إيران على موعد مع انتخابات برلمانية حساسة: انقسامات حول إقصاء مرشحين

إيران على موعد مع انتخابات أخرى، برلمانية هذه المرة مطلع مارس/آذار المقبل، بعدما تحولت الانتخابات بشكل عام إلى ساحة جدل سياسي واجتماعي في البلاد.

ميدل ايست نيوز: إيران على موعد مع انتخابات أخرى، برلمانية هذه المرة مطلع مارس/آذار المقبل، بعدما تحولت الانتخابات بشكل عام إلى ساحة جدل سياسي واجتماعي في البلاد، بين من فقد الأمل بها في سبيل إحداث الإصلاح والتغيير، وبين من لا يزال يتمسك بها من المنتقدين بوصفها السبيل الوحيد الذي لا بديل عنه للخروج من الأزمات، وبين من يدافع عنها بشراسة تحت أي ظرف.

وخلال الأشهر الأخيرة، ركز المرشد الإيراني الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، في كلماته في مختلف المناسبات، على أهمية الانتخابات البرلمانية المقبلة في 1 مارس المقبل، داعياً إلى المشاركة بكثافة فيها.

إقصاء 48 % من المرشحين للانتخابات الإيرانية

وأعلن مجلس صيانة الدستور الإيراني، المخول قانوناً الرقابة على الانتخابات، الخميس الماضي، أسماء المرشحين المسموح لهم بخوض الانتخابات البرلمانية الـ12، بعدما أقصى 48 في المائة من عدد المسجلين البالغ 21 ألفاً، بدعوى عدم حصولهم على أهلية الترشح، والموافقة على أهلية قرابة 52 في المائة منهم، أي نحو 11 ألف مرشح.

ومن بين من أقصي من خوض المبارزة الانتخابية، 26 مشرعاً بالبرلمان الإيراني الحالي، رُفض ترشحهم من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي باتت طريقة رقابته على الملف الانتخابي محل جدل وانتقاد مستمر من الإصلاحيين والقوى السياسية المقربة منهم طيلة العقود الأخيرة.

ويقول النائب الحالي عن مدينة مهاباد الكردية، جلال محمود زادة إن قرار مجلس صيانة الدستور برفض ترشحه بُني على تقارير لجنة الرقابة التابعة للمجلس في محافظة أذربيجان الغربية، القاضية بعدم امتلاك الأهلية للترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيراً إلى أن مسوغات هذا الرفض استندت إلى البنود 1 و2 و4 في المادة 31 لقانون الانتخابات البرلمانية.

وتنص البنود الثلاثة على ضرورة أن يتحلى المسجلون للانتخابات بـ”الإيمان والالتزام العملي بالإسلام… والالتزام العملي بالنظام المقدس للجمهورية الإسلامية الإيرانية… وإظهار الوفاء بالدستور وأصل ولاية الفقيه المطلقة الراقي”، حسب المنصوص عليه بالقانون.

ويتساءل محمود زادة: “إذا لم أكن ملتزماً بالدستور، فكيف يمكنني أن أكون نائباً في مجلس الشورى الإٍسلامي لثلاث دورات؟ كما أنني منذ 12 عاماً أترأس كتلة السنة في المجلس، لكن هيئة الرقابة رفضت أهليتي أيضاً بذريعة عدم التزامي بالإسلام”.

ويعزو النائب الإيراني المستقل رفض ترشحه إلى وجهات نظره المختلفة، وانتقاداته المستمرة على مدى السنوات الأخيرة لأوضاع البلاد بشكل عام ومحافظته (أذربيجان الغربية) ودائرته الانتخابية بشكل خاص.

ويشير إلى معارضته لمشاريع مثل مشروع قانون “العفاف والحجاب” في البرلمان، وكذلك انتقاداته لأداء الحكومة ومطالبته باستجواب وزير الداخلية أحمد وحيدي، على خلفية الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني أواخر 2022.

اعتراض على رفض ترشيحات

ويضيف محمود زادة أنه سجل اعتراضه على رفض ترشحه من قبل مجلس صيانة الدستور، معرباً عن أمله أن يعيد المجلس النظر في القرار بحقه وبحق زملائه الآخرين، ويصادق على ترشحهم ليتمكنوا من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، معتبراً أن رفض ترشحهم “سيؤثر سلباً على نسبة المشاركة” في الانتخابات.

وكان مجلس صيانة الدستور صادق على أهلية شخصيات سياسية بارزة، أمثال المحافظ المعتدل علي مطهري نجل منظر الثورة الإسلامية الإيرانية الراحل مرتضى مطهري، والإصلاحي البارز مسعود بزشكيان، ورئيس منظمة التخطيط والموازنة السابق محمد باقر نيكبخت المحسوب على التيار المعتدل (تلاميذ مدرسة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني).

لكن الباحث الإيراني الإصلاحي صلاح الدين خديو يستبعد أن “يكون لهذه الخطوة والمصادقة على حالات تأثير ملحوظ في تسخين أجواء الانتخابات ورفع نسبة المشاركة فيها”.

ويقول إن “رفض أهلية الترشح جرى على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال طاول أيضاً وزير الاستخبارات السابق” محمود علوي الذي ينوب حالياً عن طهران في مجلس خبراء القيادة المخول قانونياً بتعيين المرشد.

الانتخابات الإيرانية ستجرى في ظروف سياسية خاصة

وستجرى الانتخابات المقبلة في “ظروف سياسية خاصة” تمر بها إيران، بعد احتجاجات السنوات الأخيرة واحتمال طرح مسألة الخلافة للمرشد بالنظر إلى كبر سنه، كما يقول خديو.

ويعتبر خديو أن النواة الصلبة للسلطة شددت عزمها على “تنقية السلطة وطرد العناصر المزعجة” من خلال توحيدها بتيار واحد لم يعد يقبل حتى وجود شخصيات محافظة معتدلة، أمثال علي لاريجاني الرئيس السابق للبرلمان، وعلى وجه التحديد فإن “جبهة الصمود” (بايداري) المحافظة، التي لها قاعدة اجتماعية متواضعة، باتت تدير اللعبة وتطرد القوى المحافظة المعتدلة أيضاً.

كما يرى الباحث الإيراني أن الشارع المصوّت أصابه إحباط بعد انتخابات عام 2017 الرئاسية واختيار الرئيس السابق حسن روحاني وما آل إليه الوضع، مشيراً، في السياق، إلى أن الطبقتين الفقيرة والمتوسطة اللتين تشكلان خزان تصويت كبيرا، شاركتا في احتجاجات 2019 (على رفع أسعار الوقود) و2022 (حادثة مهسا أميني).

ويوضح أن الطبقة المتوسطة في إيران دخلت في حالة اندثار خلال العقد الأخير، إثر الوضع الاقتصادي الصعب الناتج من سوء الإدارة والعقوبات الأميركية المشددة بعد الانسحاب الأميركي عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

توقعات بتراجع نسبة المشاركة بالانتخابات

وعليه، يتوقع خديو أن يستمر في انتخابات مارس المقبل تراجع نسبة المشاركة، التي بدأت بشكل كبير مع انتخابات 2020 البرلمانية، التي بلغت 42.57 في المائة، وتكررت مع انتخابات 2021 الرئاسية، التي بلغت 48.8 في المائة.

وعن تموضع التيار الإصلاحي في الانتخابات المقبلة في ظل غياب موقف موحد منه حتى اللحظة، يقول خديو إن التيار اليوم في وضع لا يحسد عليه، فبعضهم فقد أمله بصناديق الاقتراع لإحداث التطور والتغيير، وبعضهم ما زال يرغب بالبقاء ضمن دائرة السلطة، غير أن وجود الإصلاحيين مرتبط بوجود قاعدة جماهيرية تآكلت في السنوات الأخيرة.

في السياق، يقول الأمين العام لحزب “الأخضر” المحافظ المعتدل، حسين كنعاني مقدم إن الإصلاحيين انقسموا إلى ثلاث فئات، فئة مستعدة لتقديم قائمة انتخابية بعد المصادقة على أهلية عدد من المرشحين الإصلاحيين، وثانية انسحبت من الانتخابات احتجاجاً على سلوك السلطة مع اعتبارها “بلا جدوى”، مشيراً إلى أن هذا الطيف الإصلاحي تحول إلى معارضة للنظام. ويضيف كنعاني مقدم أن الفئة الثالثة تعمل بصمت وخفاء وتمارس نشاطها السياسي باتجاه تقديم قوائم انتخابية.

التيارات المحافظة لن تتوصل إلى قائمة موحدة

لكن التيارات المحافظة أيضاً لن تتوصل إلى قائمة موحدة في هذه الدورة الانتخابية، حسب الأمين العام لحزب “الأخضر” المحافظ، الذي يشير إلى احتمال خوضهم التنافس بخمس قوائم، الأمر الذي من شأنه أن يزيد نسبة المشاركة، قائلاً إن “تنوعاً في المرشحين وكذلك التنافس داخل التيار (المحافظ) من شأنهما تسخين أجواء الانتخابات”.

مع ذلك، يوضح كنعاني مقدم أنه إن دخل جميع الإصلاحيين والمحافظين غمار السباق بناء على قاعدتهم التصويتية، فلن تتجاوز نسبة المشاركة 30 في المائة، إلا إذا تشكل خطاب انتخابي طاغ خلال الشهرين المقبلين يوجه “الأصوات الرمادية المجمدة في هذا الشتاء الانتخابي” نحو صناديق الاقتراع، لافتاً إلى أن “الأعداء الفاشلين في الداخل والخارج يبذلون قصارى الجهود لتحقيق أدنى نسبة مشاركة لتحقيق مخططاتهم”.

وفيما يرى الإصلاحيون أن قائمة المرشحين التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور لا ترتقي إلى مستوى توقعات الشارع، يرفض القيادي في حزب “مؤتلفه الإسلامي” التقليدي المحافظ، حميد رضا ترقي، هذا الرأي، معتبراً أنه “مغالطة”.

ويقول ترقي إن “كثيراً من الإصلاحيين المعروفين وأعدادا كبيرة من المحسوبين عليهم تمت المصادقة على أهليتهم بقدر يفوق مقاعد البرلمان بأضعاف”. ويتساءل: “هل المرشحون الأقوياء من بين الإصلاحيين فقط؟ إذا كانوا أقوياء فلم ورّثوا الحكومة الـ13 (الحالية) كل هذه المشاكل المتراكمة من دون حل؟”.

ويتوقع نائب رئيس حزب “المؤتلفة الإسلامي” للشؤون الدولية، ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة “بسبب الأداء الإيجابي للبرلمان الحالي والحكومة”، عازياً تراجع المشاركة في انتخابات 2020 إلى “ضعف أداء البرلمان العاشر والحكومتين الـ11 والـ12 (حكومتي روحاني) وتفشي جائحة كورونا” في البلاد. ولا ينفي ترقي احتمال مشاركة التيار المحافظ بقوائم متعددة، لكنه يقول، في الوقت ذاته، إن جهوداً تبذل لتوحيد القوائم.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى