لماذا يعيش السوق الإيراني حالة تقلب في الأسعار رغم صادرات النفط القياسية؟

لطالما أثارت إحصاءات شركات تتبع ناقلات النفط والتي أكدها أيضاً مسؤولون إيرانيون موجة من الجدل بين خبراء النفط والشؤون الاقتصادية بل وحتى الرأي العام في إيران على مدار السنوات الثلاثة الماضية.

ميدل ايست نيوز: توقفت إيران “ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم” عن نشر إحصاءات تصدير النفط منذ مارس من عام 2018 بعد فرض واشنطن حظراً كاملاً على هذا القطاع، لكن رغم ذلك، أظهرت إحصاءات شركات تتبع ناقلات النفط أن إنتاج طهران اليومي للنفط وصل إلى 2.5 مليون برميل “وهو أقل بمقدار 820 ألف برميل عما كان عليه قبل العقوبات الأمريكية” وأن صادراتها من النفط الخام ومكثفات الغاز في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري بلغت نحو 1.24 مليون برميل يومياً، أي بزيادة 405 ألف برميل عن نفس الفترة من العام الماضي،

لطالما أثارت إحصاءات شركات تتبع ناقلات النفط والتي أكدها أيضاً مسؤولون إيرانيون موجة من الجدل بين خبراء النفط والشؤون الاقتصادية بل وحتى الرأي العام في إيران على مدار السنوات الثلاثة الماضية، وفتحت باباً للعديد من التساؤلات حول سبب الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية إلى هذا الحد رغم الادعاءات الحكومية ببيع النفط وجني الأرباح من عائداته، فلماذا لا يلمس السوق الإيراني أي نتائج من الصادرات النفطية، فهل الحكومة خاطئة بشأن مبيعات النفط أم أنها لا تستغل إيرادتها بالشكل الصحيح مما يزيد من أسعار السلع ويصيب الأسواق بالتهابات مزمنة؟

كانت إيران قبل فرض العقوبات الأمريكية، تصدر نحو 2.5 مليون برميل من النفط ومكثفات الغاز يومياً إلى العديد من الأسواق العالمية وتجني أرباح لا حصر لها من العائدات النفطية، حيث أظهرت بيانات كبلر أن أوروبا استهلكت في عامي 2017 و2018 ما معدله 748 ألف برميل و528 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني على التوالي، بينما استهلكت آسيا 1.2 مليون برميل يوميا.

إذن، لو لم يعترض الحظر الأجنبي طريق طهران واستمرت على هذا المنوال في عمليات البيع لكان حالها اليوم يختلف بعشرات الأضعاف عن ماهو في الواقع، لا سيما بعد ما أفادت به أوبك في تقرير لها بأن إيران قد خسرت أكثر من 450 مليار دولار من عائدات هذا القطاع في السنوات العشر الماضية بسبب العقوبات والبطء في مبيعات النفط.

هل يجني التباهي ثماره؟

في الآونة الأخيرة، أصبح التباهي بالمشاريع الحكومية من قبل وسائل الإعلام المقربة من الجهات الرسمية في إيران أمراً روتينياً وثغرة تنتصل منها الحكومة لترقيع تقصيرها في ملف ما، حيث لم يسلم قطاع النفط من هذه الظاهرة، فقد راحت التقارير تقارن بين أداء الحكومة الحالية التي يقودها إبراهيم رئيسي وحكومة نظيره حسن روحاني من حيث المبيعات النفطية وكمية الإنتاج، ليأتي ممثل إيران الأسبق في المجلس التنفيذي لمنظمة أوبك ويطعن في مصداقية هذه التقارير “عن غير قصد” ويؤكد أن “الزيادة الأخيرة في إنتاج إيران غير كافية للتغلب على أسعار النفط، أي بالمقارنة مع المعروض العالمي من النفط، فهي ليست كبيرة بما يكفي لتسبب تقلبات في الأسعار، لذلك لا داعي للقلق بشأن زيادة إنتاج إيران”.

وحتى لو كانت كمية الإنتاج والتصدير كبيرة إلى هذه الدرجة، فهل هذا يعني أنها مستدامة اقتصادية؟ طبعا لا؛ فوفقاً لرويترز، فإن إيران تقدم خصم بقيمة 10 دولارات للمصافي التي تصدر إليها النفط وأهمها الصينية والفنزويلية والسورية، ما يعني أن الزيادة الكبيرة في حجم صادرات النفط الإيرانية لا تجعل من عائدات النفط الإيرانية ذات قيمة كبيرة على اقتصاد البلاد. حيث أكد رئيس غرفة تجارة طهران أن عدم بيع النفط يكبد الاقتصاد الإيراني أكثر من 100 مليار دولار سنوياً.

يقول الخبير في الشؤون الاقتصادية “مرتضى أفقه” في مقابلة مع موقع فراز، حول زيادة معدلات التضخم في قطاع المواد الغذائية وعلاقتها بمبيعات النفط أن “الحكومة نجحت في مناوراتها في مسألة خفض معدل الضرائب، لكنها لم تستطع أن تخفي تقلبات السوق والتضخم الذي يتفشى في السكن والصحة والغذاء والتعليم والذي يستهدف في المقام الأول الطبقات المتوسطة والفقيرة في البلاد”.

ورغم أن التضخم في المواد الغذائية في إيران لم يشهد انخفاضاً منذ تفشي جائحة كورونا، قامت السلطات الحكومية بإزالة الدعم مؤخراً لترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني وتصيب الأسواق بالشلل، مما يدل على أن الحكومة، على الرغم من ادعاءاتها، فشلت في مراقبة وضبط المواد الغذائية للفئات العشرية المتوسطة والدنيا، وهو ما أدى إلى تردي الأوضاع بشكل أكبر وازدياد معاناة الفقر وتناقص قوتهم الشرائية مقارنة بالشرائح الأخرى.

لكن هل يمكن للحل الذي طرحه “أفقه” أن يكون فعالاً في تجاوز هذه الأزمة، حيث قال أن “أفضل حل في الوقت الحالي هو أن تتنحى الحكومة، ليس هذه الحكومة فحسب، بل كل حكومة لا تستطيع أن تفعل أي شيء في ظل عدم حل مسألة العقوبات. فحكومة رئيسي فعلت كل ما في وسعها حتى الآن”.

وتدعي السلطات الحكومية في إيران، وفق قول هذا الخبير، أنها “تبيع النفط وتحصل على عائداته”، لكن لو كان الأمر صحيحاً، فما سبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية في البلاد إلى هذا الحد؟ فإما أن الإحصائيات بشأن مبيعات النفط خاطئة أو أن الحكومة لا تستخدم أموال النفط في الطرق الصحيحة.

بالتالي، يمكن للسوق الإيرانية والتغيرات الجذرية في أسعارها تفنيد التصريحات الحكومية المتكررة والإحصاءات التي لا تمت للواقع بصلة لا سيما في تقارير أدائها مع الحكومات الأخرى، فقد كان الأجدر بها عوضاً عن الاستتار وراء حجة العقوبات أن تجيب على سبب أرتفاع الأسعار وحل الملف النووي بشتى السبل وإيلاء اهتمام أكبر للانتقادات الداخلية لتحسين رفاهية الناس ومستوى معيشتهم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى