إيران والمهاجرون الأفغان… عندما يتحول العمل الإنساني إلى أزمة
تعاني إيران منذ ما يقارب الثلاثة عقود من تزايد ملحوظ في أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها.
ميدل ايست نيوز: تعاني إيران منذ ما يقارب الثلاثة عقود من تزايد ملحوظ في أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إليها. ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم في شتى قطاعات البلاد غدت هذه الظاهرة أزمة تضرب أطنابها في مجالات الحياة وتهدد الاقتصاد والتركيبة السكانية في عموم المحافظات الإيرانية، لا سيما وأن مساعي الحكومة في ظل الحظر الأجنبي وسوء الإدارة الداخلية لم تنجح في انتشال البلاد من كبوَتها الاقتصادية المتعاظمة، ومديونيات الموازنة العامة المتراكمة.
تصدّر عنوان المهاجرين الأفغان في الأسابيع القليلة الماضية مختلف وسائل الإعلام المحلية في إيران وبات حديثاً يومياً تتهافت خلفه التحليلات الصحفية وتتحدث عن عواقب إهمال ملف المهاجرين غير الشرعيين من قبل سلطات البلاد لما له من نتائج كارثية على التوزع السكاني والهيكل الاقتصادي.
بالأمس، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إيران، فيديو لمهاجرين أفغان يدخلون بطريقة غير شرعية إلى جزيرتي كيش وقشم عبر القوارب، ليعيد إلى الواجهة خطورة العبثية في استقبال المهاجرين ويطرح تساؤلات كثيرة إزاء مستوى إدراك صنّاع القرار لمخاطر الهجرة غير الشرعية على بلد منهك اقتصادياً وعن سبب فتح أبواب الحدود مع أفغانستان على مصراعيها لاستقبال هذا العدد الهائل من المهاجرين الذي تجاوز حسب إحصاءات عتبة الـ 8 مليون أفغاني.
لا تكاد تنديدات الإيرانيين والشخصيات البارزة، لا سيما من هم تحت سقف البرلمان، تنتهي لتعاود مرة أخرى بالظهور على ذات السياق وتطالب بوضع حد لوجود المهاجرين في البلاد، فقد رأى الكثير منهم أن ازدياد أعداد المهاجرين يفاقم من أزمة البطالة بين الشباب الإيراني ويفرز تهديدات أمنية واجتماعية مدمرة.
وفيما تتوالى التقارير والإحصاءات حول العدد التقريبي للمهاجرين الأفغان الذين قدموا إلى إيران في العقود الثلاثة الماضية واستقروا فيها، قال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشة، إن مسؤولي وزارة الداخلية يتلاعبون بالإحصاءات خوفاً من إظهار عمق الكارثة والتشكيك في عدم مقدرتهم على إجراء خطة معينة تتعلق بملف المهاجرين.
يضيف هذا المسؤول السابق: قدمت طهران “إحصائيات صادمة” حول وضع المهاجرين الأفغان في إيران، وأعلنت أن 10 آلاف شخص من أفغانستان يدخلون إيران يوميا.
وبعد أسابيع على تصريحات فلاحت بيشة التي أشعلت الشارع الإيراني ودقت ناقوس الخطر من أهوال هذا الأمر، نفى وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، هذه التصريحات وقال “إن ما يمكن تأكيده هو وجود 5 ملايين أفغاني في البلاد، بينهم مهاجرون رسميون وغير رسميين”.
يقول خبراء في الشؤون الاجتماعية، إن أحد أهم المخاوف هو تداعيات وجود ما بين 5 إلى 8 ملايين مهاجر أفغاني في السوق الإيرانية، ورأوا أنه رغم فعالية بعض المهاجرين الشرعيين وحتى غير الشرعيين في ملء الفراغ وسد النقص في الموارد البشرية في البلاد، إلا أنهم في المقابل حرموا المواطن الإيراني من فرص كبيرة.
حسن صادقي، وهو نائب الأمين العام لدار العمال ورئيس اتحاد كبار السن في المجتمع العمالي، أكد أن “العاطفة سيطرت على أجواء البلاد وحلت محل العقل وقضت على ما لدينا من بصيرة”، موضحًا: أضحت إيران اليوم بلداً يستضيف المهاجرين دون تمييز من جهة، ووجهة إقليمية لتصدير أفضل وأكفأ القوى الشابة ذات المستوى العلمي العالي لدول الخارج من جهة أخرى.
وأضاف: تشير التقديرات إلى أن أكثر من 7 ملايين نسمة من الإخوة والأخوات الأفغان قد دخلوا إيران عبر طرق قانونية وغير قانونية. ومن الطبيعي أن تستمر هذه العملية، بحيث يمكن التنبؤ بوجود 10 ملايين مهاجر أفغاني في البلاد في المستقبل القريب.
مدارس إيرانية أم أفغانية؟
بعد المضايقات التي واجهت المهاجرين غير الشرعيين في إيران بشأن عدم امتلاكهم أي مؤهلات للحصول على إقامة، لجأ نزر يسيرٌ منهم بل أكثرهم إن صح القول، للالتفاف على القانون عبر تسجيل أطفالهم في المدارس ليكسبوا ورقة رابحة تضمن لهم البقاء وعدم التفكير بالعودة إلى بلادهم. فما هو رائج بين المهاجرين الأفغان أنه لو أردت البقاء في إيران ما عليك سوى أن يتردد أطفالك إلى المدرسة وبهذا تصبح مقيماً شرعياً، الأمر الذي وسع من حجم الهوة في القطاع التعليمي والمشاكل المالية التي تشكل أحد أهم التحديات أمامه، فإيران وفق إحصائيات اليونسكو والبنك الدولي لعام 2022، تنفق حوالي 10 تريليون تومان على تعليم المهاجرين لديها.
كيف يدخل الأفغان إلى إيران؟
عبد الرضا داوري، المستشار السابق للرئيس السابق أحمدي نجاد، كتب في منشور على منصة إكس “تويتر سابقاً” أن ما لا يقل عن 3 ملايين مهاجر أفغاني دخلوا إيران العام الماضي. ويبدو أن هذا العدد سيرتفع هذا العام بسبب ارتفاع وتيرة إصدار التأشيرات في أفغانستان للدخول إلى إيران، وصحيحٌ أن هؤلاء الأشخاص يدخلون إيران بشكل قانوني وبتأشيرات زيارة أو سياحة أو علاج، غير أنهم يبقون في البلاد بشكل غير شرعي.
من ناحية أخرى، يتضح من المعطيات أن حركة طالبان ضليعة بشكل أساسي في هذا الأمر وتعمد على الضغط على الأفغان وترحيلهم إلى إيران، لا سيما الهزارة، إذ أنه لا تمتلك القدرة على توفير الحد الأدنى من مستويات المعيشة لهم، فتقوم بتصديرهم إلى محافظات إيران لتحل مشاكلها الاقتصادية من جهة، وتجني أرباح طائلة من رؤوس الأموال والنقد الأجنبي من جهة أخرى.
يقول نشطاء حقوق العمال في إيران إن البلاد أصبحت اليوم أكاديمية فنية ومهنية للأفغان. لأنه يتم قبولهم كقوة عمل غير محترفة في البلاد وعندما يصلون إلى مراحل عالية من الاحترافية وتنفق عليهم أموال من ميزانية البلاد يقومون بالهجرة إلى بلدان أخرى.
إقرأ أكثر
من الصحافة الإيرانية: السياسات تجاه المهاجرين الأفغان وفجوة في سوق العمل الإيرانية