التقارب المصري – الإيراني يتجدّد… مجرّد تنسيق أم تمهيد لعودة العلاقات؟

قبل أيام قليلة تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هنأه فيه على فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024.

ميدل ايست نيوز: قبل أيام قليلة تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هنأه فيه على فوزه في انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2024، وفي اليوم التالي حدث اتصال بين وزيري خارجية البلدين، المصري سامح شكري والإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

الاتصال الرئاسي الذي وصفته وسائل إعلام مصرية بأنه الأول من نوعه منذ عام 1979، طرح تساؤلات بشأن طبيعة التقارب بين البلدين، إذ لم يسبق أن هنأ رئيس إيراني رئيساً مصرياً على فوزه في الانتخابات، حتى عندما فاز محمد مرسي المنتمي لجماعة “الإخوان المسلمين” في انتخابات الرئاسة عام 2012.

وبعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979، حدثت قطيعة وتوترات سياسية شديدة بين البلدين، واستمرت الحال كذلك لعقود متتالية، مع حدوث محاولات عابرة لم تكتمل لتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران في العقدين الماضيين، لكن التطورات الأخيرة تلفت الانتباه إلى أن ثمة محاولة جديدة للتقارب، وليس واضحاً تماماً ما إذا كان هدفها التنسيق بشأن الملفات الإقليمية الساخنة، أم أنها خطوة صوب تطبيع كامل للعلاقات.

مصادر: إيران تطمئن مصر بعدم تأثير قناة السويس بهجمات الحوثيين

صوب التّطبيع

يقول الدكتور سعيد الصباغ، أستاذ الدراسات الإيرانية المعاصرة بكلية الآداب في جامعة عين شمس إن “الاتصالات بين القاهرة وطهران لمعالجة الملفات الخلافية في ما بينهما، تمتد لأكثر من عامين ماضيين، وذلك بهدف التفاهم أو لبحث سبل التوصل لحل القضايا الخلافية”.

ويشير الخبير في الشأن الإيراني إلى أن “هذا يحدث بين الوفود المصرية والإيرانية التي تلتقي في عمان، أو العراق، أو غيرهما، وكان الهدف من تلك الاتصالات هو تحقيق إرادة البلدين في التقارب وإنجاز المصالح المشتركة على المستوى الإقليمي. أما على المستوى الدولي فثمة تنسيق بين البلدين لم ينقطع حتى في ذروة التوترات بين الدولتين”.

ويضيف: “بالنسبة للمستجدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم، فقد فرضت على البلدين ضرورة تسريع وتيرة التفاهم والتنسيق بينهما بوصفهما قوتين إقليميتين مؤثرتين في المنطقة، وثمة محاولات لتغيير أنماط القوة لمصلحة أطراف قد تضر بمصالح البلدين على حد سواء”.

أستاذ الدراسات الإيرانية الذي ألف كتاباً – يصدر قريباً – يعتمد على وثائق رسمية تكشف عن اضطرابات سادت العلاقات المصرية – الإيرانية، على مر قرن من الزمان (1922 – 2022)، ينظر إلى الاتصالات الأخيرة بين القاهرة وطهران ليس على أنها مجرد محاولة للتنسيق في ما يخص المصالح والقضايا المشتركة، ولكنها حسب وجهة نظره “ترمي إلى فتح العلاقات بين البلدين على مستوى التطبيع، بصرف النظر عن المدى الزمني الذي سوف يتحقق فيه”.

ويقول: “أصبح البلدان يلتقيان في تجمع بريكس، الذي يمكن أن يوفّر مصالح اقتصادية تحقق أهداف الدولتين. أيضاً، فإن مصر وإيران تجتمعان على أهمية طريق الحرير”.

أما في ما يخص القضايا الإقليمية الأكثر سخونة، ولا سيما القضية الفلسطينية، فيرى أستاذ الدراسات الإيرانية أنه “بالرغم من اختلاف الأهداف في ما بين مصر وإيران، إلا أن ثمة التقاءً في ما بينهما في الوقت الحالي، وهو التقاء تكتيكي”.

والفارق بين مصر وإيران في النظر إلى القضية الفلسطينية، حسبما يوضح الصباغ، هو “أن طهران تنظر إليها على أنها قضية مصلحة، أما القاهرة فتتعامل معها كأمن قومي. ثمة كذلك فرق في الأدوات لحل هذه القضية”.

ويضيف: “إيران منذ قيام الثورة الإسلامية ظلت جزءاً من الصراع في المنطقة، أما مصر، فمنذ عام 1979 – أي في التوقيت نفسه تقريباً – ظلت جزءاً من حل القضية، وأتصور أن الأوضاع الحالية فرضت على البلدين أن يلعبا دوراً مؤثراً للتوصل لحل لهذه القضية، بأساليب وأدوات مختلفة”.

ويعتقد الخبير في الشأن الإيراني أن “منطقة الشرق الأوسط هي انعكاس لجميع القضايا الخلافية بين القاهرة وطهران، أما بالنسبة للعلاقات الثنائية، فلا أعتقد أن ثمة قضايا خلافية مباشرة قائمة بين البلدين تعوّق عودة العلاقات بينهما”.

ومن ثم، فإن الصباغ يرى أن “الاتصال والتنسيق الممتد على مدار عامين، واتصال الرئيس الإيراني بالرئيس المصري لتهنئته بفوزه في الانتخابات الرئاسية، وكذلك الاتصال الذي تم بين وزيري خارجية البلدين، هي مؤشرات على أن الدولتين تدركان أهمية العمل على تطبيع العلاقات”.

ويقول أستاذ الدراسات الإيرانية إنه “لا ريب في أن تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران سوف ينعكس على الكثير من الملفات العربية، خاصة أن مصر لديها مصلحة في تكوين محور الشام الكبير، وهو محور اقتصادي مهم جداً، يجمع مصر، والأردن، والعراق، وأي دولة عربية تريد أن تنضم إليه”.

مؤشر مهم

من جانبه، يرى الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، أن “المكالمة التي أجراها الرئيس الإيراني لتهنئة الرئيس السيسي، هي الأولى من نوعها منذ نجاح الثورة الإيرانية، حتى في عهد محمد مرسي لم يحدث ذلك، وهي أقرب الفترات التي توطدت فيها العلاقات المصرية – الإيرانية بعد تولي جماعة الإخوان المسلمين السلطة”.

ويقول أبو النور: “مع ذلك من المهم التأكيد أن العلاقات بين القاهرة وطهران كانت وطيدة جداً في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي الذي تولى السلطة من 1997 إلى 2005”.

ويرى أن “هذه المكالمة تعني خطوة تؤشر إلى تزايد احتمالية عودة العلاقات بين البلدين، بعد انقطاعها منذ عام 1993، فقد انقطعت تلك العلاقات على مرحلتين، الأولى بعد الثورة الإيرانية عام 1979، ثم عادت لأشهر عدة في 1992، إلى أن قطعت بناءً على رغبة مصرية في العام ذاته”.

وتالياً، حسبما يعتقد أبو النور: “إذا نظرنا إلى هذه المكالمة، وكذلك القمة التي عقدت بين الرئيسين المصري والإيراني، فهذا يعني أن العلاقات بين البلدين ربما تكون في طريقها للعودة، ويؤكد ذلك البيان الذي صدر عن الجانبين وأشار إلى ضرورة إزالة العقبات التي تحول دون عودة العلاقات بين القاهرة وطهران إلى طبيعتها”.

ويلفت المحلل السياسي إلى أن “إيران قالت إنها على استعداد لتعيين سفير لها لدى مصر في اليوم الذي تعلن في القاهرة استعدادها لعودة العلاقات المصرية – الإيرانية إلى طبيعتها”.

ولا يشك أبو النور في أنه إذا عادت العلاقات بين القاهرة وطهران إلى طبيعتها، فإن ذلك “سوف يؤثر على العديد من الملفات الإقليمية المهمة، ومنها أزمة غزة، وكذلك الملف اليمني، وأزمة الملاحة في البحر الأحمر، فالجميع يعرف أن جماعة الحوثيين هي إحدى أذرع إيران، وهي مسلحة بالكامل بدعم من طهران”.

لذا، حسب وجهة نظره، فإنه “لا يمكن تصور أن يقدم الحوثيون على مهاجمة السفن في البحر الأحمر دون ضوء أخضر أو حتى بتوجيه من إيران، تالياً، فإن أي علاقات مصرية – إيرانية وطيدة سوف تصب في مصلحة تيسير المرور في مضيق باب المندب الذي يشرف عليه اليمن مباشرة”.

وإلى جانب الملف اليمني، فإن أبو النور يرى أن الأزمتين العراقية والسورية سوف تتأثران إلى درجة كبيرة. ويقول إن هذا متوقع “خصوصاً أن مصر مهتمة جداً بالشؤون العربية في عهد الرئيس السيسي، وكذلك الحكومة الإيرانية في عهد الرئيس رئيسي تهتم بإصلاح علاقاتها بالعالم العربي. سوف يكون من المفيد للغاية للنظامين وفقاً لتوجهاتهما، أن يسعيا لتوطيد العلاقات بين بلديهما”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
النهار العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى