراءات صارمة للتحكم في الصحف والتلفزيون والإذاعة، وتمنع أي تقارير أو مواد إعلامية قد تكون معارضة بشدة للسلطة أو تنتقد النظام الحاكم أو تسيء للمرشد الأعلى بصفته الشخصية الأبرز والأهم في الساحة الإيرانية.

توكل مهام الرقابة في البلاد إلى العديد من الأجهزة والمؤسسات الحكومية مثل السلطة القضائية ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي وهيئة السينما التي تصدر أوامر بشكل مستمر لمراقبة وتنظيم محتوى وسائل الإعلام والأعمال السينمائية والموسيقى والكتب. وتتخذ هذه الهيئات إجراءات قانونية بحق صنّاع المحتوى والمخرجين والصحفيين الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء المفروضة.

وأكثر من هذا، فقد واجهت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت الأجنبية قيوداً صارمة فرضتها السلطات في البلاد في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في سبتمبر من عام 2022، ونتج عنها حظر كامل لأشهر تطبيقات المراسلة والتسوق والتواصل، حيث يجبر الإيرانيون على دفع المال مقابل شراء خدمات كاسر الحجب (VPN) للوصول إلى هذه المواقع.

منذ أيام ليست بالكثيرة، أظهر تقرير إحدى الشركات الدولية الناشطة في خدمات الإنترنت وتدعى “سيرف شارك” أن إيران شهدت في الشتاء والربيع الماضيين أكبر عدد من القيود الجديدة على شبكة الإنترنت في العالم، وقالت إن عدد القيود الجديدة على الإنترنت المفروضة حول العالم خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بلغ 42 قيداً، حيث استحوذت إيران على ثلث هذه القيود. وبناء على هذا التقرير، فقد احتلت إيران المركز الثاني في الرقابة على الإنترنت في قارة آسيا.

في يونيو المنصرم، وبعد أن وصلت موجة الرقابة والقيود على الإنترنت إلى ذروتها في إيران، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركة إيرانية وشركة تابعة لها مقرها في الإمارات واثنين من مسؤوليها لضلوعهم في فرض رقابة على الإنترنت في إيران. وفق ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط.

أما بخصوص الرقابة على السينما، فمن لديه اطلاع على محتوى الأفلام والمسلسلات التي تبث على الشاشات التلفازية والمنصات المخصصة لأعمال السينما حول العالم سيرتطم بطابع غريب بمجرد أن يلقي نظرة على المحتوى المرئي الذي تستورده إيران من السينما الأجنبية وتعرضه على شاشاتها، حيث يمارس عليه مختلف أنواع الرقابة ابتداءً من الترجمة وانتهاء بحذف اللقطات ولعب في المشاهد والأدوار والعديد من الممارسات الرقابية الأخرى التي يدّعي القائمون عليها أنها تتماشى مع قوانين البلاد والقيم والمعايير الإسلامية.

تناقلت وسائل إعلام إيرانية في الأمس واقعة أثارت جدلاً واسعاً بين الأوساط الإيرانية تؤكد مدى صرامة الرقابة في إيران، لا سيما على البثوث المباشرة. وبدأت القصة يوم الأحد الفائت عند افتتاح بطولة العالم للمصارعة، ومن البديهي في مثل هذه الأحداث أن يمسك حكم المباراة يد اللاعب الفائز ويرفعها للأعلى معلناً انتصاره على خصمه، إلا أن التلفزيون الإيراني لم يتمالك نفسه عند هذه اللحظة وقام بقطع البث المباشر بشكل مفاجئ وذلك لأن الحكم وخلافاً للمتوقع كانت فتاة.

لنستعرض سويةً أهم الوقائع التي أجبر فيها التلفزيون الإيراني ومحطات أخرى على قطع نشراتها وبثها أو اجتزاء لقطة من مسلسل أو فيلم ما امتثالاً لقوانين الرقابة:

مسلسل أوشن الشهير

لعلّ أغرب وأول رقابة تمارس على محطات الإذاعة والتلفزيون في إيران يمكن تسميتها بمسلسل “أوشن” (Oshin). فكرة المسلسل العالمي هذا تدور حول “يوكو تاناكا” النجمة اليابانية التي قدمت دور أوشن. وكانت أوشن هذه في “النسخة الإيرانية” تعتبر امرأة لطيفة ومحبة للخير وخلوقة للغاية، إلا أنها في النسخة الأصلية اليابانية تعمل في بيت للدعارة لتعيل زوجها بعد إفلاسه، حيث قام التلفزيون الإيراني بإجراء تعديلات على المشاهد والسيناريو وصنع مسلسله الخاص وفق الطراز القانوني للرقابة التلفزيونية.

مسلسل الجيش السري

الجيش السري أو (Secret Army) مسلسل بلجيكي تم بثه بين عامي 1977 و 1979 على قناة بي بي سي والتلفزيون الوطني البلجيكي. وعرض أيضاً على شاشات التلفزيون الإيراني بعد أن طرأت عليه العديد من التغييرات في النص والشخصيات لكنه لاقى ترحيباً من الإيرانيين، لكن بعد سنوات من عرضه وبعد أن احتكر التلفزيون الإيراني البث لصالحه بعد انتشار مواقع التواصل ومنصات عرض المحتوى المرئي بكثرة، لاحظ الجمهور القديم لهذا المسلسل الفاجعة الفنية التي حلت بشخصيات وسرد المسلسل بعد أن فرضت عليها قوانين الرقابة.

كابتن ماجد و وال أي

لم تقتصر الرقابة التلفزيونية على أفلام ومسلسلات البالغين فحسب، بل شملت الرسوم الكرتونية أيضًا. أحد أغرب ممارسات الرقابة فرضت على الرسوم المتحركة الشهيرة “Wall-E”. تدور أحداث هذا الفيلم الكرتوني حول روبوتين يقعان في الحب، حيث يتم تغيير جنس الربوت الأنثوي إلى ذكر، لينقلب بهذا السحر على الساحر وتتحول المشاهد في النسخة الإيرانية لهذا الفيلم إلى لقطات لشخصيتين “مثليتين” يقعان في الحب.

يعد “كابتن ماجد” المسلسل الكرتوني الشهير أحد أكثر الرسوم اليابانية المتحركة رواجاً في إيران على غرار الدول العربية والغربية، إلا أن الحال يختلف هنا كونه خضع لقوانين الرقابة التلفزيونية وبث على محطات التلفزيون تحت اسم “لاعبو كرة القدم” بعد إجراء تعديلات جسيمة على شخصياته ومشاهده تختلف بدرجات كبيرة عن النسخة الأصلية.

هناك العديد من الأمثلة للرقابة التلفزيونية الممارسة على المحتوى المرئي في إيران، لدرجة تصل بالمشرفين القائمين على هيئة الرقابة بحذف لقطات من مسلسلات وأفلام إيرانية بشكل سنوي بحجة أنها لا تتوافق مع القوانين والمعايير الإسلامية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 + اثنا عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى