خلافات تركمان العراق تُحجّم حضورهم الانتخابي والسياسي

شكّلت انتخابات مجالس المحافظات هزّة سياسية للقوى السياسية التركمانية الرئيسية في العراق، إذ حجّمتهم سياسياً، وشكّكت في خطابهم السياسي.

ميدل ايست نيوز: في ظلّ خلافات سياسية داخلية، مرتبطة أساساً بالنزاع على زعامة الجبهة التركمانية العراقية، فإنّ تركمان العراق يجدون أنفسهم اليوم في وضع سياسي صعب… تمثيل ضعيف في مجلس محافظة كركوك، وإمكان فقدان المقاعد في برلمان إقليم كردستان.

شكّلت انتخابات مجالس المحافظات هزّة سياسية للقوى السياسية التركمانية الرئيسية في العراق، إذ حجّمتهم سياسياً، وشكّكت في خطابهم السياسي الذي كان يعتبر التركمان القومية الثالثة في العراق، ويشكّلون أغلبية في كامل القوس الممتد من محافظة كركوك إلى غرب محافظة نينوى، مروراً بإقليم كردستان، خصوصاً محافظة أربيل.

نتائج انتخابية مخيبة

ووفق النتائج، فإنّ الجبهة التركمانية (أكبر تجمّع للقوى السياسية التركمانية) حازت على مقعدين فحسب في مجلس محافظة كركوك، من أصل 16، أي أنّ نسبتهم التمثيلية تراجعت إلى قرابة 12% فحسب، في وقتٍ كانوا يطمحون للحصول على منصب محافظ كركوك. كذلك لم تحصل على أي مقعد في مجلس محافظة نينوى، على الرغم من الحضور الديموغرافي للتركمان في منطقة تلعفر غرب المحافظة.

يرى التركمان أيضاً أنفسهم في مأزق سياسي، جراء انتظار قرار المحكمة الاتحادية العراقية، الذي قد يعيد توزيع مقاعد كوتا الأقليات القومية ضمن برلمان إقليم كردستان، وتالياً إمكان فقدان التركمان للتحكّم المركزي بمقاعدهم فيه (5 مقاعد من أصل 111)، وتالياً خسارة تمثيل سياسي آخر في الإقليم، إذ يُمثل التركمان عادة بوزارة وعدد من المناصب الإدارية الرئيسية.

بعد تراكم المشكلات، زار رئيس الجبهة التركمانية حسن توران تركيا، الداعم السياسي الرئيسي للتركمان، والتقى وزير خارجيتها هاكان فيدان، الذي صرّح عقب اللقاء أنّ منصب محافظ كركوك يجب أن يكون من حصّة التركمان. لكنّ مراقبين أشاروا إلى أنّ الزيارة جاءت بغرض حصول توران على دعم تركي، في مواجهة خصمه ضمن قيادة الجبهة أرشد الصالحي، إذ وصل الخلاف السياسي بينهما على قيادة الجبهة إلى حدّ خروج مناصري الصالحي إلى الشارع للتنديد بتوجّهات توران وطريقة إدارته للجبهة التركمانية.

حيرة بشأن التحالفات

ووفق المراقبين، فإنّ الجبهة التركمانية في حيرة من أمرها راهناً في ما يخصّ تشكيل الحكومة المحلية في محافظة كركوك. فإن تحالفت مع القوى السياسية العربية في المحافظة، التي تملك فقط 6 مقاعد، فإنّها لن تستطيع تشكيل الأغلبية في مجلس المحافظة، لأنّ الحزبين الكرديين الرئيسيين يستحوذان على 7 مقاعد، ومقعد حركة “بابليون” (الكوتا المسيحية) أقرب إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.

وبذلك فإنّ التركمان لا يملكون حظوة للمشاركة في الحكومة المحلية إلاّ بالشراكة مع الحزبين الكرديين، وهو أمر يتطلّب مراجعة وتغييراً سياسياً جوهرياً، لكنه يواجه برفض تركي واضح. فالرسائل السياسية التي بعثتها تركيا، أشارت بوضوح إلى استمرار أزمتها السياسية والأمنية مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

عوامل مركّبة كانت سبباً لذلك. فالوزن الديموغرافي للتركمان تراجع خلال السنوات الـ18 الماضية، منذ آخر انتخابات في محافظة كركوك، بسبب الهجرة وطبيعة الزيادة الديموغرافية المتواضعة مقارنة بالأكراد والعرب. فوق ذلك، كانت المناطق التركمانية الأكثر تعرّضاً للعنف والدمار أثناء معارك مواجهة تنظيم “داعش”.

في إقليم كردستان، كانت القوى التركمانية تستفيد من التمييز السياسي الإيجابي الذي كانت تحظى به. ففي وقت كان “الثمن الانتخابي” لكل مقعد في برلمان كردستان يُقدّر بحوالى 15 ألف صوت لكل مقعد، فإنّ التركمان كانوا يحصلون على 5 مقاعد برلمانية بـ9 آلاف صوت، حسبما حصلوا في آخر انتخابات عام 2018، وذلك بسبب النفوذ والعلاقات التركية مع إقليم كردستان، ورغبة هذا الأخير بتقديم نموذج استثنائي عن منح الأقليات أفضلية وقيمة سياسية مضافة.

انعكاس خلاف “الاتحاد” مع تركيا

المراقبون أشاروا كذلك إلى الخلاف الشديد بين الاتحاد الوطني الكردستاني وتركيا خلال العامين الماضيين، وأدّى ذلك عملياً لأن يتخذ الاتحاد الوطني مجموعة من الإجراءات والاستراتيجيات السياسية، والتي تؤدي عملياً لتحجيم نفوذ تركيا في العراق، عبر تحجيم التركمان، سواءً في كركوك أو إقليم كردستان، وإلى حدّ بعيد ضمن السلطة والمؤسسات الاتحادية.

الناشط المدني التركماني طلعت صباح شرح في حديث لـ”النهار العربي” الأسباب التي يعتقد أنّ التركمان صاروا يدفعونها بالتقادم منذ العام 2003، وأدّت في المحصلة للوصول إلى اللحظة الراهنة، قائلاً إنّ “السبب المركزي يعود إلى اللحظة التأسيسية، منذ سقوط النظام السابق وتأسيس العراق الجديد عبر دستور العام 2005. فحينها كانت تركيا في أوج سلبيتها تجاه العملية السياسية في العراق، والتركمان يستندون إليها في قوتهم السياسية، وتالياً حُرموا من الكثير من الحقوق والثوابت التي كانت يجب أن تُثبت في الدستور، وصاروا فعلياً خاضعين تماماً لحسابات وتوازنات القوى السياسية الكبرى في البلاد، على عكس ما فعله الأكراد تماماً”.

يتابع صباح: “القوى التركمانية اتخذت طوال السنوات الماضية مواقف حادة وقطعية ومطلقة من الملفات السياسية. فموقفها من الأحزاب الكردية كان على أساس قومي إيديولوجي، غير مندرج في حسابات وخلافات القوى السياسية الكردية. الأمر نفسه بالنسبة للقوى السُنّية والشيعية. هذه الصلابة التي كانت القوى التركمانية تعتقد أنّها ستلاقي الترتيبات والاستراتيجية التركية في العراق، وهذه الأخيرة ستؤمّن للتركمان مكانة مميزة على الدوام. عدم سعي التركمان الحثيث لتشكيل محافظات ومناطق ذات أغلبية تركمانية، وسوء تواصلهم مع القوى الراغبة في ذلك، كلها كانت عوامل إضافية. هذا لا ينفي التعامل السياسي الهوياتي الذي تتصرّف به بعض القوى العراقية تجاه التركمان، وتعتبرهم امتداداً سياسياً لتركيا. وتدفعهم ثمن الخلاف مع تركيا”.

الجدير بالذكر أنّ القوى التركمانية في إقليم كردستان العراق تعلن رفضها لتغيير مقاعد كوتا الأقليات القومية في الإقليم، وتالياً هي أقرب للحزب الديموقراطي الكردستاني، في وقت ترفض التوجّهات القومية للديموقراطي في محافظة كركوك، وهو ما يعتبره مراقبون بمثابة فقدان للتركمان لأية قوة كردية مقرّبة منها، في منطقة تشهد تداخلاً كردياً وتركمانياً واسعاً.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
النهار العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 + أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى