إيران… زيادة 300% في هجرة القرويين إلى المدن الكبرى خلال 4 عقود

سببت الهجرة الداخلية في إيران بزيادة عدد السكان وارتفاع أسعار المساكن والأراضي في المدن الكبرى وانتشار التهميش في العديد من المناطق.

ميدل ايست نيوز: تسببت الهجرة الداخلية في إيران بزيادة عدد السكان وارتفاع أسعار المساكن والأراضي في المدن الكبرى وانتشار التهميش في العديد من المناطق، يأتي هذا في وقت يرى فيه محلل في الشؤون الاقتصادية أن الدافع وراء زيادة الهجرة الداخلية في البلاد يعود لتردي الأوضاع الاقتصادية، وقد تفشت أكثر مع ازدياد التوزيع غير العادل للثروة وفرص العمل والرفاهية في شتى البقاع الإيرانية.

وذكرت صحيفة تجارت آنلاين في تقرير لها، أن الحواضر الإيرانية واجهت خلال العقود الأخيرة طوفاناً من المهاجرين الداخليين، أي هجرة سكان الريف والشباب خصوصاً الذين يعيشون في المدن الصغيرة إلى الحواضر، وخاصة طهران وكرج، في سبيل الحصول على حياة أفضل وتجربة المزيد من الرخاء والرفاهية على حساب العيش في هذه المدينة الصاخبة والمزدحمة والمكلفة.

زيادة بنسبة 300% في هجرة القرويين إلى المدن

ووفقا للإحصاءات، زادت هجرة القرويين في إيران إلى المدن بنسبة 300 في المائة في الفترة ما بين 1976 و 2016. ووفقا لهذا التعداد، أصبحت 30 ألف قرية في البلاد في الوقت الحالي غير مأهولة بالسكان. ففي المتوسط، ينخفض ​​700 ألف شخص من عدد سكان القرى في البلاد كل عام، ومنذ عام 1996، تحولت نحو 600 قرية في إيران إلى مدن، مما يعني أن سكان هذه القرى لم يعودوا مصادر إنتاجية، بل بات معظمهم مستهلكين بعد أن فصلتهم ثقافة التحضر عن أراضيهم ومواشيهم.

خيار خاسر

أظهرت العديد من التجارب أن مثل هذا التدفق هو عملة ذات وجهين بالنسبة للمجتمع، فمع استمرار عمليات الهجرة ستخلو المدن الصغيرة من السكان وقوى الشباب العاملة، وستصبح المدن الكبرى أكثر ازدحاما وتلوثا وكثافة سكانية. في غضون هذا، سيزداد عدد السكان وترتفع أسعار المساكن والأراضي في المدن الكبرى وينتشر التهميش في العديد من المناطق، لأن نسبة كبيرة من الـ 19 مليون نسمة في طهران والذين يعيشون في أطرافها هم من القرويين المهاجرين.

تفاقم عدم المساواة بين المناطق

ووفقا لتقرير مركز الدراسات في البرلمان الإيراني، فإن المحافظات ذات المستوى الأعلى من التنمية كانت الأكثر استقبالاً للمهاجرين خلال العقود الأخيرة، وعلى العكس من ذلك، كانت المحافظات النامية شبه مغلقة أمام موجات هجرة.

وحذر الذراع البحثي للسلطة التشريعية من أنه إذا استمرت عملية الهجرة الداخلية على هذا النحو فإن التوزيع غير المتكافئ للسكان سيشتد خلال العقود القليلة القادمة، وسيصبح التوزيع المكاني للسكان والنشاط غير متوازن أكثر وسيترتب عليه العديد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية.

وفي معرض الإشارة إلى الجذور الاقتصادية للهجرة الداخلية، أكد تقرير مركز الدراسات أن الأسباب الاقتصادية هي العامل الأبرز لفوران هذه الهجرة. ووفقا لهذا، فإن “تكثيف مستوى التفاوتات الإقليمية” أدى إلى “استمرار الهجرة إلى المناطق المتقدمة” وستستمر “دورة الهجرة” وجذورها الاقتصادية.

التوزيع غير العادل للثروة

وحيد شقاقي شهري، وهو محلل في الشؤون الاقتصادية، أكد في حديث لـ “تجارت آنلاين” أن ارتفاع معدل الهجرات الداخلية في إيران يعود لدوافع اقتصادية: نشأت رغبة القرويين في الهجرة إلى المدن الكبرى، وخاصة طهران، مع ازدياد التوزيع غير العادل للثروة وفرص العمل والرفاهية في جميع أنحاء البلاد.

وأوضح هذا الخبير الاقتصادي أن إيران لم تشهد تنمية متوازنة خلال العقود الخمسة الأخيرة: أصبح التركيز على الثروة ووسائل الراحة في المدن الكبرى عاملاً لهجرة الناس من القرى والبلدات الصغيرة إلى هذه المناطق.

وأشار إلى أن هجرة القرويين إلى المدن والعواصم، وخاصة طهران وكرج، هي نتيجة التنفيذ الخاطئ لسياسات استصلاح الأراضي، وذكر: يتطلب حل هذه المشكلة جهودًا متواصلة من قبل الحكومات في مجال اللامركزية في المرافق والخدمات الحضرية والتنفيذ السليم لسياسة إدارة الأراضي. وعلى الرغم من أنها مهمة صعبة وتستغرق وقتا طويلا، إلا أن تنفيذها ضروري للغاية.

ووفقا لهذا الخبير الاقتصادي، في الخطوة الأولى لمنع هجرة القرويين، يجب على الحكومة توزيع الرعاية الاجتماعية والتوظيف والثروة في جميع أنحاء البلاد.

الأرض المجانية لا تشكل حافزاً كافياً للهجرة العكسية

وفي جوابه عن ما إذا كانت السياسة الأخيرة للحكومة في مجال وهب الأراضي لتشجيع الهجرة العكسية إلى القرى قد وصلت إلى نتيجة، قال: إن منح الأراضي المجانية والحوافز لبناء المساكن ليس حلاً كافياً ومناسباً لأن الدافع للهجرة الداخلية متأصل في الحصول على العمل ووسائل الراحة والرفاهية.

وواصل: تهاجر الأسر عادةً إلى المدن الكبرى في سبيل حصولها على حياة ومستقبل أفضل لأبنائها والحصول على عمل مناسب، وطالما لا توجد وظائف مناسبة لتعليم الشباب في البلدات والقرى الصغيرة، فلن تنعدم الرغبة في الهجرة إلى المدن الكبرى.

وأكمل شقاقي شهري: يحصل الآن معظم شباب الريف والحضر في البلاد على تعليم جامعي، ويهاجر معظمهم إلى طهران للحصول على عمل ومستقبل أفضل، لأنهم يعتقدون أن مستقبلهم سوف يدمر في البلدات والقرى الصغيرة.

وانتقد الخبير الاقتصادي تمركز كافة الإمكانات فقط في الحواضر، وقال: لقد تم الآن بناء أفضل الجامعات والمدارس والمجمعات الاجتماعية والترفيهية وأفضل المستشفيات والمراكز الطبية في المدن الكبرى، وخاصة في طهران. فمدينة تبريز مثلاً رغم مساحتها الجغرافية إلا أنها لا تتمتع بوسائل الرفاهية الموجودة في طهران.

50 عاماً من السياسات الخاطئة

وأكد هذا المحلل الاقتصادي أن وضع الرفاهية في طهران أفضل من المدن الكبرى الأخرى: هذه المعضلة ناجمة عن 50 عامًا من تطبيق السياسات الخاطئة في استطلاح الأراضي وعدم وجود تنمية متوازنة وفرص عمل في البلاد.

وتابع: لدينا اليوم تخلف في مجال التوظيف لا سيما وأننا لم نتمكن من خلق فرص عمل للشباب في البلاد بما يتناسب مع عدد المتخرجين من الجامعات. والآن تتجمع المصانع والشركات الكبرى في المدن، وخاصة في طهران، ولم نتمكن من توزيع هذه المرافق الاقتصادية بالتساوي في جميع أنحاء البلاد.

ارتفاع أسعار المساكن

وشدد الخبير الاقتصادي في ختام حديثه على أهمية التنمية المتوازنة للقرى والمدن وتنفيذ مشاريع لاستطلاح الأراضي، وقال: كل هذه الأمور تزيد من الدافع للهجرة والنتيجة هي النمو السكاني غير المتوازن في طهران وكرج، وهذا يعني نمواً متزايداً لأسعار الأراضي والمساكن في طهران وانتشارها إلى الحواضر الأخرى والمدن المتوسطة والصغيرة.

إقرأ أكثر

الهجرة الداخلية “من المدن إلى المدن” تهدد التوزيع السكاني في إيران

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى