هل غيرت طوفان الأقصى الشرق الأوسط أم أعادت مشاكله إلى السطح؟

أجج الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما تبعه من تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق على غزة، الصراع الأكثر دموية بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ عام 1948.

ميدل ايست نيوز: في فبراير/شباط الماضي، قدم دبلوماسي من إحدى الدول الخليجية توقعات واثقة بشأن العام الجديد، قال فيها إن الشرق الأوسط سئم الصراع، حيث سيكون خفض التصعيد والدبلوماسية من أوامر اليوم، حيث رأى الأعداء القدامى فوائد صنع السلام، مضيفا: “هذه لحظة تغيير للمنطقة بأكملها”.

وفي تقرير لصحيفة “إيكونوميست“، قال إن الجزء الأخير من هذه التصريحات كان صحيحا، فقد أجج الهجوم الذي شنته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما تبعه من تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق على غزة، الصراع الأكثر دموية بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ عام 1948، ودفع المنطقة إلى حافة حرب أوسع نطاقا، وهي الحرب التي اجتذبت أمريكا بالفعل وإيران ومتشددون من أربع دول عربية على الأقل.

قبل أكتوبر/تشرين الأول، كان بوسع إسرائيل أن تتباهى بعلاقاتها الدافئة مع دول المنطقة، لكن المواطنين العرب الآن يشعرون بالغضب، وإسرائيل أصبحت مرة أخرى دولة منبوذة في حيها.

لقد هزت الحرب، على نحو غير محتمل، حركة الشحن العالمية، بل ويمكن أن تعرض للخطر سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة انتخابه.

إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي بدا حتى وقت قريب خاملاً في أغلبه، قد عكر صفو العالم، ويبدو أنه قد حول الشرق الأوسط، أو ربما لا، وبدلاً من إعادة تشكيل المنطقة، ربما كان ذلك مجرد تفاقم لمشاكل الشرق الأوسط التي طال أمدها.

قبل “السبت الأسود”، كما يسميه الإسرائيليون، كانت هناك حملة جدية لخفض التصعيد الإقليمي.

ففي مارس/آذار، أبرمت السعودية اتفاقاً لتخفيف التوترات مع عدوتها القديمة إيران، وتم التوقيع على الاتفاقية في الصين، وهي الدولة التي لم تلعب في السابق دورًا كبيرًا في دبلوماسية الشرق الأوسط.

ثم، في مايو/أيار، وافق السعوديون على السماح للدكتاتور السوري الملطخ بالدماء بشار الأسد، باستعادة مقعده في جامعة الدول العربية.

وعلى مدار العام، سعت دول الخليج ومصر إلى إصلاح العلاقات المضطربة مع قطر وتركيا، اللتين تجنبتهما لسنوات بسبب دعمهما للإسلام السياسي.

وعلى الرغم من أعمال العنف التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية، إلا أن هذا الانفراج صمد إلى حد كبير.

يشار إلى أن جميع دول الخليج لديها علاقات وثيقة مع أمريكا، والعديد منها مع إسرائيل، إلا أن دول الخليج لم تتعرض لهجوم من قبل وكلاء إيران، كما أن إسرائيل لا تتعرض للهجوم من قبل أي دولة عربية، بل فقط الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتمتع بقوة أكبر من أن تتمكن الحكومات من السيطرة عليها.

لعقود من الزمن، كانت السمة المميزة للشرق الأوسط هي ضعف الدولة على نطاق واسع، وبعيداً عن الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي، وهو نادي من الممالك النفطية المستقرة، فإن المنطقة عبارة عن مجموعة واسعة من الدول الفاشلة أو الفاشلة، وقد جعلت الحرب ذلك الأمر أكثر وضوحا.

واعترف رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، علناً بأنه لا يقرر ما إذا كانت بلاده ستخوض حرباً مع إسرائيل، ويقع هذا الاختيار على عاتق “حزب الله” الفصيل العسكري والحزب السياسي الذي تدعمه إيران في لبنان، والتي أدت هجماتها اليومية على إسرائيل إلى إبقاء آلاف القوات الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان.

وفي اليمن، أجبر الحوثيون، وهم فصيل آخر تدعمها إيران، مئات من سفن الشحن على تجنب الإبحار عبر البحر الأحمر.

إلا أن تصرفاتهم لم تردع إسرائيل عن هجومها المدمر على غزة، ولم تجبر أمريكا على المطالبة بوقف إطلاق النار أو سحب قواتها من الشرق الأوسط.

ووفق الصحيفة، فقد فرض الحوثيون تكاليف على إسرائيل وأمريكا والاقتصاد العالمي، ولكن ربما بتكلفة أكبر على شعوبهم، الذين يعانون بالفعل من سوء الإدارة ويخاطرون الآن بالانجرار إلى صراع إقليمي.

في المقابل، تميل الدول الضعيفة إلى أن تكون اقتصاداتها ضعيفة، ومن المحتمل أن يشكر الدكتاتور المصري عبدالفتاح السيسي، الذي عاد إلى فترة ولاية ثالثة في انتخابات منظمة في ديسمبر/كانون الأول، ناخبيه من خلال خفض قيمة العملة للمرة الرابعة خلال عامين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وافق الأردن على برنامج بقيمة 1.2 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، ليحل محل ترتيب سابق كان من المقرر أن ينتهي في مارس/آذار 2024.

وتلفت الصحيفة إلى أن الحرب في غزة ستؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات، فقد انخفضت حجوزات السياحة ليس فقط في إسرائيل، بل في مصر أيضًا، وأوقفت بعض شركات الطيران الغربية رحلاتها إلى لبنان وحتى الأردن.

كما أن هجمات الحوثيين على الشحن ستضر بإيرادات قناة السويس المصرية، وترفع الأسعار بالنسبة للمستهلكين العرب، الذين كان الكثير منهم يتذمرون بالفعل من التضخم.

وسيؤدي الصراع أيضا، وفقا للصحيفة، إلى توسيع الفجوة بين الخليج وبقية المنطقة، وسيكون من الصعب أن يشعر الزائرون لدول مجلس التعاون الخليجي هذا الخريف بأن الشرق الأوسط كان في حالة اضطراب، حيث اكتظت الفنادق والمطاعم في دبي، التي استضافت قمة المناخ التي شهدت حضورا جيدا.

فيما توافد السعوديون على المتنزهات والمباريات الرياضية وغيرها من وسائل الترفيه التي نظمتها المملكة كجزء من مهرجان ترفيهي سنوي.

ولم تقم البحرين ولا الإمارات، الدولتان الخليجيتان اللتان تقيمان علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، بقطع هذه العلاقات ردا على حرب غزة.

فالإمارات هي واحدة من الدول القليلة التي لم تتوقف شركات الطيران المملوكة للدولة عن رحلاتها إلى تل أبيب منذ اندلاع الحرب، وهو ما يمكن القول إنه بيان دبلوماسي أكثر من كونه قرارًا تجاريًا.

ولا تزال السعودية ترغب في إبرام صفقة التطبيع الخاصة بها مع إسرائيل، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يحدث ذلك قريبًا.

وخلال معظم فترة رئاسته، حاول بايدن التصرف كما لو أن أمريكا قد انتهت من الشرق الأوسط، وأراد التركيز على أوروبا، وآسيا، لكن الشرق الأوسط لم ينته منه.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت أمريكا مجموعتين من حاملات الطائرات وآلاف الجنود إلى المنطقة.

ويتنقل الدبلوماسيون الأمريكيين بين إسرائيل والدول العربية لمحاولة منع اتساع نطاق الحرب، والحديث عما سيحدث بعد ذلك، كما شكلت البحرية الأمريكية تحالفًا دوليًا لتأمين الشحن في البحر الأحمر.

ويشكل هذا إلى حد كبير عودة إلى سابق عهدها بالنسبة لأمريكا، القوة الخارجية التي لا جدال فيها في المنطقة منذ فترة طويلة، بعدما شهدت السنوات الأخيرة الكثير من الحديث عن شرق أوسط متعدد الأقطاب.

ومع ذلك، وفي خضم أسوأ أزمة تشهدها المنطقة منذ عقد من الزمن، لم تلعب روسيا والصين دوراً يُذكَر يتجاوز إغضاب الغرب بسبب نفاقه الواضح.

وفي الأراضي المقدسة، عززت الحرب اتجاهاً طويل الأمد نحو التعنت بدلاً من عكسه، ويأمل المتفائلون أن تخلق الحرب فرصة للتوصل إلى تسوية دائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أنها ستفعل العكس، فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته مؤسسة فلسطينية رائدة لاستطلاعات الرأي في ديسمبر/كانون الأول، أن 72% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتقدون أن حماس كانت على حق في مهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من العواقب المروعة.

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي، وهو مؤسسة فكرية غير حزبية، قال 52% من اليهود الإسرائيليين إنه لا ينبغي لبلادهم أن تسعى إلى “حل الدولتين” بعد الحرب.

ويخلص تقرير الصحيفة إلى أنه من السابق للأوان أن نتكهن بالكيفية (أو حتى متى) ستنتهي الحرب في غزة، ولكن حتى الآن لم تتمكن من إعادة تشكيل حدود المنطقة، كما فعلت حروب الأعوام 1948، و1967، و1973.

ويختتم: “كما أنها لم تطيح بأي أنظمة، رغم أنها ربما تتمكن بمرور الوقت من إنهاء حكم حماس في غزة وحكومة نتنياهو في إسرائيل، وما فعلته هو سحق الحديث المفعم بالأمل عن شرق أوسط جديد من خلال الكشف عن مشاكل المنطقة القديمة التي لم يتم حلها”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخلیج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة + 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى